الرد على العربي تيوب: تفنيد شبهات وتصحيح تاريخ الصحابة الكرام
Responding to Arab Tube: Refuting doubts and correcting the history of the noble companions
الرد على شبهات حول مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبيان أن قاتليه كانوا من المنافقين، وكذب رواية التحكيم بين عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري

في عصر تدفق المعلومات، أصبح التمييز بين الحقيقة والتزييف تحديًا كبيرًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بتاريخ أمتنا الإسلامية العظيم. للأسف، ظهرت في الآونة الأخيرة محاولات عديدة لتشويه هذا التاريخ، واستغلال أحداثه لخدمة أجندات معينة. ومن أبرز القنوات التي انخرطت في هذا المسعى قناة “العربي تيوب”، التي قدمت حلقة تضمنت الكثير من المغالطات والأكاذيب، مستندة إلى مصادر مشبوهة وروايات ضعيفة. هذه المقالة تأتي لتفنيد شبهات قناة العربي تيوب، وتصحيح الصورة المغلوطة التي حاولت رسمها لتاريخ الصحابة الكرام، وكشف حقيقة المصادر التي اعتمدت عليها في طرحها المليء بالهلس والتضليل.
قائمة المحتويات
مغالطات خطيرة: اتهام الصحابة والطعن في التاريخ الإسلامي
بدأت حلقة “العربي تيوب” باتهام مباشر للصحابة رضوان الله عليهم بأنهم كانوا يتنازعون على السلطة، مبررًا ذلك بكونهم “بشرًا يسعون للملك”. ثم عمد مقدم الحلقة إلى تقسيم التاريخ الإسلامي إلى اتجاهين: “سلفي” يرى الدنيا خضراء، و”استشراقي علماني حداثي” يراه تاريخًا أسود. ورغم ادعائه الحياد، كشفت الحلقة انحيازًا واضحًا للاتجاه الاستشراقي العلماني، بل واستدلاله بروايات شيعية رافضية، في محاولة واضحة لتشويه صورة الصحابة. إن هذا الطرح لا يمثل حيادًا تاريخيًا، بل هو تضليل ممنهج يهدف إلى زعزعة الثقة في أسس التاريخ الإسلامي وأعلامه.
مصادر مشبوهة: أعمدة تزييف “العربي تيوب”
يكشف التدقيق في مصادر “العربي تيوب” كمية الخداع والتلاعب بالحقائق. اعتمدت القناة على ثلاث مصادر رئيسية، كلها تثير علامات استفهام كبرى:
هشام جعيط: مؤرخ أم عدو للإسلام؟
استدل مقدم الحلقة بالمؤرخ التونسي هشام جعيط، واصفًا إياه بـ “المؤرخ”. فهل يعلم مقدم الحلقة أن جعيط متهم بمعاداة الإسلام والقرآن؟ جعيط في كتابه “السيرة النبوية تاريخية الدعوة” شكك في ترتيب القرآن وعناوين السور، وتجرأ على القول باحتمالية زيادة أو إسقاط كلمات أو عبارات في صلب النص القرآني، مستشهدًا بآية “وأمرهم شورى بينهم”. إن الاستدلال بشخص يتهم القرآن بالتحريف ويشكك في ثوابت الدين هو دليل صارخ على توجه القناة نحو الطعن في الإسلام من خلال تاريخه، بدلًا من البحث عن الحقيقة.
عبد الإله بالخزيز: جسر نحو الإلحاد
الشخصية الثانية التي استندت إليها “العربي تيوب” هي المفكر المغربي عبد الإله بالخزيز، الذي يقدم برنامجًا في قناة “مجتمع” التي يديرها الملحد أدونيس، والمعروفة بتمويلها من مؤسسات أمريكية مثل “راند”. هذا الاختيار يؤكد الانحياز الواضح للقناة نحو مصادر معادية للإسلام، وهدفها ليس البحث العلمي بل التشكيك والتشويه. إن الارتباط بمثل هذه الشخصيات والقنوات ذات الأجندات الخفية يكشف زيف ادعاء الحياد ويزيد من حجم الرد على العربي تيوب.
كتاب “الإمامة والسياسة”: مكذوب على ابن قتيبة
أما المفاجأة الكبرى، فهي اعتماد القناة على كتاب “الإمامة والسياسة” ونسبته زورًا إلى الإمام ابن قتيبة. هذا الكتاب، كما يؤكد أهل العلم، مكذوب على ابن قتيبة ولم يؤلفه، بل هو من تأليف شيعي رافضي حاقد على الصحابة. كيف يمكن لقناة تدعي الحياد أن تعتمد كتابًا مكذوبًا على إمام كبير، ومصدره الأساسي هو شخص شيعي رافضي معادٍ للصحابة؟ هذا يكشف أن “العربي تيوب” لا تبحث عن المصادر الموثوقة، بل عن أي مصدر يخدم روايتها المغلوطة، حتى لو كان مزورًا. والغريب أن الروابط التي وضعها “العربي تيوب” لهذه الكتب لم تكن تعمل، مما يدل على استخفافهم بجمهورهم وثقتهم بأنه لن يدقق وراءهم.
“قد يهمك: التوحيد في الدعاء وخطورة الشرك بالله تعالى في الدعاء”
تجاهل الحقيقة: لماذا أهمل “العربي تيوب” رأي أهل السنة؟
يستمر “العربي تيوب” في سياسته الملتوية، فبعد عرض الكتب العلمانية والشيعية، تساءل البعض: “أين رأي السلفيين الذين تنتقدونهم؟ وأين أدلتهم؟”. لم تعرض القناة أي شيء من هذا، مما يؤكد أنها ليست محايدة على الإطلاق، بل إنها تخدم أجندة معينة ترتكز على التشويه.
كما اعتمدت القناة على تاريخ الطبري دون تمحيص، متجاهلة أن الإمام الطبري نفسه ذكر في مقدمته أن فيه روايات “سيستنكرها القارئ ويستشنعها السامع” لعدم صحتها. ورغم أن العلماء قاموا بجهد عظيم في فصل صحيح وضعيف تاريخ الطبري في كتب مثل “صحيح وضعيف تاريخ الطبري”، فإن “العربي تيوب” اختارت الروايات الضعيفة والمروية عن الكذابين لتستدل بها، متجاهلة الروايات الصحيحة تمامًا.
“اطلع على: فهم سورة التحريم“
تشويه أم المؤمنين عائشة: روايات كاذبة وهدف خبيث

من الأمثلة الصارخة على تزييف “العربي تيوب” للتاريخ، زعمهم أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تنتقد سيدنا عثمان علنًا، وأنها حرضت على قتله. هذا الافتراء تم الرد عليه من قبل عائشة أم المؤمنين نفسها، حيث قالت بعد مقتل عثمان: “تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه”، وأقسمت: “والله ما كتبت إليهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا”.
وقد أكد الإمام ابن كثير أن هذا إسناد صحيح، وأن الخوارج كانوا يزورون الكتب على لسان الصحابة لتحريض الناس. إن “العربي تيوب” كررت نفس الأكذوبة التي روجها الخوارج في زمان عثمان، متجاهلة روايات أهل العلم. بل إنها استدلت برواية تنسب لأم المؤمنين تكفير سيدنا عثمان وتحريضها على قتله، وهي رواية ساقطة إسناديًا، حيث يرويها علي بن أحمد العجلي ونصر بن مزاحم الكوفي، وكلاهما مجهول أو كذاب بشهادة الذهبي. هذه الرواية المنكرة لا يمكن أن تكون جزءًا من الرد على العربي تيوب دون كشف زيفها.
“اقرأ أبضًا: السحر الروحاني وكيف أنه شرك”
قتلة عثمان: “ثوار” أم “منافقون”؟
يصنف “العربي تيوب” قتلة سيدنا عثمان رضي الله عنه على أنهم “ثوار”، متجاهلًا الحقيقة النبوية والتاريخية. النبي صلى الله عليه وسلم وصف من حاول خلع عثمان وقتله بـ “المنافقين”، وقال له: “إن الله عسى أن يلبسك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني”. كما أن النبي أخبر بمقتله مظلومًا، مما يعني أن قتلته ظالمون. فكيف لقناة تدعي الموضوعية أن تصف المنافقين والظالمين بـ “الثوار”؟ هذا يؤكد تبنيها للسردية الاستشراقية والعلمانية التي تهدف إلى قلب الحقائق.
يغفل “العربي تيوب” أيضًا عن ذكر شخصية “عبد الله بن سبأ” ودوره المحوري في تأجيج الفتنة بين الصحابة، على الرغم من ثبوت هذه الشخصية في التاريخ الإسلامي ودورها في معركة الجمل وما تلاها من أحداث. هذا التجاهل المتعمد لشخصية محورية ومؤثرة في الفتنة يخدم أجندة معينة تهدف إلى إخفاء السبب الحقيقي للصراع وتحويله إلى صراع بين الصحابة الكرام.
تشويه الصحابة: سعد بن أبي وقاص، معاوية، وعمرو بن العاص

تشويه الصحابة يتم لأسباب عديدة وأهمها أنهم نقلة القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الطعن فيهم طعن غير مباشر في القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم:
سعد بن أبي وقاص
استدلت القناة برواية ضعيفة عن سعد بن أبي وقاص يقول فيها: “لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يعرف الكافر من المؤمن”. ورغم أن الرواية ضعيفة، استخدمها مقدم الحلقة لتشويه صورة الصحابة وإظهار أن الأمور كانت “مختلطة” عليهم، وأنهم لم يعرفوا الحق. هذا التشويه الخطير يهدف إلى زعزعة الثقة في الصحابة الكرام الذين هم قدوتنا في فهم الدين.
معاوية وعمرو بن العاص
صورت “العربي تيوب” معاوية وعمرو بن العاص كـ “ثنائي سياسي ماكر”، واستخدمت روايات ضعيفة جدًا مثل حوار معاوية مع كبار الصحابة عن الخلافة، وهي رواية من طريق “سيف بن عمر” المعروف بضعفه وتشويهه للحقائق. كما أنها صورت أبا موسى الأشعري كـ “رجل رقيق” و “طيب القلب”، بينما تحدثت عن عمرو بن العاص باستهانة و”وعمرو بن العاص هكذا”.
هذا التفضيل غير المبرر وتشويه صورة الصحابي الجليل عمرو بن العاص الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بـ “الرجل الصالح”، يظهر مدى التحامل والأجندة الخفية للقناة. لماذا تذكر فضائل أبي موسى وتتجاهل فضائل عمرو بن العاص؟ ولماذا تذكر الرواية المشكوك في صحتها عن حيلته مع أبي موسى الأشعري رغم أن ابن كثير أكد عدم صحتها؟ هذا كله يندرج ضمن أهداف الرد على العربي تيوب.
السيدة هند أم معاوية
استدلت القناة برواية ضعيفة تصف السيدة هند بنت عتبة أم معاوية بأنها دبرت قتل حمزة ومثلت بجثته وأكلت من كبده، متجاهلة أن الرواية الصحيحة في صحيح البخاري تثبت أن جبير بن مطعم هو من أمر وحشيًا بذلك. هذا التحامل على بني أمية وشخصياتهم، يظهر بوضوح توجه القناة المعادي، متجاهلة فضل بني أمية على الأمة الإسلامية.
“قد يهمك: زيارة محمد صلاح لمعبد بوذي“
قضية أبي ذر الغفاري: تكرار شبهات قديمة
تناولت القناة أيضًا قضية نفي أبي ذر الغفاري، وزعمت أن عثمان نفاه إلى “الربذة”، رغم أن هذه الرواية ضعيفة، وقد رد عليها العلماء منذ قرون، وأبو ذر نفسه في صحيح البخاري لم يذكر أن عثمان نفاه، بل بين أن نزوله في الربذة كان باختياره. إن تكرار هذه الشبهات المردود عليها منذ 800 عام يكشف أن القناة مجرد “بوق” لتكرار أكاذيب قديمة، لا تبحث عن الحقائق، بل عن إثارة الشكوك وتشويه صورة الصحابة.
الخاتمة: دعوة إلى الحقيقة وتاريخنا النقي
لقد كشفت هذه المقالة زيف ادعاءات قناة “العربي تيوب” وانحيازها التام للمصادر المضللة والروايات الضعيفة بهدف تشويه تاريخ الصحابة الكرام وتاريخ الإسلام العظيم. إن الأمة الإسلامية في وقت ضعفها لا تحتاج لمن يزيد من شكوكها ويطعن في رموزها، بل تحتاج لمن ينشر الحقائق ويدافع عن تاريخها النقي.
إن الاستناد إلى روايات مزورة ومصادر معادية للإسلام ليس بحثًا علميًا، بل هو تضليل ممنهج يهدف إلى زعزعة الثقة في أسس ديننا. لذا، فمن واجب كل محب للعلم والمعرفة أن ينشر هذه الحقائق ويكشف هذا التزييف. تاريخنا الإسلامي عظيم، وصحابتنا الكرام هم خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء، ويجب أن نحرص على معرفة سيرتهم العطرة من مصادرها الموثوقة، بعيدًا عن أي محاولات لتشويهها. فهل بعد هذا البيان، نترك “العربي تيوب” يواصل تضليله؟ إن الحقيقة تستحق أن تنتشر، والرد على العربي تيوب هو واجب ديني وعلمي.