ملحمة عربية حديثة (ليلة قطبية) للكاتب أحمد لملوم  

ملحمة ليلة قطبية

بقلم الكاتب والروائي : محمد اسماعيل 

ملحمة عربية حديثة للكاتب أحمد لملوم وهي ملحمة ليلة قطبية وقبل الحديث عن تلك الملحمة كنوع أدبي يجمع بين الأنواع كلها من شعر وسجع وقصة هي صلب النص، وكذلك من ناحية الحوار تشبه المسرحية غير أن قالبها اللغوي شعري أعلى سماته السجع (نهاية متشابهة بين الجمَل لتكون ذات موسيقية وإيقاع)، أحب في عجالة أن أنوه عن تعريف الملحمة و أدب الملاحم  وسوف نتحدث عن أنواع الملحمة وأشهر الملاحم الشعرية من خلال حديثنا عن ملحمة عربية معاصرة ليلة قطبية للكاتب احمد لملوم. 

تعريف الملحمة (مقدمة حول الملحمة) 

تعريف الملحمة  هو : الحرب الشديدة، وهناك شعر ملحمي ونثر ملحمي، وحديثنا هنا عن الملحمة النثرية لا عن القصيدة الملحمية، والأدب الملحمي عموما عبارة عن قصة طويلة تحكي بسالة وشجاعة شخصية ما ويغلب عليها الجانب الأسطوري، فقد تحكي عن شخصية خيالية أسطورية تقاتل الآلهة، أو واقعية تقوم بمعارك ومغامرات قد تستحيل على بني الإنسان في الغالب، فتكون خارقة نوعا ما وربما تتناول القصة حكاية شعب من الشعوب.

الشعر الملحمي وأشهر الملاحم الشعرية 

وأقدم الملاحم الشعرية (الإلياذة و الأوديسة) ل هوميروس عند الإغريق، وكذلك (شاهنشاه) عند الفُرس، وهى آلاف من الأبيات الشعرية تحكي القصة  الأسطورية.

تُعد السيرة الشعبية في الأدب العربي أقرب للملاحم التي لم يكن يعرف بها العرب من قبل، ولكن بعد ذلك استطاع العرب تطوير بعض تلك السير لتواكب القالب الملحمي، وأقدم الملاحم العربية هي (عنترة، سيف بن ذي يزن، على الزيبق، السيرة الهلالية، ذات الهمة، فيروز شاه… )، وقد أشاد بهذا النوع الأدبي “ابن الأثير” في كتابه (المثل الثائر في أدب الكاتب والشاعر) حين أشار لملحمة (الشاهنشاه) عند الفُرس، والتي لم تعرفها العرب من قبل على حد تعبير “ابن الأثير” القرن السادس والسابع الهجري.

 يأتي “صلاح الدين الصفدي” بالقرن الثامن الهجري ليضع كتابه (نصرة الثائر على المثَل الثائر) ليستعرض أن للعرب أدب ملاحم وذكر منها أمثلة هي أقرب للسيرة الشعبية من الملحمة، فبرغم الاشتراك في الطول والجانب الديني والأسطوري والتاريخي والجانب البطولي إلا أنها تختلف في الشكل، والشكل هو ما يميز نوعا أدبيا عن آخر بالطبع.

من أشهر الملاحم العربية (كليلة ودمنة)

ذكر “الصفدي” أن العرب قد جعلوا قصص (كليلة ودمنة) في عشرة آلاف بيت ملحمي، وأن هناك احتكاك عربي بالملاحم وهذا واضح في استشهادات “الشهرستاني” بأبيات ل”هوميروس”، وغير ذلك. 

هناك محاولات عربية لتحويل بعض شخصيات التاريخ لأبطال ملحميين، كما فعل على سبيل المثال “زياد بن أمير الكنائي” بدمج سيرة شعبية بأدب ملحمة أسبانية وفي صورة عاطفية رومانسية، بل كانت (رسالة الغفران) ل “المعرّي” أقرب للملحمة وقد قرأها “دانتي” واستلهم منها وهو يكتب (الكوميديا الإلهية).

ماذا تعرف عن الالياذة الإسلامية؟ 

الالياذة الاسلامية هي عبارة عن ملحمة تتناول حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم  والسيرة النبوية المطهرة  كتبَها  “أحمد محرّم”  في أربعة أجزاء وهي من أشهر الملاحم العربية، 

ورغم قلة الأمثلة التي أوردها لكم فإننا في العصر الحديث قد غلب الشكل الروائي وأهملت نوعيات أدبية كالسيرة والمقامة والملاحم.

 إلا أنه رغم الحداثة الأدبية يعمدُ بعض الكتاب لاستدعاء تلك الأنواع وإضفاء بعض مظاهر الحداثة عليها، وأعتقد هذا ما فعله الكاتب الشاب “أحمد لملوم” في أول عمل أدبي له بعنوان ( ليلة قطبية)

ملحمة عربية زاخرة بالنثر والشعر الملحمي (ليلة قطبية)

صدرت ملحمة ليلة قطبية عن دار إبهار للنشر والتوزيع عام 2021 وهي في حوالي 340 صفحة مقسمة على 14 فصل،  تتناول القصة البطولية لشخصية “أبو شجاع” الشخصية المحورية بالنص ومغامراته البطولية من معارك وإغارات، ولأجل الظفر بحبيبته”رباب” أو “الروان” كعمود فقري للقصة.

 يقابل البطل “أبو شجاع” عدة شخصيات ليدور بينهم وبينه حوارات عديدة الموضوعات تعكس جانبا من شخصية البطل وتثير الأحداث، فيقابل “أبو شجاع” صديقه “هنري” ذلك الفنان الرسام المحب للفن والعاشق له، والتي كانت غالبية حوارات “أبو شجاع” معه حول الفن والعلم وخصائصه فيقول له هنري: [ الفن؟، عشنا في رحابه أزهى العصور، الفن إذا زاد عن حده لا يضر، بينما العلم إن زاد عن حده يكاد يدمر كل شيء، تبا للثورة الصناعية]، وفي موضع آخر يقول: [أهل العلم الذين قاربوا على إنهاء البشر كلما أعلنوا اكتشاف شيء سيغير حياة البشر! ].

وهكذا على هذا النحو مع الأحداث كانت حوارات “أبو شجاع” و “هنري العظيم” كسؤال وجواب بعقلانية تارة، وعاطفة تارة أخرى،  ثم يقابل “أبو شجاع” صاحبه “الخمّار” ليشربا معا ويتحدثان في كل شيء كذلك، ثم مقابلته مع “ذات الرداء الأحمر” ثم قصة مغامراته بجانب الأمير “زياد بن غطفان” الذي كان “أبو شجاع” خلفا له.

[ولما اكتملت الفرسان قال زياد: ياقوم، إن وليّ عهدي “أبو شجاع”، فأُلقيَت السيوف أمامي، وجثا كل فارس في مقدمتي على الركبتين، وأهدى إليّ فرسا من صُلب داحس وأمه من سلالة الغبراء، وقال: لا يستحق ركوبه إلا أبو شجاع]

ملحمة عربية يغلب عليها الرومانسية 

 يظفرالبطل  بالروان حبيبته التي وعدها بالعودة بعد العديد من الأحداث حيث تتأرجح علاقتهما ببعضهما بين مشاعر الحب المتأججة من غيرة وشوق وخلافات تنتهي بالقُبَل والعناق، يغلب في (ليلة قطبية) الجانب الرومانسي بنسبة تقترب من التسعين بالمائة فمنذ قراءة النص وحتى بعد أكثر من 120 صفحة لم تبدو ل “أبو شجاع” أية أعمال بطولية، بينما الفن والسكر والحديث عن الحب والروان وعلاقاته بالشخصيات هي الطاغية على النص وهنا سؤال مهم:

هل عناصر الملحمة وبنائها في ملحمة عربية ليلة قطبية عناصر مكتملة؟ وهل هناك خلل بنيوي ب (ليلة قطبية) إذ  أن الملحمة يجب أن تكون أسطورية بطولية بشكل كبير وليست فقط  رومانسية، ويجب أن يكون الجانب الأسطوري هو الأغلب.

ملحمة ليلة قطبية معاصرة بنكهة التحديث 

قلنا أن هناك تحديثا ما يطرأ على أي عمل ادبي باستمرار، فالتحول والتطور من آثار ليونة العمل الفني، وليس فقط “أحمد لملوم” هو من فعل ذلك، بل الملاحم الفرنسية الحديثة يغلب عليها الرومانسية أيضا واقرأ مقال “ماتيا كافنينا” حول تحول الملحمة بفرنسا لطابع نثري عاطفي. 

مراجعة ملحمة ليلة قطبية  

رغم أن الشخصيات الثانوية بالعمل والتي ذكرتها آنفا هي ما تسهم في إبراز الجوانب المتعددة بنفسية البطل، وكذلك إشعال الحبكة داخل الأحداث، إلا أن اقتصاد المؤلف في إبراز جوانب الشخصيات كان واضحا لشدة تركيزه على الشخصية المحورية، وهذا لا يعني أن البطل لم يصف بعض مشاعرهم ومظاهرهم الانفعالية أيضا، وهو الوصف من خلال شخصية أخرى للشخصية الأولى مع غياب أو خفوت الوصف المادي الظاهري، فيقول “أبو شجاع” في وصف “الخمّار”:

[ أما عن الخمار فبدا وجهه قفرا من الليل كأن ظلامه لم يبرح سماءه المرعدة، ولثم فمه بفم الزجاجة يتجرع نصفها لا ليسكر وإنما ليستفيق، فلقد علم أنه تورط مع فتىً قتل عشرة آلاف نفس] ص113، كانت البلاغة جد عالية في النص ولم أرى ثمة خلل بالقالب التعبيري باعتبار أول عمل لشاب من مواليد 1991،  ففي الفقرة التالية يصف مشهدا مع “ذات الرداء الأحمر” التي كانت تمثل دور أوكتافيا ضد كليوباترا، فيقول:

[ توهجت عيناها، وقبّلتني عن قرب ليتضوّع العطر منها فيلفحَني بدلا من الخمر التي أشرب، والوردة التي على ردائها وثلاثتهم حُمر دون الخضاب، كأن الخمر قوّاد نحو ليلة حمراء، فليتَها بمخدع رَواني حتى أطراف بياض صُبح نسيمُه كبخار عذب يطوّق إلى قربه سوداء مثل كل حبّة أنبتت وردة دمشقية].

وحين يصف حبيبته قائلا:

أجمل من عبلة مالك بن قراد

والجفن أقسى من بأس عنترة

جمالها في الأرض يزداد

فتخطى مُلك كسرى وقيصرا

وليست تلك الأبيات فقط بالنص بل أكثر من ثلاثمائة بيت شعري في 340 صفحة، وهو بنظري ما جعل النص يزداد تميزا وتألقا، بل إن الكاتب تجلى حتى كتب ما يفوق ال270 بيتا متواليا يحمل نفس عنوان النص (أنشودة ليلة قطبية) ولن أذكر منها اقتباسات لأتركك شغوفا بالاطلاع بنفسك. 

اقتباسات الملحمة  

  • [أول ما رأيتُها بدت كأنها الندى متفاعل على أوراق الأغصان، اسم فاعل منصوب بفتحة يقين الأمل لدى الإنسان، أم أنها الفاعل فلما رُفعَ اشتُق منه اسم صاحبة الإلهام أم أنها مبتدأ، فهي مدخل للقص عنوان 
  •  [ جزاء الطلة الباهية إضحاك صاحبتها، أن ترسم الضحكة على ثغرها خير من إهدائها ألف قصيدة، وطمئِنها، ستعيش ملحمة يوسفية الكمال]

ولو سنظل نقتبس لوجب علينا نقل النص كله هنا لشدة جماله الأسلوبي وصوره البلاغية الكلاسيكية، لكن غاب الجانب الأسطوري والديني عن النص وهذا كان من الممكن الاعتناء به لتكتمل البنية الشكلية للملحمة حتى وإن غلبت الرومانسية عليها، ويظل الجانب البطولي للبطل في بعض معاركه وغاراته حيث يصف معركة الجلاء قائلا :

[ وقد فوجئنا بوحدات دعم تجر العصف خلفَهم، وطوقونا بتفوق الأعداد، أربعون ضعفا، فتحولنا للخطة باء]

فما تلك الخطة؟، وماذا حدث؟

هذا في سياق الأحداث، حين كانت المعركة بين كر وفر وسجال، قال “أبو شجاع”:

[ وبقيتُ في البادية جسدا بلا روح، صدرا بلا قلب، رأسا بلا عقل، وجزعتُ لنبأ الإغارة على إمارة ابن أحرَف العزف وقتَله، قتلوه ردا على ما فعلته بهم، وقد حل بهم غضبي، وانطلقت مثل الثائرين واستدعيت صخرا وزهيرا ومالكا، ولدى كلٍّ منهم رجالهم المخلصين… ]

فهل انتصر أم ماذا حدث؟.

تنتهي الملحمة بعدما ظفر “ابو شجاع” بالروان حبيبته، وقال لها: [ما كنت لأتركك ترحلين ولو سويتُ بلادك بالرمال

ونهاية النص رسالة مشفرة بلغة فصيحة:

[طعنةُ غدرِ قوم أفواههم دميمُ كلِم، أفعالهم لُبّ بلل هلل، يتبع هلعٌ بفوْر الوصل كرّ على لد أدنى من لدن مكارم، وربُ الوصل ربُ حرب]

أعتقد هذه رسالة تتخللها ألفاظ سرية كالتي تكون بين المقاتلين بمواقع المعارك، فهل هي بوابة لأحداث جديدة للفتى “أبو شجاع”؟، فلو كان كذلك فهو إشارة لجزء آخر، ربما، خصوصا لاحظت أن الكاتب لم يذكر المزيد عن البطل، كيف نشأ وأين؟، وتساؤلات أخرى، وهل “روان” حقيقية أم مجرد فكرة في رأس الشخصية يهرع إليها كلما اشتد عليه الصراع، ليكون ذلك من الخيال ثورة على الصراع الإنساني طالما لن يتحقق واقعيا، بل هو من لوازم الوجود الإنساني! فهو القائل في الخاتمة [كانت روان بنات دهري… ]

وهو السفاح [الذي لا يرحم أسرى ولا يتصالح مع غزاة]

لكنه كان يقول [ سفكت الدماء، ورغم علمي انها بحق، ولكني أشتاق لداخلي الإنسان]

فهل تم قتله أو أسرُه؟، أم كانت النهاية تقليدية؟

منظور نقدي للملحمة 

 من بين مآخذي على العمل غير التقصير في وصف الشخصيات خصوصا الأخوين المقاتليْن، وكذلك إهمال الجانب الديني والأسطوري وهو من سمات  العمل الملحمي، كذلك الغلاف الغير متفق مع النص، فالبطل هو الأولى بأن يكون له صورة على الغلاف ممتطيا ظهر فرسة تشب بقدميها، وكؤوس خمر ملقاة على الأرض، هكذا من وجهة نظري حيث الغلاف هو من العتبات المهمة للدخول داخل النص، فجاء الغلاف معبرا عن الحالة الرومانسية المحضة وأغفل صُلب العمل وهو الملحمة رغم أن التدقيق والتنسيق الداخلي ممتاز ومريح للقراءة جدا. 

ليلة قطبية وترشيحها لعمل مسرحي

الملحمة هي فن مسرحي في قالب شعري وأعتقد من خلال الاندماج في القراءة لهذا النص أنه يصلح للمعالجة المسرحية، وأنه لو تم إخراجه مسرحيا لكان عملا رائعا مثيرا ممتعا سيما اللغة التعبيرية الحوارية المستخدمة به، و ملحمة ليلة قطبية تستحق جائزة لعدة أسباب هي : 

استلهام المؤلف نوعا أدبيا مهمَلا 

  • صياغة أسلوبه بين الكلاسيكية واللغة العادية الحالية بألفاظها العامية مثل استخدامه لكلمة (بكّاش) وهي تعني (بياع الكلام) وغيرها من المصطلحات الحديثة كذلك كأول عمل يكون بتلك البراعة.
  • محاولته الجمع بين الشعر والنثر بنص واحد دون اقتباس حتى أنه كتب أكثر من ثلاثمائة بيت شعري منها الحسن ومنها الأقل حُسنا ومنها الأقرب للسجع
  •  موافقته للأدب الملحمي الفرنسي الحديث والذي أشار إليه “ماتيا كافنينا” 
  •  ويعد كما أرى من وجهة نظري أنه مؤسس لهذا النوع (القديم الحديث)
  • تحرر الكاتب من قيود الكتابة الملحمية بالتعبير والإشارة لفنون كالموسيقى والرسم وغيرها أي التعددية والاختلاف، تماما كخروج “بيتهوڤين” عن نمط الموسيقى القديم عند “باخ” و “موزارت” وغيرهما بأن لكل آلة إمكانية العزف منفردة وليست من خلال الاندماج داخل أوركسترا وهذا واضح في الإهداء الذي يخص فنانين تعددت فنونهم. 

تعريف مؤلف ليلة قطبية 

المؤلف هو أحمد لملوم السعدي، مواليد القاهرة شهر إبريل عام 1991، من قبيلة الفوايد المنتمية للقيسيين قبيلة سليم بن قيس عيلان فخذ السعادي من أصول تاريخية عريقة طالب كلية الطب كجراح مستقبلي ترك الطب والتحق بالجامعة الكندية بمصر كلية الإعلام غير أنه لم يكمل الدراسة لأسباب تخصه، وحاليا يعمل بمجال السياحة كرجل أعمال حروليلة قطبية أول عمل له ينبئ بقدوم كاتب صاحب أسلوب مميز.

 

أحمد لملوم
أحمد لملوم

اقرأ أيضا :

رواية طاحونة النمل صراع مجتمعي إنساني للكاتب محمد اسماعيل 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *