لم يصل هذا الإنجاز بالصدفة. إنه تتويج لسنوات من العمل الشاق، الليالي الطوال بلا نوم، والابتكار المتواصل الذي لا يعرف الكلل. على المسرح، وبنبرة هادئة يختلط فيها الشغف بالثقة، لم يتفاخر الرئيس التنفيذي لشركة بي واي دي، بل نظر بهدوء إلى الحضور وأعلن ما كان العالم يشك به بالفعل: “نحن نغير قواعد اللعبة”. خلفه يقف جيش يتجاوز المليون عامل وأكثر من 120,000 مهندس، بنوا ملامح المستقبل خطوة بخطوة، باختراق تكنولوجي واحد تلو الآخر. الآن، لم تعد بي واي دي مجرد شركة تنتج السيارات، بل هي كيان يبني إرثًا، يقدم محركًا جديدًا، بطارية جديدة، وعقلاً جديدًا للقيادة. هذه ليست مجرد تطور، إنها ثورة حقيقية.
قائمة المحتويات
بي واي دي: من الصمت إلى الهيمنة العالمية
لسنوات، تحركت بي واي دي (BYD) بصمت، بعيدًا عن حملات التسويق الصاخبة والاستعراضات المبهرة التي اعتادت عليها صناعة السيارات. بينما كان الآخرون يتسابقون على تصدر العناوين، كانت بي واي دي منشغلة ببناء المصانع، تدريب المهندسين، وإتقان تقنياتها الرائدة. في عام 2024، انفجر هذا الصبر على شكل هيمنة لا يمكن تجاهلها. فقد تجاوزت الشركة حاجز الـ 4.3 مليون مركبة خرجت من خطوط إنتاجها، لتؤكد مكانتها كأكبر مصنع للمركبات الكهربائية في العالم.
نظام DM الهجين الثوري
لكن الأرقام وحدها لا تروي القصة كاملة. ما يهز الصناعة حقًا هو نظامها الهجين الثوري من الجيل الخامس، المعروف باسم DM (Dual Mode)، الذي يمثل تقدمًا تكنولوجيًا فعالًا لدرجة أنه جذب انتباه منافسين بحجم تسلا. في حدث ضخم أقيم في سيول، كشفت بي واي دي عن طرازين جديدين، تشين DM-i وسيل DM-i. للوهلة الأولى، يبدوان أنيقين وعصريين، لكن تحت غطائهما يكمن شيء مختلف تمامًا:
- محرك بنزين بسعة 1.5 لتر لم يصمم للسرعة القصوى، بل لتحقيق كفاءة قياسية.
- محرك كهربائي قوي يمنح السيارة أوضاع قيادة مرنة، من التنقل اليومي الهادئ إلى القيادة القوية على الطرق السريعة.
- مدى يتجاوز 1000 كيلومتر بخزان وقود واحد وشحنة بطارية واحدة، ما يعيد تعريف مفهوم السيارة الهجينة ويثبت أن بي واي دي وجدت التوازن المثالي بين القوة والكفاءة.

محرك الجيل الخامس DM: قفزة بي واي دي في الكفاءة
في قلب تكنولوجيا الجيل الخامس من بي واي دي، يكمن محرك يبدو وكأنه مستحيل. إنه محرك بنزين بسعة 1.5 لتر، ينتج 99 حصانًا و33 نيوتن متر من العزم. قد لا تبدو هذه الأرقام ثورية بحد ذاتها، لكن المفاجأة تكمن فيما يحدث عندما يقترن هذا المحرك بنظام بي واي دي الكهربائي المتطور.
تتوافر نسختان من المحرك الكهربائي:
- إحداهما بقوة 161 حصانًا لمحبي الكفاءة.
- الأخرى بقوة 215 حصانًا لأولئك الذين يبحثون عن قوة إضافية.
لكن الأداء ليس هو المفاجأة الحقيقية هنا. المذهل هو الكفاءة التي يحققها هذا النظام الهجين. تصل الكفاءة الحرارية للمحرك إلى 46.06%، وهو رقم يبدو نظريًا ولكنه يتجاوز الرقم القياسي العالمي لتويوتا ويقترب بشكل خطير من معايير محركات الفورمولا 1 الأكثر تطوراً. بينما تهدر معظم محركات البنزين أكثر من نصف الوقود على شكل حرارة، فإن نظام بي واي دي يستغل كل قطرة وقود، محققًا ما يعادل أكثر من 130 ميلًا للجالون، حتى عندما تكون البطارية منخفضة.
سر الكفاءة
كيف تحقق بي واي دي ذلك؟ بفضل هندسة ذكية تتضمن:
- نسبة انضغاط تبلغ 16:1.
- أنظمة تبريد منفصلة.
- تحكمًا دقيقًا في الاحتراق.
- احتكاك داخلي منخفض للغاية.
هذا ليس عرضًا لسيارة مفهومية، بل تقنية جاهزة للإنتاج الضخم. بالنسبة للسائق العادي، يعني ذلك توقفات أقل عند محطات الوقود، وقيادة أكثر هدوءًا وسلاسة. أما بالنسبة للصناعة، فهذا يعني أن قواعد اللعبة القديمة قد تم تمزيقها بالكامل.
تنوع تقنيات DM: مرونة بي واي دي لكل الاحتياجات
لم تتوقف بي واي دي عند تطوير نظام هجين قوي فحسب، بل حرصت على أن يكون هذا النظام قابلاً للتكيف مع أنماط الحياة المختلفة للسائقين. هنا يبرز دور الإصدارات الثلاثة لتقنية DM.
الإصدارات الثلاثة
- DM-i: تركز على الكفاءة، وهي مصممة للركاب اليوميين الذين يبحثون عن توفير الوقود دون التضحية بالراحة.
- DM-p: موجهة لعشاق الأداء، حيث تجمع بين الدقة الكهربائية والقوة الهجينة الخام لتوفير تجربة قيادة مفعمة بالحيوية.
- DM-o: مصممة خصيصًا للمغامرات على الطرق الوعرة، للتلال والصحاري والمناطق القاسية.
خيارات البطاريات
هذه التعددية مدعومة بخيارات بطاريات ذكية أيضًا. فبحسب الطراز، يمكن للسائقين اختيار:
- حزمة بطارية بسعة 10.08 كيلووات ساعة.
- أو بطارية بسعة 15.87 كيلووات ساعة.
توفر مدى كهربائي خالص يتراوح بين 80 إلى 120 كيلومترًا. هذا يعني أن التنقلات اليومية أو حتى الرحلات القصيرة يمكن أن تتم دون استهلاك نقطة وقود واحدة.
لكن التغيير الحقيقي يكمن في المعمارية. على عكس السيارات الهجينة التقليدية التي يتصدر فيها محرك البنزين المشهد، فإن نظام بي واي دي يضع المحرك الكهربائي في المقدمة، ويجعل محرك البنزين عنصرًا مساعدًا يتدخل عند الحاجة فقط. إنه تغيير هادئ في توزيع الأدوار يحقق أقصى كفاءة وسلاسة، وبالنسبة للسائق، يشعر أن كل شيء طبيعي وسهل ونظيف ومستعد للمستقبل.
بطارية الشفرة: أمان، كفاءة، ومستقبل الطاقة

في قلب اختراقات بي واي دي لا يوجد المحرك فحسب، بل البطارية أيضًا. بطارية الشفرة (Blade Battery) ليست تعديلاً بسيطًا، بل هي إعادة اختراع كاملة لما يمكن أن تكون عليه بطارية السيارة الكهربائية. في التالي أبرز المميزات:
- تصميم بخلايا طويلة وضيقة مرصوصة مثل الشفرات لزيادة كثافة الطاقة بنسبة 50%.
- تقوية الهيكل الكامل للسيارة.
- أمان استثنائي حيث تبقى باردة وغير محترقة في اختبارات اختراق المسامير.
- الاعتماد على فوسفات الحديد والليثيوم (LFP) الأكثر استقرارًا مقارنة بالنيكل والكوبالت.
- عمر طويل يحتفظ بـ 90% من السعة بعد 3000 دورة شحن.
- شحن أسرع، مقاومة أفضل للحرارة، وأداء أطول عمرًا.
باختصار، بطارية الشفرة ليست أكثر أمانًا فحسب، بل أذكى أيضًا. إنها نتيجة التقاء التصميم الطموح بالتنفيذ المتقن، ثم الانطلاقة لما هو أبعد من التوقع.
“اطلع على: بطاريات الألومنيوم“
نظام تشوان جي: العقل المدبر لسيارات بي واي دي الذكية
القوة وحدها لا تكفي في رؤية بي واي دي لمستقبل السيارات. تحتاج السيارة الذكية إلى دماغ ذكي، وهنا يدخل نظام تشوان جي (XuanJi) المعماري الجديد. في التالي خصائص النظام:
- توحيد كل شيء: المحرك، المكابح، الحساسات، الكاميرات في نظام مركزي فائق السرعة.
- زمن استجابة يقاس بالميكرو ثانية، وهو الفرق بين تجنب حادث والوقوع فيه.
- التعلم المستمر عبر الذكاء الاصطناعي DeepSC.
- جمع البيانات من أكثر من 4 ملايين سيارة يوميًا لتحسين الأداء.
- التكيف مع الظروف الجوية المختلفة مثل الأمطار الغزيرة أو ضعف الرؤية.
- التحديثات عبر الإنترنت (OTA) لتطوير النظام باستمرار.
إنه ليس مجرد استعراض تقني، بل موثوقية وقابلية للتكيف وبناء للثقة. مع تشوان جي، لا تضيف بي واي دي ميزات فقط، بل تعيد تعريف ما يعنيه “تفكير” السيارة.
“قد يهمك: سيارة السويست S07“
القيادة الذاتية DiPilot: بي واي دي تقود الطريق

بينما لا تزال معظم شركات السيارات تتحدث عن مستقبل القيادة الذاتية، فإن بي واي دي تقوم ببنائه بالفعل. نظامها الجديد DiPilot ليس مفهومًا نظريًا، بل هو واقعي ومجرب ويتطور بسرعة.
ميزات DiPilot
- يعتمد على شبكة عصبية DeepSC R1 تحاكي اتخاذ القرار البشري.
- لا يتبع القواعد فقط، بل يتعلم ويتأقلم ويتوقع.
- يتوفر في ثلاث فئات:
- DiPilot 100 للنماذج الاقتصادية.
- DiPilot 300 للفئة المتوسطة.
- DiPilot 600 للسيارات الفاخرة.
حتى السيارات التي تقل أسعارها عن 10,000 دولار أصبحت تملك ميزات ذكية مثل:
- الملاحة الذاتية على الطرق السريعة.
- الركن التلقائي الذي يعتمد على الذاكرة.
- القيادة بدون استخدام اليدين لمسافة 600 متر.
خلف كل ذلك يعمل أكثر من 5000 مهندس وسبع سنوات من التطوير المتواصل. أسطول بي واي دي (BYD Auto) يولد أكثر من 45 مليون ميل من بيانات القيادة يوميًا، تغذي النظام بالتحسينات المستمرة. كل سيارة تساهم في جعل التالية أكثر ذكاءً.
“اطلع على: السيارات السيدان في مصر“
الابتكار المتاح: فلسفة بي واي دي في تسعير التقنية
ما يميز بي واي دي حقًا ليس الابتكار وحده، بل جعل هذا الابتكار متاحًا. بينما تعلن شركات السيارات الأخرى عن تقنيات ثورية بأسعار خيالية، تفعل بي واي دي العكس. هدفهم بسيط وجريء: جعل التكنولوجيا العالمية متاحة للسائقين العاديين. استراتيجيتهم هي التالي:
- سيارات أسعارها أقل بنسبة 15% من طرازات تسلا.
- أنظمة هجينة متطورة، وبطاريات طويلة المدى، وميزات قيادة ذاتية، وبنية ذكية موحدة.
- حتى الطرازات الاقتصادية التي تقل عن 10,000 دولار تقدم ميزات لم تكن موجودة أبدًا في هذه الفئة.
وهكذا، باعت بي واي دي أكثر من 4.3 مليون سيارة في عام واحد، ليس من خلال الضجيج، بل عبر تقديم قيمة لا يمكن تجاهلها. بينما تتراجع شركات كبرى مثل مرسيدس وفورد عن خططها للسيارات الكهربائية، تواصل بي واي دي التقدم. استراتيجيتهم الهجينة تعالج أيضًا أحد أكبر المخاوف: “قلق المدى”. فمن خلال دمج محركات كهربائية مع محركات بنزين فائقة الكفاءة، تقدم مدى يتجاوز 2000 كيلومتر دون التضحية بالأداء.
هذا ليس استعراضًا تكنولوجيًا للنخبة، بل تحول حقيقي من أجل الناس. تثبت بي واي دي أن مستقبل التنقل لا يجب أن يكون حصريًا، بل يمكن أن يكون أذكى وأنظف وفي متناول الجميع.
“اطلع على سيارة تيجو 8 برو ماكس 2026“
الخاتمة: بي واي دي تعيد تشكيل الطريق
هذا لا يتعلق بالسيارات فقط، بل بإعادة تشكيل الطريق الذي ينتظرنا، حيث تلتقي التكنولوجيا بالكفاءة والذكاء بطرق لم نكن لنتخيلها. إذا كان هناك شيء واحد واضح، فهو أن المنافسة أصبحت أكثر شراسة، وأن الشركات التي لن تواكب هذه الوتيرة من التطوير ستتخلف لا محالة. أما بي واي دي فقد أثبتت أنها مستعدة ومصممة وقادرة على إعادة رسم حدود الممكن في عالم صناعة السيارات. المستقبل يتحرك بسرعة، والسؤال الحقيقي هو: هل أنتم مستعدون لمواكبته مع هذه الثورة الصينية؟

مها أحمد كاتبة ومدونة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين التجربة الشخصية والتحليل الموضوعي. تكتب عن قضايا اجتماعية وثقافية وفكرية بأسلوب سلس يلامس اهتمامات القارئ اليومية.
تمتاز بأسلوبها العفوي الذي يدمج بين الطابع الشخصي والتعبير الحر، مما يجعل التدوينات قريبة من القارئ وواقعية. كما تحرص على طرح أفكار جديدة ومناقشة قضايا مجتمعية بطريقة مفتوحة للنقاش.
من خلال مدوناتها، تسعى مها أحمد إلى مشاركة الأفكار والخبرات وتبادل الرؤى مع الجمهور، لتجعل من التدوين مساحة للتواصل والإلهام.