التوحيد في الدعاء: منهج الأنبياء والأئمة في الاستغاثة بالله وحده
dua
اكتشف مفهوم التوحيد في الدعاء وأدلته من القرآن والسنة ومنهج الأنبياء وأهل البيت في الاستغاثة بالله وحده. مقال يصحح المفاهيم الخاطئة

الدعاء هو جوهر العبادة، وهو صلة العبد بربه، به يرفع المرء حاجاته، ويبث شكواه، ويطلب عونه وتوفيقه. وفي الإسلام، يعتبر الدعاء لله وحده من أهم مظاهر التوحيد الخالص، الذي هو أساس الدين. ومع ذلك، تشوب بعض الممارسات والخلافات هذا الركن العظيم، خاصة فيما يتعلق بمن يجب أن يُدعى ويُستغاث به. هذا المقال سيتناول مفهوم التوحيد في الدعاء، مستعرضاً الأدلة من الكتاب والسنة، وموضحاً منهج الأنبياء والصالحين وأهل البيت في استغاثتهم بالله وحده، ومصححاً لبعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة.
قائمة المحتويات
مفهوم التوحيد في الدعاء: الاستغاثة بالله وحده
التوحيد في الدعاء يعني إفراد الله سبحانه وتعالى بالطلب والاستعانة والاستغاثة، فلا يُدعى معه أحد سواه، ولا يُلتجأ إلا إليه، ولا يُرجى كشف الضر وجلب النفع إلا منه. هذا المفهوم ينبع من الإيمان المطلق بكمال الله تعالى وقدرته المطلقة على كل شيء، وأنه المدبر الوحيد لأمور الكون، والسميع المجيب لدعاء المضطرين.
قال تعالى في محكم آياته: “أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ” (النمل: 62). هذه الآية الكريمة تحدد بوضوح مصدر الإجابة وكشف السوء، وهو الله وحده لا شريك له.
إن أي دعاء أو استغاثة بغير الله، سواء كان نبياً مرسلاً، أو ولياً صالحاً، أو إماماً معصوماً، أو حتى ملَكاً مقرباً، يعتبر شركاً في الألوهية، لأنه يضع المدعو في مرتبة الشريك لله في قدرته على الإجابة والكشف، وهي صفات لا يشاركه فيها أحد. لا يعني هذا التقليل من شأن الأنبياء والصالحين، فهم أصحاب منزلة عظيمة عند الله، ولكن منزلتهم لا تخولهم أن يكونوا شريكاً لله في الدعاء أو العبادة.
دعاء الأنبياء والمرسلين: منهج الأنبياء في الاستغاثة

إذا نظرنا إلى قصص الأنبياء والمرسلين عليهم السلام في القرآن الكريم، سنجد أن منهجهم في الدعاء والاستغاثة كان واحداً: التوجه إلى الله وحده بلا وسيط. فمنزلة الأنبياء أعلى منزلة يمكن أن يصل إليها البشر، ومع ذلك، لم يدعوا أحداً غير الله عند الشدائد، بل كانوا يدعون ربهم مباشرة.
- نوح عليه السلام: عندما اشتد عليه قومه وعصوا أمره، لم يلجأ إلى الملائكة أو الصالحين من قبله، بل دعا ربه مباشرة: “رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ” (القمر: 10).
- موسى عليه السلام: عندما خرج من مصر خائفاً، دعا ربه: “رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” (القصص: 24). وعندما ظلم نفسه، قال: “رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي” (القصص: 16).
- إبراهيم عليه السلام: دعا ربه أن يجعل هذا البلد آمناً: “رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا” (البقرة: 126).
- أيوب عليه السلام: عندما مسه الضر، لم يستغث بأحد من المخلوقين، بل دعا ربه: “رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” (الأنبياء: 83).
- عيسى عليه السلام: طلب من ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء: “اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ” (المائدة: 114).
هذه الأمثلة وغيرها الكثير في القرآن تثبت أن الأنبياء، على عظيم منزلتهم، لم يتوسلوا بغير الله، ولم يطلبوا الشفاعة من مخلوق، بل كانوا يدعون الله وحده في كل أحوالهم، مؤمنين بأن بيده مقاليد كل شيء.
قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: “فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ” (الأنعام: 90)، وهذا يشمل منهجهم في الدعاء والتوجه لله وحده.
“قد يهمك: سر الخليقة“
“اطلع على: فهم سورة التحريم“
منهج أهل البيت والصحابة في الدعاء
يطرح البعض سؤالاً مهماً: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم، أو علي بن أبي طالب، أو الحسين رضي الله عنهما، يدعو أحداً غير الله عند الشدائد؟ هل كان علي في الغزوات يقول “يا محمد يا رسول الله”، أو الحسين في كربلاء يقول “يا زهراء أغيثيني” أو “يا علي”؟ الإجابة القاطعة هي: لا. لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أو أهل بيته الكرام أنهم دعوا غير الله أو استغاثوا بغيره.
فالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخلق، كان يلجأ إلى الله وحده في أصعب المواقف، كما في غزوة بدر حين دعا ربه واستغاث به: “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض أبداً”. وكذلك علي بن أبي طالب والحسين وسائر أهل البيت والصحابة، كانوا على بصيرة من أمر دينهم، يعلمون أن الدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله. دعوتهم كانت “يا الله”، و”يا رب”، و”اللهم”.
وهذا هو الدليل الأقوى على أن من يدعو الله وحده، فهو على ما كان عليه آل البيت الأطهار والصحابة الكرام حقاً. إن التحدي الذي يطلقه أهل العلم لأولئك الذين يجيزون دعاء غير الله بأن يأتوا بآية قرآنية واحدة أو بحديث صحيح صريح يجيز هذا الفعل لم يُجب عليه قط، ولن يُجاب، لأن القرآن الكريم صريح في حصر الدعاء والاستغاثة بالله وحده.
الأدلة القرآنية على وجوب دعاء الله وحده
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تأمر بالدعاء لله وحده وتنهى عن دعاء غيره:
- “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” (غافر: 60). الآية تجعل الدعاء عبادة، والاستكبار عنها يؤدي إلى جهنم.
- “فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا” (الجن: 18). نهي صريح لا يحتمل التأويل عن دعاء أي أحد مع الله.
- “وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” (المؤمنون: 117). الآية تحذر من دعاء إله آخر مع الله.
- “لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ” (الرعد: 14). توضح الآية أن الدعاء الحق هو لله، وأن من يُدعون من دونه لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً.
هذه الآيات وغيرها كثير تشكل أساساً متيناً لوجوب إفراد الله تعالى بالدعاء، ولا يمكن لأي تأويل أن يغير من دلالتها الواضحة والصريحة.
“قد يهمك: كشف الحقائق وراء الأسماء والأحكام“
تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الدعاء والاستغاثة
قول “يا علي مدد” أو “يا حسين”
هذه الأقوال، وإن كانت تنبع من محبة أهل البيت، إلا أنها تخالف صريح القرآن والسنة في جانب الدعاء والاستغاثة. فالدعاء مدد هو طلب مباشر لعون، وهو حق خالص لله تعالى. أهل البيت أنفسهم لم يطلبوا المدد من غير الله، بل كانوا أقرب الناس إلى تحقيق التوحيد الخالص في حياتهم. فإذا كان علي في معاركه يقول “يا الله”، فكيف يمكن لمحبيه أن يدعوا علياً نفسه طلباً للمدد؟ هذا تناقض واضح مع منهجهم.
السجود على “التربة” أو “القرص الدائري”
مسألة السجود على قطعة من الطين أو “التربة” أو “القرص الدائري” الذي يوضع أثناء الصلاة، هي ممارسة لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة أو أئمة أهل البيت. هذه البدعة ظهرت متأخرة على يد عالم شيعي يدعى الكركي قبل حوالي 200-250 سنة. السجود يكون على الأرض مباشرة أو على ما تتصل به الأرض طبيعياً، وليس على قطعة طين مخصصة لهذا الغرض. ومع ذلك، عدم التكتف في الصلاة وترك اليدين سابعتين لا يبطل الصلاة وهو أمر فرعي، ولكن الأهم هو تجنب البدع المحدثة.
تسمية الأبناء بأسماء الأنبياء
الاعتراض على تسمية الأبناء بأسماء أنبياء بني إسرائيل (مثل يوسف وموسى) بحجة أنهم ليسوا من آل البيت هو اعتراض غير صحيح. جميع الأنبياء أخوة في النبوة ورسالتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله. الأنبياء كلهم قدوة حسنة، وقد أمرنا الله بالاقتداء بهم. تسمية الأبناء بأسماء الأنبياء هي سنة حسنة وتعبير عن المحبة والتقدير لهم، ولا تتعارض مع محبة أهل البيت، بل هي توسعة لمفهوم القدوة الصالحة في الإسلام.
“قد يهمك: السحر الروحاني“
التوحيد في الدعاء: الخاتمة
إن التوحيد في الدعاء هو حجر الزاوية في العقيدة الإسلامية. الأنبياء، والصحابة، وأهل البيت، كلهم أجمعوا على أن الدعاء والاستغاثة لا تكون إلا لله وحده. إن المؤمن الحق هو الذي يعتصم بحبل الله المتين، ويتوجه إليه بالدعاء في السراء والضراء، مستلهماً منهج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج الأنبياء من قبله، ومنهج أهل بيته الطاهرين وصحابته الكرام. هذا هو الطريق الصحيح الذي يثبت العبد عليه، وينال به رضا الله وتوفيقه. فليكن شعارنا الدائم في كل كربة ومطلب: “يا الله، يا رب”.