منذ فجر التاريخ الإسلامي، لعبت الكتب دورًا محوريًا في توثيق الأحداث، وصناعة الوعي الجمعي، ونقل التجارب الحضارية والعسكرية والدينية للأمة. غير أنّ كثيرًا من هذه الكتب قد فُقد أو جرى تحريفه بمرور العصور، لا سيما في الفترة التي تلت سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين، حيث تعرضت النصوص الأمويّة للتشويه والإقصاء.
قائمة المحتويات
هذا المقال يسعى إلى إلقاء الضوء على الكتب الأموية المفقودة أو المشوهة، ومحاولة استعادة ما أمكن منها، بالاعتماد على المصادر التي حفظت لنا أجزاءً منها، لنرسم صورة أوضح عن تاريخ إسلامي مشرق نفتخر به.
ما هي الكتب الأموية؟
الكتب الأموية هي المؤلفات التي كُتبت خلال فترة حكم الدولة الأموية (41 – 132 هـ)، والتي وثّقت الفتوحات، والسياسة، والإدارة، والتجارب العسكرية والفكرية. هذه الكتب مثلت الرؤية الأصلية لتاريخ الأمة، لكنها تعرضت لاحقًا لمحاولات تزييف وتشويه من جانب بعض مؤرخي العصر العباسي الذين سعوا لإعادة صياغة التاريخ بما يخدم مصالحهم السياسية والفكرية.
التزوير العباسي وأثره في التاريخ الإسلامي
بعد سقوط الدولة الأموية، اعتمد العباسيون سياسة تشويه متعمدة ضد خصومهم. فقد استعانوا ببعض المؤرخين والفقهاء ذوي التوجهات الشيعية أو الباطنية، وأعطوهم سلطة واسعة على المنابر والمساجد، لترويج روايات تسيء للصحابة والقادة الأمويين.
ومن بين هذه الروايات الزائفة: تصوير الفتوحات الإسلامية على أنها أعمال همجية، والادعاء بأن الصحابة كانوا أهل فجور أو طمع. بينما الحقيقة أن هؤلاء الصحابة والتابعين هم الذين نشروا الإسلام في الشام والعراق والأناضول والمغرب والأندلس، وأسّسوا حضارة مشرقة.
كتاب الصوائف: نموذج من الكتب الأموية المفقودة
أحد أبرز الكتب التي تعود جذورها إلى العصر الأموي هو كتاب الصوائف، الذي ألّفه المؤرخ الشامي الأموي الهوى محمد بن عائذ الدمشقي (150 – 233 هـ). ورغم أنّ الكتاب فقد في القرن الثامن الهجري، إلا أن الدكتور سليمان بن عبد الله السويكت أعاد إحياءه بجمع الروايات المتناثرة عنه في كتب مثل تاريخ خليفة بن خياط وتاريخ دمشق لابن عساكر.
معنى الصوائف
الصوائف هي الحملات العسكرية الصيفية التي كان يرسلها الخلفاء الأمويون لفتح الأناضول والتوسع في الأراضي البيزنطية. كانت هذه الحملات تتميز بالتخطيط العسكري المتقن، حيث يقضي الجيش الصيف في الفتح والغزو، ثم يعود إلى الشام مع بداية الشتاء استعدادًا لحملة جديدة.
في التالي أهمية هذا الكتاب:
- يوثق حصار المسلمين الأول والثاني للقسطنطينية.
- يحفظ لنا نصوصًا أمويّة نقيّة، بعيدة عن التزييف العباسي.
- يُظهر أن المؤرخين الشاميين كانوا الأقدر على حفظ تاريخ الفتوحات بسبب قربهم من الأحداث.
“قد يهمك: تاريخ الدولة الأموية“
محمد بن عائذ الدمشقي ودوره التاريخي

محمد بن عائذ عاش في الفترة العباسية، لكنه كان أموي النزعة. تميز بمعرفته الدقيقة بجغرافيا الأناضول وتاريخه، نظرًا لإقامته في منطقة المصيصة، وهي حصن عسكري للمسلمين قريب من أضنة في تركيا.
كان ابن عائذ شاهدًا على مرحلة انتقالية مهمة، ودوّن كتبًا في المغازي والفتوح، إضافة إلى كتاب الصوائف. وقد نقلت عنه مصادر عديدة مثل:
- ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- ابن الأثير في أُسد الغابة.
- ابن حجر العسقلاني في فتح الباري والإصابة.
- الذهبي في سير أعلام النبلاء.
الفتوحات الأموية في الأناضول
- فتح أنقرة والمدن الكبرى:
من أبرز ما ذكرته الروايات أن المسلمين في عهد الدولة الأموية نجحوا في فتح نحو 90% من أراضي الأناضول، بما فيها العاصمة الحالية أنقرة. وقد قاد هذه الحملات القائد الشجاع مسلمة بن عبد الملك، الذي أسس مسجدًا عُرف لاحقًا باسم “مسجد العرب” في إسطنبول.

- حصار القسطنطينية:
وثقت الكتب الأموية أول حصار للقسطنطينية في عهد معاوية بن أبي سفيان، ثم الحصار الثاني بقيادة يزيد بن معاوية. ومن أبرز الأحداث دفن الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري بجوار أسوار القسطنطينية، حيث أقيم على قبره قبة أضاءها الروم احترامًا لوصيته ومكانته.
“تعرف على: تاريخ الدول والخلافات الإسلامية الكبرى“
الصحابة والتابعون في الروايات الأموية
الكتب الأموية نقلت لنا صورة مشرقة عن الصحابة والتابعين:
- حبيب بن مسلمة: قائد جيوش الصوائف في عهد عمر بن الخطاب، عُرف بورعه ورفضه الدنيا، حيث اختار السلاح على المال عندما اختبره عمر.
- أبو شيبة الخدري: صحابي استشهد في حصار القسطنطينية، مؤكّدًا على وصية النبي ﷺ بأهمية كلمة التوحيد.
- أبو أيوب الأنصاري: دفن عند أسوار القسطنطينية ليكون رمزًا دائمًا للجهاد في سبيل الله.
أهمية استعادة الكتب الأموية
إعادة تجميع النصوص الأموية المتناثرة في كتب الحديث والتاريخ يمثل ضرورة حضارية وفكرية للأمة الإسلامية اليوم، لعدة أسباب:
- تصحيح التاريخ: إزالة التشويه العباسي والباطني الذي ألصق بالصحابة والأمويين.
- إبراز الإنجازات: مثل الفتوحات العظمى التي امتدت من الصين شرقًا حتى الأندلس غربًا.
- تقوية الهوية الإسلامية: من خلال إعادة الاعتبار لدولة إسلامية كبرى أسست للنهضة الحضارية.
- تقديم قدوات: من الصحابة والتابعين الذين جسدوا معاني التضحية والإخلاص.
الدروس المستفادة من تجربة الكتب الأموية
- ضرورة توثيق التاريخ بشكل رسمي وحفظ المخطوطات في دور الكتب والمؤسسات العلمية.
- أهمية النقد الداخلي للروايات وتحليل الأسلوب واللغة للتأكد من صحتها.
- الوعي بأن التاريخ ليس محايدًا دائمًا، بل قد يخضع للتحريف والتسييس.
- الحاجة إلى مشاريع بحثية حديثة لإعادة جمع وإحياء التراث الأموي.
“قد يهمك: تصحيح تاريخ الصحابة الكرام“
الكتب الأموية: الخاتمة
إن الكتب الأموية ليست مجرد أوراق مفقودة، بل هي صفحات من تاريخ أمة عظيمة تحتاج إلى أن تُستعاد وتُدرّس للأجيال. فبينما حاول بعض المؤرخين العباسيين والباطنيين طمس هذا التراث وتشويه صورة الصحابة والتابعين، ما زالت بقايا تلك النصوص محفوظة في كتب الحديث والتاريخ، تنتظر من يعيد جمعها وتقديمها في صورتها الأصلية.
لقد أسس الأمويون حضارة إسلامية ممتدة، وحافظوا على رسالة النبي ﷺ، وأثبتوا أن الإسلام دين قوة وعلم وعدل. واستعادة كتبهم اليوم ليست مجرد عمل تاريخي، بل خطوة في سبيل إحياء الهوية الإسلامية وتصحيح الوعي، لتظل أمتنا فخورة بتاريخها ومشرقة بمستقبلها.

يعد كمال علي كاتبًا متخصصًا في الشؤون الإسلامية، حيث يقدم محتوى مميزًا يجمع بين الأسلوب السهل والطرح العميق. يكتب عن العقيدة، الفقه، السيرة النبوية، والتربية الإسلامية، مع الحرص على تبسيط المفاهيم الدينية لتكون في متناول الجميع.
يحرص كمال على أن تكون مقالاته مصدرًا للوعي الديني الصحيح، بعيدًا عن التعقيد أو الغموض، مع التركيز على إبراز سماحة الإسلام ووسطيته. كما يربط بين التعاليم الإسلامية والحياة اليومية ليجعل القارئ أكثر قدرة على تطبيق القيم الدينية في واقعه المعاصر.
إلى جانب ذلك، يولي اهتمامًا بمواضيع الشباب والأسرة والتحديات التي يواجهها المسلم المعاصر، مما يجعل كتاباته شاملة ومؤثرة.