كثيرًا ما يُتهم الإسلام ظلمًا بأنه دين حرب وعنف، بينما الحقيقة أن جوهره قائم على السلام في المعنى والروح والسلوك. فالقرآن الكريم ملئ بالآيات التي تدعو إلى السلم، والنبي ﷺ جعل من نشر السلام شعارًا لأمته. في هذا المقال من موقع اليقظة سنتناول مفهوم السلام في الإسلام كما ورد في القرآن والسنة، مع بيان أثره في حياة الأفراد والمجتمعات.
قائمة المحتويات
معنى السلام في الإسلام
السلام في اللغة يعني الأمان والاطمئنان، وهو ضد الخوف والاضطراب. أما في الإسلام فهو يتجاوز المعنى اللغوي ليصبح قيمة روحية وسلوك عملي كما يلي:
- السلام هو اسم من أسماء الله الحسنى، فهو الله السلام، الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله.
- الجنة سُمّيت دار السلام، مما يدل على أن غاية المؤمنين هي الوصول إلى مقام الطمأنينة الأبدية.
- تحية المسلمين هي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهي ليست مجرد كلمات، بل دعاء بالأمان والرحمة والبركة.
دعوة القرآن الكريم إلى السلم
القرآن الكريم أوضح أن الأصل في علاقة المسلمين بالآخرين هو السلم لا الحرب، ومن الآيات الدالة على ذلك:
1. الميل إلى السلم
قال تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]. أي أن مجرد ميل الطرف الآخر إلى السلم يوجب على المسلمين الاستجابة لذلك، وهذا يثبت أن الحرب ليست هدفًا للإسلام وإنما استثناء لرد العدوان.
2. تحية البيوت بالسلام
قال الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]. فالسلام عند دخول البيوت يحفظ القلوب ويمنح الطمأنينة لأهل الدار، وهو أدب قرآني رفيع.
3. أدب الاستئذان
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27]. وهنا يظهر جمال التعبير القرآني، فالاستئناس يسبق الاستئذان، أي أن المسلم يختار الوقت المناسب للزيارة قبل أن يطرق الباب.
السنة النبوية ونشر ثقافة السلام
النبي محمد ﷺ كان قدوة في نشر السلام، وجعلها من أولى وصاياه لأمته عند دخوله المدينة المنورة. فقد قال: “يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”.
- إفشاء السلام: النبي ﷺ جعل إفشاء السلام سببًا للمحبة بين المسلمين، فقال: “ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم”.
- رد التحية بأحسن منها: قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]. فالمسلم مطالب إما برد التحية بمثلها أو بأفضل منها، وهو مبدأ يعزز الود ويزيل الجفاء.
نماذج قرآنية عن قيمة السلام
- سلام الملائكة على إبراهيم عليه السلام: قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات: 24-25]. فالتحية بالسلام كانت البداية حتى بين إبراهيم والملائكة، وهو ما يرسخ أهمية هذه القيمة.
- الجنة دار السلام: قال تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ} [الأنعام: 127]. فالله جعل الجنة دارًا للسلام، حيث لا خوف ولا قلق ولا نصب، بل راحة وطمأنينة أبدية.
السلام وأدب الضيافة
من القصص القرآني الجميل ما ورد عن إبراهيم عليه السلام في إكرام ضيوفه. فقد جاء بعجل سمين فور دخولهم، مما يدل على أن الضيافة جزء من قيم السلام والمحبة. بل إن المفسرين أشاروا إلى أن من لا يأكل من طعامك قد لا يكنّ لك ودًا، وهو ما جعل إبراهيم يخاف حين لم يمدّ الملائكة أيديهم إلى الطعام.
أثر السلام في حياة المسلم
السلام ليس شعارات بل تطبيق عملي في كل جوانب الحياة:

- في البيت: يبدأ من إلقاء التحية عند الدخول والخروج.
- في المجتمع: ينشر المحبة بين الناس ويقلل من النزاعات.
- في العلاقات الدولية: الإسلام يدعو إلى السلم متى كان ممكنًا.
- في الروح: السلام ينعكس طمأنينة على قلب المسلم، فهو يعلم أن الله هو السلام، وأن الجنة هي دار السلام.
اسم الله “السلام” ومعانيه العظيمة
- السلام هو الكامل المنزه عن كل نقص وعيب.
- هو الذي يسلم الخلق من الظلم والضرر.
- على المسلم أن يتخلق باسم الله السلام، فلا يؤذي غيره بقول أو فعل، ولهذا جاء في الحديث: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
“اطلع على: براءة الشيخ وليد إسماعيل“
السلام في الآخرة: تحية أهل الجنة
السلام ليس فقط شعار الدنيا، بل هو تحية أهل الجنة:
- {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10].
- {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 23-24].
فأعلى درجات النعيم في الجنة أن يسلم الله تعالى على عباده المؤمنين.
“قد يهمك: أخطاء شائعة في صلاة الجمعة وخطبتها: دليل شامل لتجنبها”
السلام في الإسلام: الخاتمة
يتضح مما سبق أن الإسلام دين السلام في أسمائه، وتشريعاته، وتعاليمه، وغاياته. فالله هو السلام، والجنة دار السلام، وتحية المسلمين السلام، ورسالة النبي ﷺ نشر السلام بين الناس. وإذا أدركنا هذه الحقيقة، سنفهم أن الإسلام جاء ليطفئ نار العداوات ويزرع الطمأنينة في القلوب.

يعد كمال علي كاتبًا متخصصًا في الشؤون الإسلامية، حيث يقدم محتوى مميزًا يجمع بين الأسلوب السهل والطرح العميق. يكتب عن العقيدة، الفقه، السيرة النبوية، والتربية الإسلامية، مع الحرص على تبسيط المفاهيم الدينية لتكون في متناول الجميع.
يحرص كمال على أن تكون مقالاته مصدرًا للوعي الديني الصحيح، بعيدًا عن التعقيد أو الغموض، مع التركيز على إبراز سماحة الإسلام ووسطيته. كما يربط بين التعاليم الإسلامية والحياة اليومية ليجعل القارئ أكثر قدرة على تطبيق القيم الدينية في واقعه المعاصر.
إلى جانب ذلك، يولي اهتمامًا بمواضيع الشباب والأسرة والتحديات التي يواجهها المسلم المعاصر، مما يجعل كتاباته شاملة ومؤثرة.