بقلم الشاعر المصري/ محمد الردان
إن الخريفَ أتى على الأبـوابِ
و أنا كسـرتُ مع المشيب ربابي
أنا لم أعــدْ ذاك الفتـى ، بغـرورهِ
من بعد ما خلعَ الزمانُ شــــبابي
أصْبحتُ كهلاً ، هَمُــــهُ في قوتِـــهِ
لا بالنســـــاءِ أهيـمُ ، أو بشرابِ
أرنو إلى ماضي الطفولـةِ و الصبا
فأراهُ مرســـــــوماً على أهدابي
فلكمْ قضيتُ لياليــاً ، في غفلـــــةٍ
و لكمْ هجــرتُ لغفلتِـي محــرابي
و لكم ضَلَلْتُ عنِ الطريـقِ مجاهراً
بالذنبِ في أهلي و في أصـحابي
و لكمْ رضيتُ بأن أكونَ لدى الهوى
عبـداً ، أطـاوعه بدون حســـابِ
و وصمتُ بالعثــراتِ كلَ صـحائفي
و ملأتُ بالعصْـــيانِ كلَ كتــابي
و تعطلتْ لغةُ الثنــــــــــاءِ لخـالقي
عندي و صار الشُــــكرُ للألقابِ
و أقمتُ تمثـــــــــالاً لكلِ منــــــافقٍ
و جعلتُ أبْـواقَ الهـوى أربـابي
و خَشِـيتُ مخلوقاً ، توحَـدَ بيننــــا
عبرَ الزمـانِ ممزقِ الأنســــــابِ
و تركتُ من أجلِ النقـــود مبادئاً
علويةً ، و ســــجدتُ للأنصـــابِ
و كـفرتُ بالقيًـمِ الكريـمةِ ، طالباً
مجــداً يـزولُ ، كومضـةٍ و سـرابِ
و أذقْتُ غيري سُـــمَ حقدٍ قاتــــلٍ
و تركتُ كل شَــــــــــــرائع الآدابِ
و حفرتُ للأخـلاقِ قبــرَ زوالهــا
و كشَفْتُ في سـوق الريــاءِ نقابي
و سـلبْتُ حقَ الآمنيــــنِ بدورهمْ
و أعَدْتُ بالجبروتِ شـــرعَ الغابِ
و ملأْتُ من دمع اليتيـمِ مســالكاً
للبؤسِ ، تُذْهِبُ فطنــــــةَ الألبـابِ
و كذا أعيشُ ، أهدُ بنيــانَ الورى
بالزيفِ و النــكرانِ و الإرهــابِ
فالخِـلُ ، يرهبُ أنْ يظلَ بجانبي
حَــذِراً ، و يَنفـرُ - دائـما - أترابي
أما الذينَ عَرفتُـهمْ ، لمطــــامعٍ
فهمو بفضـلِ - منافعي - أحبـابي
و كذاكَ كنْتُ ، أنا الظَلومُ ، بعـالمٍ
غثِ الضميـــرِ ، مذبذبٍ ، مرتابِ
فسألتُ نفسي كم عِدادُ منِ اقتفى
سِيَرَ الضياعِ و كم همو ضَرَا بي ؟
و هُنا سـمعتُ حديثَ قلبٍ مُوجعٍ
يبكي ، و يهمسُ حائراً ، بجــوابِ
يا صـاحبي ، أن الحيـــاة تلونتْ
و مشــتْ بدربٍ ، مقفــرٍ ، كـــذابِ
فيهِ ، رأيتُ الحـــقَ زيفاً رائـعاً
و به يمـــــوتُ المرءُ دونَ عتـــــابِ
و هو الذي اصطنعَ المخاوف كله
و قسـا فصرتُ اليومَ نصلَ حِرابِ
و نسيتُ أني بِضـــعةٌ من مُضغةٍ
مُزجتْ بمـاءٍ في الــورى و ترابِ
أوجدتها يارب - أنت - بحكمةٍ
قدســـية الأقدار و الأســـــــباب
-----------
يـا ربُ ، إني قد ندمتُ ، و ساقني
نـدمي ، فجئتُكَ راجيـاً ، بالبــابِ
و خجلْتُ ممــا قد فعلتُ ، و هزني
خجلي ، أمامَ الغــافرِ التــــوابِ
فوقفتُ أرفــعُ توبتي ، بمدامعي
أرجوكَ ، يا ربُ ، قبـولَ متابي