سالم العلي يكتب: قراءات في أنطولوجيا الوجود البشري 

الكاتب سالم العلي

 


قراءات في أنطولوجيا الوجود البشري بين العلم والدين وفق المنهج النقدي الفلسفي الفرقدي في نقد الموروث الخرافي

لقد جاء تحليل وتحقيق الاستاذ المفكر لآيات القرآن وأستنطاقها بشكل موضوعي متجرد بما تعنيه الكلمة من معنى رؤيا عقلانية تتوافق مع المنطق والواقع، حيث نقلنا الاستاذ فرقد الربيعي بشكل نظري وعملي من المنهجية الكلاسيكية الى المنهجية النقدية العقلانية، من خلال مناقشة هذا الموروث نقاشا تجرديا محضا وعدم التسليم به بشكل مطلق وكلماته الشهيرة التي دائما اسمعها حيث يقول لي يا استاذ سالم : ( ليس من العقلانية أن نشرع لأثبات قضية ما أعتمادا على مرتكزات قد ورثناها دون أن نعلم من أين جاءت لنا؟! وما مدى قوتها لتجعلنا نثق بها كأدلة وبراهين ومعارف تامة؟! فلابد من تفحص المفاهيم والبراهين قبل الشروع بتشييد بناء عليها!! فقد تكون تلك المفاهيم التي نتعصب لها ونقطع بصحتها مغايرة للحقيقة! ) 

وهذه قفزة نوعية في طريقة التفكير الإسلامي لم أجد ما يوازيها عند المفكرين المجددين الإسلاميين؛ وعموم الناس والعلماء يكتب ويعتبر أن موروثه قطعي مُسلم لا شائبة فيه دون الالتفات إلى جانب الخرافة واللامعقول من الروايات والاحاديث! وعموم المفاهيم الدينية التي يتعامل معها المفكرين والعلماء تتفاوت بينهم نسبة الحيادية والتجرد عند نقد الموروث؛ ولكن الاستاذ المفكر قد نقلنا هذه المرة إلى منهج النقد العقلاني المتجرد الموضوعي العملي لا محض كلمات كما يرددها البعض لغرض التفاخر والتبجح أو كسلعة للإتجار بها، فلم يتعامل معها كألفاظ رنانة فارغة من محتواها بل باعتبارها منهجا نقديا عمليا صادقا ودون أن يعطي لنفسه سلطة استعباد العقول بل يترك الخيار لأي فرد بالتفكر والتدبر فيما يكتب قولا وفعلا وهذا ما لمسته من خلال مقالاته وبحوثه ومحاوراته الخاصة مع بعض الأصدقاء ومعي بشكل شخصي .

نلاحظ هنا عندما جاء لدراسة الآية القرآنية التي تتحدث عن نشأة الكون لم يتأثر بالتفاسير المعلوم عناوينها لدى عامة المسلمين ولم ويبنِ على ما بناه السابقين بل أبعد الاستاذ الربيعي نفسه من هذا كله، و قد استقرأ الآيات بأسلوب التجرد والإستنطاق العقلاني لمداليل الآيات القرآنية بطريقة الفهم الحقيقي لمقاصدها، فيكون هذا حسب قرائتي  الشخصية أول خطوة نحو تأسيس قواعد سليمة لتفسير القرآن؛ وجاء في بحثه الموسوم( أنطولوجيا الوجود البشري بين العلم والدين ) قوله سدده الله : ((( وبداية نُعرج على مورد الاشتباه الذي وقع فيه المفسرين وعموم رجال الدين بخصوص الاعتقاد السائد بأن الكون خلق منذ 6000 سنة، وحجتهم في ذلك؛ قوله تعالى ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ ) السجدة- 4

 

وقال تعالى ( وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) الحج – 47

وقال تعالى ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) السجدة -5

وهذا محض جهل قد وقع به الكاهن عندما عجز عن فهم حقيقة الكون وزمن نشأته، فلجأ الى أقرب النصوص وأسهلها لتقديم رؤية لجمهوره الذي يتطلع لسبر أغوار هذا الفضاء المليء بالحقائق والتي عجز عن أدراكها، فمنذ قرون ولا زال يُقدم فكرة مغلوطة ومغايرة للحقيقة حيث وقع في فخ تأويل النصوص القرانية وتعامل معها بسطحية وبلادة والانكى أنه يقطع بها و يجزم بصحتها، وعوضاً من أن يُجهد عقله في تقصي ماهية الكون وزمن نشأته وأكتفى بما يختصر له القضية ليحافظ على كسله الفكري وليسخر طاقته ويستثمر قواه في صياغة منهجاً للسيطرة على عقول العامة، و أعتقد علينا أن لا نجزم في قضية ما، كما يفعل رجال الدين، لكي لا تقف أفكارنا حائلاً دون مناقشتها وحرمان الناس حق الاستفهام والتحري والتحقيق، لأن الجزم بصحة الرأي هو بمثابة الحجر على العقول من خلال بناء جدار لا يمكن أن يخترقه النور، فتبقى في غياهب ظلمات الجهل .

فما أعتقد به أن الكون لم يُخلق منذ 6000 عام كما يعتقد المفسرون وكما يتداوله رجال الدين وعامة الناس، فالآيات تحدثت عن الزمن الذي استغرق عند الخالق لأتمام خلق الكون وليس عن الزمن الذي مضى على خلقه، وفي غضون 4,5 مليار عام نشأ كوكب الارض وهو ما يخصنا في مقام البحث .))) .

نجد في المقتبس الذي أوردته في هذه الحلقة من البحث المبارك لفلسفة الاستاذ الربيعي فهي حقا بهذا المضمار فريدة من نوعها حيثُ أنه أثبت لنا بآيات قرآنية أن الكون لم يخلق منذ ٦٠٠٠ الاف عام كما كنا نتصور أو كما أملاه علينا العلماء والمفسرين، وهي إلتفاتة علمية عقلية لم اقرأ ولم أجد مفكرا أو عالما قد التفت لها بدقة وقدم دليل النقض على المفهوم السابق لمعرفة حقيقة مقصد الآيات فيما يخص خلق الكون؛ 

فهل كان المقصود منها مافهمه كافة علماء المسلمين و تبعهم عامة الناس وهو أن الآيات تدل على ( تحديد عمر الكون ؟! ) أم كان المقصود ما فهمه المفكر الربيعي وهو أن الآيات تدل على ( تحديد الزمن الذي استغرق عند الله لخلق الكون؟ ) .

وبهذا يكون للمفكر العراقي السبق في الوصول لهذه النتيجة البديعة مع إعلان دليل النقض الاكثر أبداعا وللانصاف والحقيقة العلمية هذا هو ما نسميه البحث الموضوعي المتجرد عن الاعتقاد التلقيني والتعصب الفارغ ، فلذلك نهيبُ بكل باحث أو كاتب أن ينتهج منهج المفكر العراقي في الاستدلال والاستقراء في البحوث القرآنية والتراث و البحوث العلمية لأن المنهجية الفرقدية واقعا تُطلعك على كثير من الحقائق التي لم تُعرف سابقا فهي منهج علمي موضوعي ويحصل منها الباحث على الثمرة العلمية العقلانية التي تصيب الواقع بنسبة عالية ٠

 

اقرأ المقال الأصلي: 

أنطولوجيا الوجود البشري بين العلم والدين

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *