قاعدة جبل حمزة الصاروخية درع مصر الصاروخي.. تاريخ، تطورات، ودورها في الردع الإقليمي

تتربع قاعدة جبل حمزة في قلب الصحراء المصرية كحصن منيع، ليست مجرد منشأة عسكرية عادية، بل هي نبض القدرة الصاروخية […]

قاعدة جبل حمزة الصاروخية

تتربع قاعدة جبل حمزة في قلب الصحراء المصرية كحصن منيع، ليست مجرد منشأة عسكرية عادية، بل هي نبض القدرة الصاروخية المصرية، ورمز الإرادة الوطنية على صناعة المستحيل. منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، تواصل هذه القاعدة إرسال رسالة واضحة لكل متربص: “الداخل لحدود مصر مفقود، مهما كانت قوته”. لقد أثبتت جبل حمزة، عبر تاريخها الطويل، أن المصريين قادرون على تحويل الطموحات إلى واقع، من تطوير الصواريخ الباليستية إلى دمج أحدث منظومات الدفاع الجوي.

يُطرح السؤال دائمًا: ما الذي جعل هذه القاعدة تمثل تهديدًا إقليميًا بهذا الحد؟ وكيف تحولت من مشروع طموح في عهد الزعيم جمال عبد الناصر إلى ركيزة أساسية للدفاع المصري واستراتيجية الردع؟ هذا المقال يستعرض الأبعاد التاريخية والاستراتيجية والتطورات الحديثة لقاعدة جبل حمزة، كاشفًا سر قوتها وتأثيرها.


ما هي قاعدة جبل حمزة الصاروخية؟ موقعها، نشأتها، وأهميتها للجيش المصري

قاعدة جبل حمزة ليست مجرد موقع لإطلاق الصواريخ؛ إنها قلعة صاروخية حقيقية، شُيدت في أواخر خمسينيات القرن الماضي، ولا تزال تعمل كواحدة من أقدم منشآت الصواريخ الباليستية النشطة في العالم النامي. تقع هذه المنشأة العسكرية المتخصصة في اختبار وإطلاق الصواريخ الباليستية على بعد 60 كيلومترًا شمال غرب العاصمة القاهرة، تحديدًا في محافظة الجيزة، بالقرب من طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي.

الظروف التي قادت إلى إنشائها

تعود فكرة إنشاء هذه القاعدة وبرنامج الصواريخ المصري الطموح إلى إدراك القيادة المصرية للحاجة الماسة إلى سلاح رادع بعد هزيمة عام 1948. تعزز هذا الإدراك بشكل خاص بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث أدرك القادة المصريون، تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر، أن الاعتماد على الأسلحة التقليدية وحده لم يعد كافياً لضمان الأمن القومي.

ومع فشل محاولات شراء الصواريخ الباليستية من الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، لجأت مصر إلى خبرات علماء ألمان سابقين، مثل:

  • يوجين سانجر
  • وولفجانج بيلز

هؤلاء ساهموا في تطوير صواريخ مستوحاة من تقنيات V-2 الألمانية الشهيرة وصواريخ فيرونيك الفرنسية. كان هذا التحول نحو الاعتماد على الذات والخبرات الأجنبية مؤشرًا مبكرًا على الطموح المصري في بناء قدرات دفاعية مستقلة.

الأهمية الاستراتيجية للجيش المصري

تكمن الأهمية الجوهرية لقاعدة جبل حمزة للجيش المصري في كونها العمود الفقري لبرنامج الصواريخ الباليستية الوطني. إنها ليست مجرد موقع لإجراء التجارب، بل هي مركز شامل للبحث والتطوير والتدريب، يدعم باستمرار القدرات الدفاعية المصرية.

يمثل جبل حمزة ركيزة أساسية في استراتيجية الردع التي يتبناها الجيش المصري، ومساهمًا فعالًا في تحقيق توازن القوى الإقليمي. ومن أبرز ما يميزها:

  • حرية أكبر في تطوير وتحديث القدرات الصاروخية، لعدم انضمام مصر إلى نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ (MTCR).
  • القدرة على مواجهة التهديدات الإقليمية، خاصة من إسرائيل.
  • تطوير صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى مثل النسخ المعدلة من صواريخ سكود، بمدى يصل إلى 500 كيلومتر أو أكثر.

مستجدات وتوسعات قاعدة جبل حمزة: تحديث مستمر لقدرات الردع المصرية

برنامج الصواريخ المصري
برنامج الصواريخ المصري

لم تتوقف قاعدة جبل حمزة عن التطور والتحديث منذ نشأتها. فقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات هائلة تعكس حرص مصر الدائم على تعزيز قدراتها العسكرية وتحديثها لمواجهة التحديات المتغيرة.

توسعات بين 2001 و2009

كشفت صور الأقمار الصناعية عن توسع كبير وملحوظ في القاعدة. حيث شملت هذه التوسعات:

  • إنشاء منصات إطلاق جديدة.
  • تطوير مبانٍ لمعالجة الصواريخ أفقيًا.
  • خلايا اختبار محتملة للرؤوس الحربية في الجزء الغربي من الموقع الجنوبي.

هذا التوسع أثار قلق إسرائيل والعديد من الدول الغربية، ووصفته تقارير استخباراتية أمريكية بأنه دليل على وجود برنامج صاروخي نشط ومتنامٍ في مصر.

التطورات في السنوات الأخيرة

وفقًا لتحليلات صور الأقمار الصناعية، وتحديدًا بيانات “سنتينال” من أبريل إلى أغسطس 2025، لوحظت تغييرات مهمة:

  • ظهور حظائر جديدة وطرق داخلية مفتوحة.
  • نشاط متكرر في مناطق العربات (ملء وتفريغ آليات ومعدات).
  • تواجد صواريخ سكود B/C المصنعة محليًا.

هذه التطورات يُعتقد أنها نتيجة تعاون تقني مع كوريا الشمالية وروسيا.

تعزيز الحماية الدفاعية

تأتي هذه التحديثات في سياق صفقات عسكرية كبرى عقدتها مصر، من أبرزها:

  • شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة S-300.
  • الحصول على منظومة HQ-9B الصينية.

هذه المنظومات الحديثة وفرت حماية متكاملة للقاعدة من أي هجمات جوية محتملة، وزادت من كفاءتها القتالية.

“تعرف على: مصفاة الذهب في مصر


تجارب الصواريخ الباليستية التي تتم في القاعدة

الصواريخ الاستراتيجية المصرية
الصواريخ الاستراتيجية المصرية

لطالما كانت قاعدة جبل حمزة مسرحًا لأبرز التجارب الصاروخية في تاريخ مصر الحديث.

التجارب الأولى (1962)

في يوليو 1962، أجرت مصر أولى الرحلات التجريبية الناجحة لصواريخها، حيث تم تنفيذ أربع عمليات إطلاق ناجحة لصواريخ:

  • “الظافر”
  • “المنتصر”
  • “القاهر”

كانت هذه الصواريخ أحادية المرحلة، تعمل بالوقود السائل، وتعتمد على أنظمة توجيه بدائية نسبيًا. لكنها شكلت نقلة نوعية في الاستقلال العسكري المصري.

بعد نكسة 1967 وحتى حرب أكتوبر

  • حصلت مصر على صواريخ سكود من الاتحاد السوفيتي.
  • أجرت تجارب تحديث وإطلاق لهذه الصواريخ داخل القاعدة.
  • خلال حرب أكتوبر 1973، تم إطلاق ثلاثة صواريخ سكود من القاعدة كرسالة تحذيرية لإسرائيل.

رغم محدودية تأثيرها العسكري المباشر، إلا أن رسالتها السياسية والردعية كانت قوية للغاية.

التجارب الحديثة

في السنوات الأخيرة استمرت القاعدة في:

  • اختبار الصواريخ (Rocket) المنتجة محليًا.
  • إجراء تدريبات للقوات المصرية على أنظمة التوجيه الحديثة.
  • اختبار رؤوس حربية تقليدية وربما أنواع أخرى محتملة.

هذا جعل من القاعدة مركزًا متقدمًا للابتكار العسكري في المنطقة.

“اقرأ أيضًَا: تنظيم ثورة مصر


خطورة القاعدة على إسرائيل وأهميتها في استراتيجية الردع المصرية

تمثل قاعدة جبل حمزة تهديدًا استراتيجيًا كبيرًا لإسرائيل، نظرًا لقدرتها على إطلاق صواريخ تغطي أعماق الأراضي الإسرائيلية بسرعة ودقة عالية.

مدى التهديد

  • تطوير صواريخ بمدى يصل إلى 1300 كيلومتر يجعل أهدافًا حيوية مثل تل أبيب وديمونة تحت التهديد المباشر.
  • الصواريخ المصرية قادرة على حمل رؤوس حربية ثقيلة تصل إلى 750 كيلوجرامًا.
  • تجاوز فعالية الدفاعات الإسرائيلية مثل القبة الحديدية ومنظومة آرو (Arrow).

الدور في استراتيجية الردع

  • القاعدة تمثل “الدرع والسيف” في آن واحد.
  • تحقق توازن القوى الإقليمي لصالح مصر.
  • زادت أهميتها بشكل خاص بعد رفع عدد منصات الإطلاق داخلها إلى ما يقارب سبعة أضعاف.

“قد يهمك: مؤشرات الاقتصاد المصري


الخاتمة: جبل حمزة… قوة للسلام أم للردع المستمر؟

منذ بنائها في خمسينيات القرن الماضي، مرورًا بتوسعاتها الحديثة، وصولًا إلى دورها المحوري في استراتيجية الردع ضد إسرائيل، أثبتت قاعدة جبل حمزة أن مصر قادرة على مواجهة التحديات الجيوسياسية بفاعلية واقتدار. ومع ذلك، فإن مصر تظل حريصة على أن تكون هذه القوة الهائلة أداة للسلام والاستقرار في المنطقة، لا للتصعيد غير المحسوب.

إن الوجود القوي لقاعدة جبل حمزة يعزز من موقف مصر التفاوضي ويزيد من وزنها الاستراتيجي، مما يمكنها من حماية مصالحها الوطنية بمرونة.

يبقى التساؤل مطروحًا:

  • هل استمرار مصر في تطوير هذه القاعدة قد يعرضها لعقوبات أمريكية أو ضغوط دولية، خاصة في سياق العلاقات المعقدة مع إسرائيل؟
  • أم أن مصر يجب أن تكرر تجربة جبل حمزة في مناطق أخرى، إيمانًا منها بأن الأمن القومي لا يمكن المساومة عليه؟

إن موازنة مصر بين تعزيز قدراتها الدفاعية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي ستحدد مسار مستقبل هذه القاعدة ودورها في المشهد الجيوسياسي المتغير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top