القرآن الكريم وتحريف التوراة والإنجيل: كشف الحقائق والأدلة الدامغة
هل التوراة والإنجيل الحاليان هما نفس الكتب الأصلية؟ القرآن الكريم يؤكد تحريف التوراة والإنجيل، الإنجيل في القرآن يختلف عن العهد الجديد، وعلماء المسيحية يعترفون بالتحريف

لطالما كان مفهوم “تحريف الكتب السماوية” نقطة خلاف محورية بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الإبراهيمية، وتحديدًا النصارى. فبينما يؤمن المسلمون إيمانًا راسخًا بأن التوراة والإنجيل، في صورتهما الأصلية التي أنزلهما الله، كانتا هدى ونورًا، فإنهم في الوقت ذاته يؤمنون بأن هذه الكتب قد تعرضت للتحريف والتغيير على مر العصور. هذا الاعتقاد ليس مجرد افتراض، بل هو حقيقة قرآنية واضحة، مدعومة بأدلة من السنة النبوية، وحتى باعترافات صادرة عن علماء من أهل الكتاب أنفسهم.
قائمة المحتويات
هذا المقال يهدف إلى تفكيك هذه القضية المعقدة، مستعرضًا الأدلة الدامغة من القرآن والسنة النبوية، ومفنّدًا الادعاءات التي تحاول نفي حقيقة تحريف التوراة والإنجيل في القرآن، ومظهرًا كيف أن النصوص الحالية للكتاب المقدس لا تتوافق مع ما يصفه القرآن من صفات للكتب الأصلية، بل وتناقضها في كثير من الأحيان.
القرآن الكريم يؤكد تحريف التوراة والإنجيل
يخبرنا القرآن الكريم بشكل واضح لا يقبل الشك أن الكتب السماوية السابقة، كالتوراة والإنجيل، قد تعرضت للتحريف. وهذا التحريف لم يكن مجرد سوء فهم أو تفسير، بل شمل التغيير اللفظي وإضافة كلام لم يقله الله إلى نص هذه الكتب. الدليل على ذلك نجده في قوله تعالى: “فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا” (البقرة: 79). هذه الآية الكريمة صريحة في وصف عملية الكتابة اليدوية التي ينتج عنها تغيير متعمد للنص الأصلي ونسبته إلى الله زورًا.
لم يقتصر فهم هذه الآية على المتأخرين، بل كان الصحابة رضوان الله عليهم، وهم أقرب الناس إلى فهم القرآن، يدركون هذا المعنى بوضوح. في صحيح البخاري، يروي الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، ترجمان القرآن، قوله: “يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله تقرأونه لم يُشَبْ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا؟”
هذا التصريح من ابن عباس يؤكد أن التغيير شمل النص المكتوب نفسه (“بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب”)، ولم يقتصر على التفسير أو المعنى، وهو ما يؤكد حقيقة تحريف التوراة والإنجيل في القرآن من الناحية اللفظية. فلو كان التغيير في التفسير فقط، لما قال “غيروا الكتاب” بل لقال “غيروا تفسير الكتاب”.
هل التوراة والإنجيل الحاليان هما نفس الكتب الأصلية؟

يدعي البعض أن القرآن يشير إلى الكتاب المقدس الذي يؤمن به النصارى اليوم، وأن القران يقر بصحة نصوصه. وهذا تدليس وتلبيس على المشاهدين. فالمسلمون يؤمنون بأن الله أنزل كتبًا سماوية كالتوراة والإنجيل والزبور، لكن القرآن يقول صراحة إن هذه الكتب قد حرفت. ولذلك، نحن المسلمين نؤمن بالتوراة والإنجيل قبل تحريفهما، أي في صورتهما الأصلية النقية التي أنزلها الله. أما ما بعد التحريف، فلا نؤمن إلا بما يصدقه الإسلام ويتوافق معه.
لإثبات هذا الأمر، نطرح سؤالًا مفحمًا: هل يؤمن النصارى بأن التوراة والإنجيل اللذين بين أيديهم اليوم يبشران بظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ القرآن الكريم يخبرنا في سورة الأعراف أن الرسول صلى الله عليه وسلم مذكور ومكتوب في التوراة والإنجيل الحقيقيين، فيقول الله تعالى: “الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم” (الأعراف: 157).
إذا قال النصراني إن التوراة والإنجيل الحاليين لا يبشران بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقد اعترف بأن الكتب التي بين أيديهم اليوم ليست هي نفس الكتب التي يقول القرآن إنها نزلت من عند الله، وبالتالي أقر بحقيقة تحريف التوراة والإنجيل في القرآن ضمنيًا. وإن قال: نعم، إنها تبشر به، فلماذا لا يؤمن بالنبي الذي بشرت به كتبه؟ هذا السؤال يضع الطرف الآخر في ورطة عظيمة ويثبت تزويره وتدليسه.
“قد يهمك: التوحيد في الدعاء“
أدلة أخرى من القرآن على التحريف والنقصان

لا تقتصر الأدلة القرآنية على التحريف على الإشارات العامة أو نبوءات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل توجد نماذج أخرى تكشف عن أن أمورًا ذكرها القرآن عن التوراة والإنجيل ليست موجودة في النسخ الحالية، مما يدل على تعرضها للزيادة والنقصان.
على سبيل المثال، يصف القرآن الكريم صفات المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وصفاتهم في الكتب السابقة بقوله تعالى: “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا…” (الفتح: 29). هذه الآية تصف المؤمنين وصفاتهم البارزة في التوراة والإنجيل. فإذا فتحنا الكتاب المقدس الذي يؤمن به النصارى اليوم، أين سنجد هذه الأمثلة والصفات التفصيلية التي ذكرها القرآن؟ غياب هذه النصوص الواضحة يدل بشكل قاطع على النقصان والتحريف في الكتب الحالية.
الإنجيل في القرآن يختلف عن “العهد الجديد”
هناك اختلاف جوهري في مفهوم “الإنجيل” بين القرآن والنظرة المسيحية. فالقرآن الكريم يصف الإنجيل بأنه كتاب أنزله الله على نبيه عيسى عليه السلام، ويقول: “وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقًا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور” (المائدة: 46). ويؤكد ذلك في آية أخرى: “ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل” (الحديد: 27).
على النقيض تمامًا، لا يؤمن النصارى بأن المسيح عليه السلام نزل عليه كتاب بهذا المعنى. بل يؤمنون أن “الإنجيل” أو “العهد الجديد” هو مجموعة كتب كتبت بعد رفع المسيح، بواسطة تلاميذه أو تلاميذ تلاميذ المسيح، أي أنها أسفار مؤلفة وليست وحيًا إلهيًا مباشرًا. يقول الدكتور القص فهيم عزيز، وهو باحث مسيحي: “ومع ذلك يجب أن نقرر أن يسوع نفسه لم يترك شيئًا مكتوبًا”. ويضيف أن المسؤول الأول عن كتابة “العهد الجديد” ليس يسوع بل المسيحيون من الجيل الأول أو الثاني.
وحتى الدكتور المسيحي بولس الفغالي في كتابه “الأناجيل الإذائية” يبين حكم الإسلام في أناجيل الكنيسة فيقول: “أما الأناجيل المعتمدة من قبل المسيحيين فليست هي الإنجيل الذي يستشهد به القرآن”. هذا التناقض الجوهري بين المفهوم القرآني للإنجيل والمفهوم المسيحي له يؤكد مرة أخرى حقيقة تحريف التوراة والإنجيل في القرآن وأن ما يسمى اليوم بالإنجيل ليس هو الإنجيل الأصلي المنزل على عيسى عليه السلام.
“اطلع على: السحر الروحاني“
غياب الهدى والنور في النصوص الحالية
يصف القرآن الكريم التوراة والإنجيل الأصليين بأنهما كانا “هدى ونورًا”. يقول الله تعالى عن التوراة: “إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور” (المائدة: 44)، ويقول عن الإنجيل: “وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور” (المائدة: 46). فهل النصوص الموجودة اليوم في الكتاب المقدس تحمل صفة الهدى والنور؟
عند التدقيق في بعض نصوص العهد القديم والجديد، نجد أمورًا يصعب وصفها بالهدى والنور، مثل قصص قتل الأطفال والرضع، أو نشر الناس بالمناشير، أو إبادة شعوب كاملة، أو ما ورد في “نشيد الأنشاد” و”حزقيال” من نصوص جنسية صريحة. كما أن وجود تناقضات واضحة داخل الكتاب المقدس نفسه يفقده صفة “الهدى والنور المطلقين”. لا يمكن منطقًا أن تكون هذه النصوص جزءًا من الهدى والنور الإلهيين. هذا التناقض بين ما يصفه القرآن وبين واقع النصوص الحالية يؤكد وجود تحريف التوراة والإنجيل في القرآن.
القرآن جاء ليكشف أكاذيب الكتاب المقدس حول صفات الله والأنبياء
القرآن الكريم لم يأت ليصدق كل ما في الكتب السابقة كما هي اليوم، بل جاء مصدقًا لما بين يديه من الحق ومهيمنًا عليه، أي كاشفًا للمحرف منه. أحد أوجه هذا الكشف هو تصحيح المفاهيم الخاطئة عن صفات الله سبحانه وتعالى والأنبياء التي وردت في الكتاب المقدس.
على سبيل المثال، يذكر سفر التكوين أن الله استراح في اليوم السابع بعد خلق السماوات والأرض، وهو ما يتنافى مع كمال الله وقدرته. جاء القرآن ليفند هذه الفكرة ويقول: “ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب” (ق: 38). الإمام قتادة السدوسي يوضح أن هذه الآية تكذب اليهود في زعمهم أن الله استراح.
كذلك، يزعم الكتاب المقدس أن النبي سليمان عليه السلام قد كفر في نهاية حياته، وهو ما يتنافى مع عصمة الأنبياء في الإسلام. جاء القرآن ليرد على هذه المزاعم ويقول: “وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا” (البقرة: 102).
أما فيما يتعلق بالأنبياء الآخرين، فكتّاب العهد الجديد يزعمون أن هناك أبناء لله مثل المسيح وآدم، وهو ما يناقضه القرآن بشدة: “وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون” (التوبة: 30). كما أنهم ادعوا صلب المسيح رغم عدم وجود شاهد عيان واحد على القصة، فجاء القرآن لينكر ذلك بشكل قاطع: “وما قتلوه وما صلبوه” (النساء: 157). وحتى ما ادعاه بولس عن كون المسيح ملعونًا فيقول: “المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة”، جاء القرآن ليكذب ذلك وينقل قول المسيح نفسه: “قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا وجعلني مباركًا” (مريم: 30-31)، لا ملعونًا.
كل هذه الأمثلة تثبت أن القرآن لم يأت لتأييد كل ما في الكتاب المقدس، بل لكشف تحريف التوراة والإنجيل في القرآن وتصحيح العقائد.
“قد يهمك: الرد على الإلحاد“
علماء المسيحية يعترفون بالتحريف
ربما تكون الأدلة الأكثر إقناعًا هي اعترافات علماء المسيحية أنفسهم بوجود تحريف في نصوص الكتاب المقدس. فإذا كان أهل الكتاب أنفسهم يعترفون بذلك، فلماذا يحاول البعض إنكار هذه الحقيقة؟ الترجمة الرهبانية اليسوعية، وهي ترجمة مشهورة ومعتمدة، تقول: “ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلًا بمختلف ألوان التبديل، وظهرت في عدد كبير من القراءات”. هذا اعتراف صريح بأن النساخ أحدثوا تبديلًا وتغييرًا في النص على مر العصور.
هناك أيضًا نصوص أجمع علماء المسيحية على أنها محرفة وغير أصلية، مثل قصة المرأة الزانية في إنجيل يوحنا (يوحنا 7: 53-8: 11). يجمع العلماء المسيحيون على أن هذه القصة جاءت من مرجع مجهول وأدخلت في العهد الجديد في زمن لاحق.
التناقض في موقف المنكرين
لماذا يترك البعض ما كتبه وأقره علماء المسيحية أنفسهم عن تحريف كتابهم، ثم يبحث عن دليل من القرآن الكريم – الذي يؤمنون أنه كتاب غير سماوي – ليقر بصحة كتابهم المحرف؟ هذا تناقض واضح وتدليس فاضح يؤكد أن القضية ليست علمية بحثة بقدر ما هي محاولة للإنكار والتشويه.
القرآن الكريم وتحريف التوراة والإنجيل: الخاتمة
إن الأدلة التي قدمها القرآن الكريم، المدعومة بتفسيرات الصحابة واعترافات علماء المسيحية أنفسهم، تؤكد بجلاء حقيقة تحريف التوراة والإنجيل في القرآن. لم يكن هذا التحريف مجرد سوء فهم، بل شمل تغييرات لفظية ومعنوية أدت إلى فقدان الكتب الأصلية لبعض من هداها ونورها.
لقد جاء القرآن مهيمنًا على ما سبقه من الكتب، مصدقًا لما هو حق فيها ومصححًا لما طرأ عليها من تحريف. ولذلك، فإن الإيمان بالكتب السماوية من أركان الإيمان في الإسلام، ولكنه إيمان بالكتب في صورتها الأصلية التي أنزلها الله، وليس بالنسخ المحرفة التي بين أيدي الناس اليوم. فالحقيقة واضحة، ولا ينكرها إلا مكابر أو جاهل.