حقيقة أحاديث المهدي المنتظر: مراجعة نقدية لأسانيد وروايات

هل أحاديث المهدي المنتشرة صحيحة بالفعل؟ ما هو رأي علماء الحديث حول الأحاديث النبوية التي تتحدث عن المهدي؟ اكتشف حقيقة أحاديث المهدي المنتظر

من هو المهدي المنتظر

في خضم النقاشات الدينية والتطلعات الإيمانية، يبرز مفهوم “المهدي المنتظر” كشخصية محورية في عقائد أتباع العديد من الديانات، بما في ذلك الإسلام. فكرة المخلّص الذي يأتي في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً، ليست حكراً على أمة دون غيرها، بل هي قاسم مشترك يتردد صداه في المسيحية واليهودية والبوذية وغيرها. وفي الإسلام، ارتبطت هذه الفكرة بالعديد من الأحاديث النبوية المنسوبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مما جعلها جزءاً لا يتجزأ من التصور الشعبي لدى كثير من المسلمين عن المستقبل.

إلا أن هذه الأحاديث، على الرغم من شيوعها، لطالما كانت محط جدل كبير بين علماء الحديث والمحققين. فبينما يرى البعض صحتها وثبوتها، يؤكد آخرون على ضعف غالبها وعدم استنادها إلى أسانيد قوية. يتناول هذا المقال دراسة نقدية معمقة لحقيقة أحاديث المهدي المنتظر، مستنداً إلى معايير المحدثين في قبول الروايات وردها، مع تسليط الضوء على أبرز ما ورد في الصحيحين (البخاري ومسلم) وما لم يرد فيهما، لنصل إلى فهم أوضح لهذه المسألة العقائدية الهامة.


مفهوم المهدي المنتظر: بين العقيدة الشعبية والحقيقة الحديثية

تترسخ فكرة المهدي المنتظر في أذهان الكثيرين كحقيقة إيمانية لا تقبل الجدل، وتتغذى هذه الفكرة من كثرة الأحاديث والروايات المتداولة بين العامة والخاصة على حد سواء. يُصوّر المهدي في هذه الروايات على أنه:

  • شخصية كاريزمية تظهر في آخر الزمان.
  • يحمل صفات جسدية معينة.
  • يقوم بإصلاح شامل للأمة.
  • يواجه الظلم.
  • يقود المسلمين إلى النصر والعدل.

هذه التصورات الشعبية، وإن كانت تعكس أملاً مشروعاً في إصلاح حال الأمة، إلا أنها في كثير من الأحيان تتشابك مع روايات ضعيفة أو موضوعة، وتتناقل على أنها حقائق ثابتة من دين الله.

المشكلة تكمن في أن هذه العقائد الشعبية، حين لا تستند إلى أسس حديثية متينة، قد تفتح الباب أمام استغلال البعض لهذه الفكرة لأغراض شخصية أو سياسية، كما شهدنا على مر العصور ظهور العديد من الأفراد الذين ادعوا أنهم المهدي المنتظر، مما أحدث فتناً وقلاقل. لذا، يصبح من الضروري بمكان العودة إلى أصول علم الحديث ومعاييره الصارمة لتمييز صحيح الروايات من سقيمها، لتنقية الاعتقاد وتصحيح المسار الفكري للأمة.


معيار الصحة الحديثية: لماذا لا يوجد المهدي في الصحيحين؟

يُعدّ “صحيح البخاري” و”صحيح مسلم” أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، وهما يمثلان حجر الزاوية في العقائد والأحكام والتشريعات الإسلامية. فقد أولى الإمامان البخاري ومسلم اهتماماً بالغاً بانتقاء الأحاديث وتنقيتها، ووضع كل منهما شروطاً صارمة لقبول الرواية وصحتها، مما جعل ما في صحيحيهما يحظى بإجماع الأمة على القبول والتصديق.

الملاحظة الجوهرية التي يثيرها المحدثون، ويؤكد عليها العديد من العلماء المعاصرين، هي أن البخاري ومسلم لم يرويا حديثاً واحداً صريحاً يذكر “المهدي” بالاسم أو يصفه بالصفات المتداولة على نطاق واسع. هذه الحقيقة تعد مؤشراً قوياً على عدم ثبوت أغلب الأحاديث المنتشرة في هذا الشأن.

فمنهج البخاري ومسلم كان يقضي بجمع كل الأحاديث الصحيحة التي فيها حكم مستنبط، أو عقيدة راسخة، أو إرشاد نبوي جوهري. لو كانت قضية المهدي، بالصورة التي يتداولها الناس، ذات أساس صحيح ومتين، لوردت بلا شك في هذين المصدرين الجليلين.

قد يجادل البعض بأن “ليس كل صحيح في البخاري ومسلم”، وهذا صحيح جزئياً، فليست كل الأحاديث الصحيحة محصورة فيهما. لكن الفارق يكمن في نوعية الحديث وأهميته:

  • إذا كان الحديث يتعلق بحكم عقدي أساسي أو أمر جوهري في حياة الأمة، فإن عدم وجوده في الصحيحين يعتبر قرينة قوية على ضعفه أو عدم ثبوته وفق منهج الإمامين.
  • الأحاديث التي لا توجد فيهما لكنها صحيحة تكون غالباً في تفاصيل فقهية أو فضائل أعمال ليست على ذات القدر من الأهمية العقائدية كشخصية المخلص المنتظر.

لذا، فإن غياب المهدي بالاسم الصريح أو الوصف المتداول من صحيح البخاري ومسلم هو نقطة فارقة تستدعي التوقف والتأمل.


أحاديث المهدي المنتشرة: نظرة نقدية على أشهر الروايات

المهدي المنتظر
المهدي المنتظر

تتعدد الأحاديث التي يزعم أنها تتحدث عن المهدي المنتظر وتتنوع مصادرها، فمنها ما ورد في كتب السنن كسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، ومنها ما ورد في مسانيد مثل مسند الإمام أحمد، بالإضافة إلى كتب العقائد المتأخرة.

حديث “الرايات السود المقبلة من خراسان”

  • يُعد هذا الحديث من الأحاديث المشهورة التي تتحدث عن قدوم المهدي مع رايات سوداء من جهة خراسان.
  • ورد في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه.
  • ظاهر إسناده قد يبدو حسناً للوهلة الأولى، لكن كبار المحدثين كالإمام أبي حاتم الرازي قد أعلوه، أي حكموا بضعفه بسبب علة خفية مؤثرة في السند أو المتن.

فمعيار الصحة لا يقتصر على مجرد وجود رواة ثقات، بل يشمل عدم وجود شذوذ أو علة.

حديث “المهدي منا أهل البيت…”

هذا الحديث يتضمن:

  • نسب المهدي إلى أهل البيت.
  • صفاته الجسدية (أجلى الجبهة، أقنى الأنف).
  • مدة حكمه (سبع سنين).
  • إصلاحه من الله في ليلة.

وعلى الرغم من انتشاره، فإنها أحاديث ضعيفة لا تثبت بأسانيد صحيحة. وقد درسها كثير من المحققين ووجدوا فيها ضعفاً في الرواة أو انقطاعاً في الأسانيد، أو وجود من هو متهم بالكذب أو بضعف الحفظ.

حديث “لا تنقضي الأيام والليالي…”

  • هذا الحديث من أشهر ما يُستدل به على وجود المهدي.
  • ورد من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
  • حسّنه بعض العلماء مثل الترمذي والألباني وأحمد شاكر.

لكن عاصم بن أبي النجود مختلف فيه من حيث الضبط، فمن العلماء من يقبل حديثه ومنهم من يضعفه في جانب الحفظ. كما أن الحديث لم ينص صراحة على أن هذا الشخص هو “المهدي”، بل وصف صفاته ودوره في ملء الأرض قسطاً وعدلاً.

 بشكل عام، يرى العديد من محققي الحديث أن الأحاديث الصريحة في ذكر المهدي المنتظر بالاسم أو بصفات محددة، هي إما ضعيفة الإسناد، أو معلولة بعلل خفية تقدح في صحتها، أو من رواية أناس لديهم أهواء أو ضعف في الضبط. 

“قد يهمك: خطبة معاوية بعد الصلح مع الحسن


الأحاديث الصحيحة التي قد تُفهم على غير وجهها في سياق المهدي

هذه الأحاديث هي التالي:

حديث نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

روى البخاري ومسلم حديث: “كيف أنتم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم؟”

  • هذا الحديث صحيح ومتفق عليه.
  • يتحدث بوضوح عن نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.
  • بعض العلماء حملوا هذا الإمام على أنه المهدي، ولكن الحديث لم يذكر اسم المهدي صراحة.

وجود إمام من المسلمين أمر طبيعي ومتوقع عند نزول عيسى عليه السلام، ولا يلزم أن يكون هذا الإمام هو المهدي المذكور في الروايات الضعيفة.

الأحاديث العامة عن العدل وذهاب الظلم

  • توجد أحاديث صحيحة كثيرة تتحدث عن قرب الساعة وانتشار الظلم والجور.
  • ثم يأتي بعده الخير والعدل، وتلك هي سنة الله في خلقه.

هذه الأحاديث لا تتعلق بشخص معين بالضرورة، بل قد تشير إلى دورة زمنية تحدث فيها التقلبات والتحولات. المغزى هنا هو أن الأحاديث الصحيحة لم تنص على شخصية “المهدي المنتظر” بالاسم أو بالوصف المتداول، بل ذكرت أحداثاً عظيمة في آخر الزمان مثل نزول عيسى عليه السلام، وانتشار العدل.


فكرة المخلص بين الأديان: هل هي وراء انتشار أحاديث المهدي؟

كما ذكر في النقاش الأولي، فكرة “المخلص” الذي يأتي في آخر الزمان ليخلص البشرية ويملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، هي فكرة عالمية توجد في جميع الأديان الكبرى تقريباً:

  • المسيحية تتحدث عن “المسيح الدجال” ثم عودة المسيح عليه السلام لخلاص المؤمنين.
  • اليهودية تنتظر “المسيا”.
  • البوذية لديها مفهوم “مايتريا” كبوذا المستقبلي.

هذا الانتشار لفكرة المخلص قد يكون أحد الأسباب التي جعلت فكرة المهدي المنتظر تتغلغل في الثقافة الإسلامية وتنتشر أحاديث عنها، حتى لو كانت ضعيفة الأسانيد.

الرغبة البشرية الفطرية في الأمل والإصلاح والخلاص من الشرور تدفع الناس إلى البحث عن أي شيء يبعث على الطمأنينة بمستقبل أفضل، وفي هذا السياق، قد يتم التسامح مع ضعف الأسانيد أو حتى قبول الأحاديث الموضوعة التي تتناسب مع هذا الطموح الإنساني المشترك.

“اطلع على: زيارة محمد صلاح لمعبد بوذي


خلاصة القول في أحاديث المهدي: منهج التوازن والاعتدال

أحاديث المهدي المنتظر
أحاديث المهدي المنتظر
 الخلاصة التي توصل إليها كبار المحققين من علماء الحديث، هي أن الأحاديث الصريحة التي تذكر “المهدي” بالاسم أو بالصفات المشهورة، معظمها ضعيف الإسناد، أو لا يخلو من علة تقدح في صحته. وما صح من الأحاديث التي قد تُفهم في هذا السياق، فإما أنه لا يذكر المهدي بالاسم، أو أنه قابل للتأويل على غير ما يظنه كثير من الناس. 

ينبغي على المسلم أن يعتمد على ما ثبت من السنة النبوية الصحيحة، وأن يكون حذراً في قبول الروايات التي تفتقر إلى أسانيد قوية.

  • الإفراط في قبول الأحاديث الضعيفة يؤدي إلى بناء عقائد غير سليمة.
  • الإنكار الكلي لوجود المهدي قد يكون إفراطاً في الاتجاه الآخر.
  • المنهج الأسلم هو التوسط والاعتدال.

فالتركيز يجب أن يكون على العمل الصالح والسعي لإقامة العدل في الأرض، لأن ذلك هو جوهر رسالة الإسلام، سواء جاء المهدي أم لم يأتِ.

“قد يهمك: البعث بعد الموت


قضية المهدي المنتظر: الخاتمة

إن قضية المهدي المنتظر هي من القضايا التي تتطلب التعمق والتحقيق العلمي الدقيق بعيداً عن العواطف والتسليم المطلق للروايات الشائعة. لقد أظهرت مراجعتنا أن الاعتقاد بوجود المهدي المنتظر، بالشكل المفصل الذي يتداوله الناس، لا يستند إلى أحاديث صحيحة صريحة في أصح الكتب وأثبتها كصحيحي البخاري ومسلم. ومعظم الروايات الأخرى التي تتحدث عنه هي بين الضعيف والمعلول.

إن تنقية السنة النبوية من الضعيف والموضوع، هو واجب شرعي ومسؤولية علمية تقع على عاتق العلماء وطلبة العلم، لحماية الدين من الشوائب وتقديم صورة نقية للإسلام. فالعقيدة الصحيحة لا تبنى إلا على أسس ثابتة من الكتاب والسنة الصحيحة.

والأمل في مستقبل أفضل، وتحقيق العدل، هو أمل إسلامي أصيل، لكنه يجب أن يكون مصحوباً بالعمل الجاد، لا بالاتكال على الأساطير أو الروايات الواهية. فالله تعالى وعد العاملين المصلحين بالنصر والتمكين، وهذا الوعد هو الحقيقة التي يجب أن تُبنى عليها آمال الأمة وجهودها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top