حد الرجم في الإسلام: حكمة وتشريع لحفظ المجتمع وصيانة الأعراض

اكتشف حكمة حد الرجم في الإسلام: قصص تطبيق الحدود النبوية، دلالات الألفاظ، وجوده بالقرآن والسنة، ومكانته في التشريعات السابقة. فهم عميق لحد الرجم لحماية المجتمع

حد الرجم في الإسلام

لطالما كانت الشريعة الإسلامية، بمنهجها الرباني القويم، مصدر هداية ونور للبشرية جمعاء. ومن أبرز جوانب هذه الشريعة، التي تثير الجدل وتستدعي الفهم العميق، هي منظومة “الحدود” الإلهية. هذه الحدود، وعلى رأسها حد الرجم، ليست مجرد عقوبات قاسية، بل هي في جوهرها تشريعات حكيمة تهدف إلى صيانة الفرد والمجتمع، وحفظ الأمن، وحماية الأعراض، وردع الفواحش التي تهدد نسيج الأمة.

في هذه المقالة، سنتعمق في فهم حد الرجم في الإسلام، مستعرضين قصصه النبوية، ودلالاته اللغوية، وأدلته الشرعية، ومكانته في الشرائع السابقة، مع تسليط الضوء على الحملات الممنهجة التي تستهدف هذه الحدود الإلهية، بهدف زعزعة استقرار المجتمعات الإسلامية.


الرحمة النبوية في تطبيق الحدود: قصة ماعز والمرأة الغامدية

قصة ماعز بن مالك

تتجلى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله “رحمة للعالمين”، حتى في أشد المواقف المتعلقة بتطبيق الحدود. فلم يكن غرضه المباشرة في العقوبة، بل كان يتأنى ويستفسر ويسعى للكشف عن أي شبهة قد تدفع الحد.

يُروى أن ماعزًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقرًا بذنبه، مكرراً اعترافه أربع مرات، وفي كل مرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعرض عنه، محاولاً تلقينه ما قد يدفعه للتراجع أو التورية. قال له: “لعلك قبّلت أو غمست؟” في إشارة إلى أن العين تزني وزناها النظر، وأن هناك مراتب للذنب دون الزنا الكامل الذي يوجب الحد. ومع ذلك، أصر ماعز على إقراره الكامل.

قصة المرأة الغامدية

الأمر نفسه تكرر مع المرأة التي جاءت لتعترف بالزنا وقد حبلت منه. طلب منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب حتى تضع حملها، ثم أن تعود بعد فطام مولودها. هذا التأجيل الذي امتد لسنوات لم يكن إلا رحمة من النبي صلى الله عليه وسلم، وفرصة للتوبة، وتأكيدًا على أن الشريعة لا تسارع إلى العقوبة إلا بعد استيفاء كافة الشروط ورفع الشبهات.

إن هذا النهج يؤكد أن الحدود ليست للانتقام، بل للتطهير والردع، وأن الله ورسوله يكرهان فضح الناس، ويفضلان سترهم والتوبة بينهم وبين ربهم ما لم تكن هناك بينة واضحة تستوجب إقامة الحد علناً.

الرحمة النبوية في تطبيق الحدود
الرحمة النبوية في تطبيق الحدود

الحكمة من حدود الله: ردع لا انتقام

قد يرى البعض في حدود الله قسوة، لكن المتأمل يدرك أنها عين الحكمة والعدل. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ”. هذه الآية تلخص جوهر الحكمة من الحدود: إنها ليست للقصاص بذاته، بل للحياة. فالحدود تهدف إلى ردع الناس عن الجرائم والمعاصي، وتحمي المجتمع من الفساد والفوضى.

لو تُرك الناس بلا ضوابط، لعمّ الفساد، وانتشرت الجرائم، ولأصبحت الحياة غابة يأكل فيها القوي الضعيف.

أمثلة توضح الردع

  • عندما يعلم السارق أن يده ستقطع، يفكر ألف مرة قبل أن يمد يده إلى مال غيره.
  • عندما يعلم الزاني المحصن أنه سيرجم حتى الموت، يرتدع عن الخيانة والفاحشة.

هذه الحدود ليست عقاباً فردياً وحسب، بل هي رسالة جماعية لكل من تسول له نفسه الإجرام، بأن هناك رادعًا قوياً يمنعه ويحمي المجتمع. ولنا أن نتخيل حجم الفساد والفوضى التي تسود المجتمعات التي ترفع عنها هذه الحدود الإلهية.


دلالات الألفاظ وتطورها: “انكح” و”عصابة” كمثال

أحد الجوانب الهامة التي يجب الانتباه لها هو تطور دلالات بعض الألفاظ العربية عبر الزمن، وكيف يمكن لهذا التطور أن يخلق سوء فهم للنصوص الشرعية.

في التالي أمثلة على تطور دلالات الألفاظ:

  • كلمة “عصابة” كانت تعني “جماعة من الناس” بشكل عام، أما اليوم فقد ارتبطت غالباً بالجريمة والإجرام.
  • كلمة “عكروت” كانت تعني الفظ أو الغليظ، وأصبحت تُستخدم كسبّة.
  • كلمة “أنكتها” التي وردت في الحديث الشريف عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من ماعز أن يوضح طبيعة ذنبه، كانت تعني الإدخال المباشر، وهي كلمة فصيحة واضحة في زمن العرب.

استخدام النبي صلى الله عليه وسلم لكلمة “أنكتها” لم يكن بذيئاً، بل كان دقيقاً لا يحتمل اللبس. فالمقام مقام حد من حدود الله يترتب عليه موت، ولذلك كان لابد من وضوح مطلق في التعبير.


حد الرجم في الإسلام: أدلته الشرعية

يعتقد البعض، خاصة في هذا العصر، أن حد الرجم غير موجود في القرآن الكريم، وبالتالي فهو ليس من الإسلام. هذا الادعاء يستند إلى جهل أو تضليل متعمد، إذ أن أدلة الرجم راسخة في السنة النبوية المطهرة وإجماع الصحابة.

أدلة الرجم من السنة

لقد ورد حد الرجم في السنة النبوية قولاً وتطبيقاً، فقام النبي صلى الله عليه وسلم برجم الزناة المحصنين، وتبعه في ذلك الصحابة الكرام من بعده.

قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه

روى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلاً: “إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.” يوضح عمر رضي الله عنه أن آية الرجم كانت جزءاً من القرآن الكريم، ثم نُسخت تلاوتها، لكن حكمها بقي سارياً. وهذه من صور النسخ في القرآن الكريم:

  • قد يُنسخ الحكم وتبقى التلاوة.
  • قد تُنسخ التلاوة ويبقى الحكم.

“اقرأ أيضًا: معجزة تحول اليرقة إلى فراشة – أقوى دليل على البعث بعد الموت


الرجم في الشرائع السابقة: إرث سماوي مشترك

الرجم في الشرائع السابقة
. الرجم في الشرائع السابقة

ليس حد الرجم بدعة في الشريعة الإسلامية، بل هو حكم موجود في الشرائع السماوية السابقة، مما يؤكد على أصالته وكونه تشريعاً إلهياً يتجاوز الأديان بحد ذاتها.

وجود الرجم في التوراة والإنجيل

  • في سفر التثنية (الإصحاح 22، العدد 23-24) ورد حكم رجم الزناة بشكل واضح.
  • القديس جيروم أشار إلى أن خطبة مريم العذراء للقديس يوسف كانت لحمايتها من تهمة الزنا والرجم وفق الشريعة الموسوية.

هذا يثبت أن الرجم كان جزءًا من الشرائع السابقة، فلماذا يُهاجم الإسلام وحده بسبب هذا الحكم؟

“تعرف على: الهرمنيوطيقا وخطرها على الإسلام


الحرب على حدود الله وقيم الإسلام

للأسف الشديد، تشهد المجتمعات الإسلامية اليوم حرباً ضروساً ومنظمة على قيمها وحدودها الدينية. فالملاحدة والكافرون والمنافقون يسعون جاهدين لتشويه صورة الإسلام، والتشكيك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء حدود الله بحجج واهية.

من مظاهر هذه الحملات التالي:

  • التشكيك في السنة النبوية.
  • الطعن في حدود الله واعتبارها قسوة.
  • الترويج للفاحشة والخمر والميسر.
  • محاربة الحجاب والعفة.
  • نشر التمرد على الأسرة والقيم عبر السوشيال ميديا.

الغريب أن هؤلاء لا ينتقدون الفحش والزنا والعنف في كتبهم أو ثقافاتهم، بينما يشنون حملات شرسة على أي حكم في الإسلام لا يتوافق مع أهوائهم.

“قد يهمك: تاريخ الدول والخلافات الإسلامية الكبرى


خاتمة: صمود نور الله رغم كيد الكائدين

في خضم هذه التحديات، يظل نور الله ساطعاً، وشريعته باقية، وحكمه غالب. يقول الله تعالى: “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”. إن حدود الله ليست قمعاً للحريات، بل هي صيانة للإنسانية، وحماية للكرامة، وضمان للعدالة. على الرغم من كيد الكائدين ومحاولاتهم المستمرة لطمس معالم الدين وتشويه أحكامه، يظل المسلمون بفضل الله متمسكين بدينهم، مهتدين بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

فالحدود الإلهية هي ركيزة أساسية لمجتمع سليم، خالٍ من الجرائم والفواحش. إن فهمنا العميق لحكمة هذه الحدود، ونشر الوعي الصحيح عنها، ومواجهة الشبهات بالحجج الدينية والعقلية، هو السبيل الوحيد للحفاظ على هويتنا وقيمنا في وجه هذه الهجمات الشرسة. الحمد لله الذي اصطفانا وهدانا وجعلنا من الهاديين المهديين، ونسأله الثبات حتى نلقاه وهو راضٍ عنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top