بقلم الدكتور/ محمد عمر أبوضيف القاضي
عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر
من ضياع القيم!
من القيم التي انعسكت، والأخلاق التي تبدلت، بل انتهت: مراعاة الحرمات، وقد كانت خلقا متأصلة في الطباع، مركوزة في النفوس، زادها الدين ألقا وجمالا، وحبب الناس فيها؛ بما وضع لها من ثواب، وما حاطها به من قيود، ووضع لها من ضوابط؛ فمن فترة ليست بالبعيدة ولا بالقريبة قبل عقود من الزمان قبل الانتشار الفاحش لوسائل الإعلام والتواصل التي خلطت، وخبطت، وساقت الناس إلي المفاسد كنت تسمع عن: حرمة الطريق، وحرمة البيوت، وحرمة الجار... وكلها ضوابط يرتضعها الطفل مع اللبن، وينشأ عليها، ويشب، ويكبر؛ فأداؤها سهل هين عليه، ويري الجميع يسير علي هذا النهج، وإذا ما شذ أحد عن الصواب افتضح، وعرف، ورأي من الإنكار الجلي والخفي، ومن اللوم الصريح والتوبيخ بالإشارة والتلميح ما يرده إلي جادة الطريق، ويعيده للصواب...
هكذا سار الأمر حتى فشا فينا ما يسمي بالتحضر _ وهو زائف _ ، والتقدم _ وهو خادع _ ؛ فاستبدلنا الذي هو أدني وأخس وأرخص بالذي هو خير وأغلي وأعلى، وعم الأمر، وطم؛ فعلا السفلة، وارتفعوا؛ بدنائة نفوسهم، وحقارة قلوبهم، وفساد طباعهم، وقلة حيائهم، مستعينين بسطوة المال، وبهرج الشهرة، واجتماع الغوغاء، والدهماء، والأرازل، وتصفيقهم لهم، وزاد الطين بله: سكوت المجتمع، وعموم ثقافة: (وأنا مالي)، و(خليك في حالك)، وصرنا لا نتناهى عن منكر ُيفعل، وتركنا الأخذ علي يد : الظالم، والضال، واللاهي؛ حتي ضاعت الحرمات بالعمد، ثم نسيت، وصار من يصنع القبيح لا يشعر بوخز ضمير، ولا حتي يعرف أنه يصنع قبيحا، بل إنه يظن أنه يصنع شيئا عاديا يصنعه كل الناس.
والذي أثار هذا الكلام في نفسي أني رأيت رجلا ليس صغيرا، بل كهلا، لا يقل عن أربعين سنة، يجلس في المسجد على كرسي وقد وضع رجلا على رجل، بطريقة غبية تأباها النفس السوية، بل لا يستطيع بحال أن يجلسها أمام أشخاص ذوي مناصب دنيوية، بل لا يستطيعها في مؤسسات كثيرة؛ فاستغربت لهذه الجراءة الغريبة علي حرمة بيت الله، وعدم وضع جلال الله بين عينيه، وهو أمر عاقبته وخيمة، وربما عوقب صاحبه في الدنيا بمن يحقر شأنه، ويستهزء به.
وذكرت ما قرأته في: الرسالة القشيرية حيث ذكر: قَالَ بَعْضهم: رأيت فِي الطواف إِنْسَانا بَيْنَ يديه شاكريه، يمنعون النَّاس لأجله عَنِ الطواف، ثُمَّ رأيته بَعْد ذَلِكَ بمدة عَلَى جسر بغداد يسأل النَّاس شَيْئًا؛ فتعجبت منه؛ فَقَالَ لي: أنا تكبرت فِي موضع يتواضع النَّاس هناك؛ فابتلاني اللَّه - تَعَالَى- بالتذلل فِي
موضع يترفع فِيهِ النَّاس.
تعرف أكثر على الدكتور/محمد عمر أبو ضيف القاضي
شاهد الفيديو : اضغط هنا