الصراعات على العملات المستقرة والـCBDC: معارك سياسية على ساحة البلوكشين

في الوقت الذي تشهد فيه العملات المستقرة ازدهارًا غير مسبوق، خاصة بعد تمرير قانون GENIUS في الولايات المتحدة، يتضح أن ساحة البلوكشين لم تعد مجرد فضاء تقني حر، بل أصبحت ميدانًا جديدًا للصراعات السياسية والتنظيمية. من صعود العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) إلى التوترات بين القوانين الأمريكية واللاعبين الأجانب، يتجه العالم نحو عصر جديد من “سلاسل الدول” بدلًا من حلم البلوكشين العالمي الموحد.
قائمة المحتويات
قانون GENIUS: الضوء الأخضر الأمريكي للعملات المستقرة
مع تمرير قانون GENIUS، أرسلت الولايات المتحدة رسالة واضحة مفادها أنها منفتحة على مستقبل البلوكشين. هذا القانون منح العملات المستقرة الأمريكية، مثل USDC الصادرة عن شركة Circle، دفعة قوية، خصوصًا مع اقتراب الشركة من الاكتتاب العام وارتفاع تقييمها إلى عشرات المليارات.
لكن في الوقت نفسه، أدى هذا القانون إلى تعقيد الأمور بالنسبة للجهات الأجنبية. أصبح على المصدرين غير الأمريكيين الامتثال للقوانين الأمريكية، أو مواجهة الحظر المحتمل، ما يعني أن السوق بات يميل بوضوح لصالح الشركات الأمريكية العملاقة.
العملات المستقرة تحت ضغط السياسة
رغم الأجواء الإيجابية، فإن مستقبل العملات المستقرة يبدو مهددًا بصراعات جيوسياسية متزايدة. تدخل العالم في مرحلة ما بعد العولمة، مع تركيز الدول على سيادتها الرقمية ومحاولة السيطرة على تقنيات المستقبل، بما فيها العملات المشفرة.
الاتحاد الأوروبي يفرض لوائح صارمة، مثل لائحة MiCA، التي تُجبر المصدرين على الاحتفاظ بالأصول داخل البنوك الأوروبية. وفي الولايات المتحدة، يتم التضييق على العملات المستقرة المدعومة بالخوارزميات، مثل BUSD، مع تفضيل العملات المدعومة نقديًا وتلك الصادرة عن كيانات كبيرة.
صعود “سلاسل الدول” بدلًا من شبكة عالمية موحدة

أصبحت “سلاسل الدول” مصطلحًا جديدًا يعكس توجه الدول نحو بناء شبكات بلوكشين محلية ومراقبة، مخصصة للاستخدام الداخلي فقط. تسعى دول مثل الصين وروسيا إلى تطوير عملاتها الرقمية للبنك المركزي (CBDC) بطريقة منعزلة، باستخدام شبكات بلوكشين مغلقة لا تسمح بالتفاعل الدولي الحر.
هذا التحول يعكس انقسامًا متزايدًا في فضاء العملات الرقمية: في حين تبقى عملة بيتكوين أداة عالمية لا مركزية، تصبح العملات المستقرة والعملات الرقمية الرسمية أدوات جيوسياسية خاضعة لسيادة الدول وحدودها.
الدولار الأمريكي ما زال مهيمنًا، ولكن إلى متى؟
لا يزال الدولار الأمريكي يحتفظ بدوره كعملة تسعير رئيسية في الأسواق العالمية، كما أن معظم العملات المستقرة الحالية مربوطة به. ومع ذلك، فإن ازدياد عدد العملات المستقرة المرتبطة بعملات أخرى مثل اليورو والين واليوان قد يشير إلى بداية نهاية هذا الاحتكار.
من جهة أخرى، فإن التضييقات التنظيمية داخل الولايات المتحدة نفسها، مثل الحظر على العملات الخوارزمية، تؤدي إلى تقلص عدد الخيارات المتاحة للمستخدمين، مما قد يفتح المجال أمام العملات الرقمية الرسمية لتأخذ مكان العملات المستقرة الخاصة.
تأثير القوانين على المنافسة والاحتكار
مع تصاعد التكاليف المرتبطة بالامتثال للقوانين الجديدة، بات من الصعب على الشركات الصغيرة الاستمرار في إصدار عملات مستقرة. القوانين التنظيمية باتت تفضل الشركات الكبرى القادرة على التعامل مع متطلبات الرقابة والمحاسبة، مما يفتح الباب لاحتكار السوق من قبل عدد محدود من الشركات.
وفي أوروبا، تتكرر الصورة نفسها، إذ بات من اللازم الحصول على تراخيص محددة والامتثال لمجموعة من اللوائح المعقدة. هذا التعقيد قد يدفع بعض المشاريع إلى الانسحاب أو التحول إلى حلول غير قانونية أو سرية.
هل تصبح بيتكوين موردًا استراتيجيًا؟
مع التوجه نحو العملات الرقمية الرسمية، هناك قلق متزايد من أن بيتكوين قد تتحول إلى أصل استراتيجي تحت سيطرة الدول، بدلًا من كونها وسيلة تحرر مالي. بعض الدول بدأت بالفعل في إنشاء احتياطيات من بيتكوين، ما يثير مخاوف من أن تصبح ساحة جديدة للتنافس الجيوسياسي على غرار سباق التسلح أو احتكار الموارد الطبيعية.
الجانب الإيجابي: لم تُهزم العملات الرقمية بعد
رغم كل القيود والصراعات، تبقى الحقيقة أن العملات الرقمية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الرقمي العالمي. لم تعد تهمة امتلاك العملات الرقمية تُعرض صاحبها للمساءلة، بل أصبحت هذه الأصول مقبولة بل وحتى مرغوبة من قبل المؤسسات المالية الكبرى.
فبينما تتصارع الدول، يستمر المستخدمون في تبني العملات الرقمية، وإيجاد طرق جديدة للاستفادة منها، ما يعكس أن الصراع السياسي قد لا يكون له تأثير جوهري على استخدام الأفراد لهذه التقنية.
الصراعات على العملات المستقرة والـCBDC: الخاتمة
تدل المؤشرات الحالية على أن عالم العملات الرقمية في طريقه إلى الانقسام إلى كتل إقليمية خاضعة للسيادة الوطنية. ومع صعود “سلاسل الدول” وتفاقم القيود التنظيمية، يبتعد الحلم الأصلي للبلوكشين كشبكة عالمية لا مركزية.
لكن في الوقت نفسه، فإن المستخدمين مستمرون في التفاعل مع هذه التكنولوجيا، وبيتكوين لا تزال عصية على الإلغاء. يمكن القول إن المستخدمين قد ربحوا المعركة الأولى، أما ما تبقى فهو صراع بين الحكومات حول من يسيطر على مستقبل المال الرقمي.