حريق القاهرة 1952: أسرار أكبر كارثة هزّت مصر في عهد الملك فاروق

اكتشف القصة الكاملة وراء حريق القاهرة 1952، أكبر كارثة في عهد الملك فاروق، ومن المتهم الحقيقي في إشعال النيران التي غيّرت مسار تاريخ مصر

حريق القاهرة 1952

يُعتبر حريق القاهرة 1952 واحدًا من أكثر الأحداث غموضًا وإثارة للجدل في التاريخ المصري الحديث. فبينما استيقظت القاهرة يوم 26 يناير على أكبر كارثة حقيقية في شوارعها، ظلّت التساؤلات قائمة حتى اليوم: من المسؤول عن هذه المأساة؟ هل كان الملك فاروق؟ أم حكومة الوفد؟ أم البريطانيون؟ أم الإخوان المسلمون؟ أم الضباط الأحرار؟

الحريق لم يكن مجرد flames devouring buildings؛ بل كان بداية النهاية لعصر كامل، ومقدمة مباشرة لثورة يوليو 1952 التي أطاحت بالملكية. في هذا المقال سنعود بالزمن إلى الوراء، نفتح الملفات السرية، ونسرد تفاصيل يوم القاهرة الأسود، مع تحليل شامل للأطراف المتورطة، والظروف السياسية والاجتماعية التي مهدت لهذه الفاجعة.


خلفية تاريخية قبل حريق القاهرة 1952

قبل أن نغوص في تفاصيل الحريق، علينا أن نفهم المشهد السياسي والاجتماعي في مصر بداية الخمسينيات.

  • الاحتلال البريطاني: كان لا يزال يسيطر على قناة السويس، ويعتبر نفسه القوة الفعلية في البلاد.
  • حكومة الوفد: برئاسة مصطفى النحاس باشا، كانت تحظى بشعبية كبيرة، لكنها في مواجهة مباشرة مع الملك فاروق من جهة، والبريطانيين من جهة أخرى.
  • الملك فاروق: آخر ملوك مصر من أسرة محمد علي، كان يعاني من ضعف في صورته أمام الشعب بسبب مظاهر البذخ والفساد.
  • الإخوان المسلمون والشيوعيون: كانا ينشطان في الشارع السياسي، ولكل منهما أجندته الخاصة.
  • الضباط الأحرار: تنظيم سري داخل الجيش بقيادة جمال عبد الناصر، كان يخطط للثورة على الملكية.

وسط هذا الخليط المتفجر من التوترات، جاء يوم 25 يناير 1952، حيث وقعت مجزرة الإسماعيلية، التي أشعلت فتيل الغضب وأدت إلى انفجار أحداث اليوم التالي في القاهرة.


الشرارة الأولى: معركة الإسماعيلية 25 يناير 1952

في ذلك اليوم، حاصرت القوات البريطانية مبنى محافظة الإسماعيلية، حيث تحصن العشرات من جنود الشرطة المصريين. رفض الضباط المصريون تسليم أسلحتهم، ودارت معركة غير متكافئة بين دبابات ومدرعات بريطانية مقابل بنادق قديمة وذخيرة محدودة.

  • النتيجة: سقوط أكثر من 50 شهيدًا من رجال الشرطة، وإصابة العشرات.
  • رد الفعل الشعبي: عمّ الغضب أرجاء مصر، وبدأت الدعوات لمقاطعة بريطانيا، بل وإعلان الحرب عليها.

هذه المذبحة كانت الوقود الذي غذّى نيران الغضب في القاهرة، وأشعلت مشاعر المصريين ضد الاحتلال والملك والحكومة معًا.


يوم 26 يناير 1952: بداية حريق القاهرة

يوم 26 يناير 1952
يوم 26 يناير 1952

استيقظت القاهرة في صباح يوم السبت 26 يناير على مشهد غير مسبوق. المظاهرات خرجت من الجامعات والمصانع، والشارع امتلأ بالغاضبين الذين طالبوا بالسلاح لمواجهة البريطانيين في القناة. لكن الغريب أن الأمن انسحب تدريجيًا، تاركًا الشوارع في حالة فراغ أمني غير مفهوم. هنا دخلت مجموعات مجهولة تحمل أدوات للحرق والتدمير، لتبدأ الكارثة.

أهم معالم اليوم

  • اندلاع النيران في كازينو الأوبرا، ثم امتدت إلى وسط البلد.
  • احتراق فنادق كبرى مثل شيبرد ومتروبوليتان.
  • تدمير مئات المحلات، السينمات، الكباريهات، والمكاتب.
  • انتشار الفوضى والنهب، وسط غياب شبه كامل للجيش.

أرقام الخسائر في حريق القاهرة 1952

رغم تضارب الروايات حول عدد الضحايا والخسائر، إلا أن الأرقام تؤكد فداحة ما حدث.

  • عدد القتلى: ما بين 26 إلى 30 شخصًا حسب المصادر الرسمية.
  • المصابين: عشرات الجرحى.
  • الخسائر المادية:
    • أكثر من 700 منشأة دُمرت.
    • احتراق 13 فندقًا، 40 دار سينما، 300 محل، 92 بارًا، و33 مطعمًا.
    • تدمير مكاتب وشركات ومعارض سيارات.

كانت القاهرة في ذلك اليوم تبدو وكأنها خرجت من قصف جوي، وليس مجرد أعمال شغب.

الخسائر في حريق القاهرة 1952
الخسائر في حريق القاهرة 1952

موقف الملك فاروق من الحريق

الغريب أن الملك فاروق، بدلاً من أن يكون في قلب الحدث، كان يقيم حفلًا ضخمًا في قصر عابدين احتفالًا بسبوع ولي العهد أحمد فؤاد.

  • دعا أكثر من 600 ضابط من الجيش والشرطة.
  • تجاهل نداء وزير الداخلية للتدخل بالجيش.
  • ألقى خطابًا عامًا لا يعكس خطورة الوضع.

هذا الموقف زاد من شكوك الشعب حول دوره في الكارثة، خاصة وأن الحريق منح القصر مبررًا لإقالة حكومة الوفد التي كانت تمثل الأغلبية الشعبية.


الأطراف المتهمة في إشعال حريق القاهرة 1952

هذه الأطراف هي التالي:

1. الملك فاروق والقصر

  • الدافع: التخلص من حكومة الوفد بقيادة النحاس باشا.
  • الأدلة: تجاهل الحريق، والانشغال بالحفلات.
  • النتيجة: إقالة الحكومة بعد 24 ساعة من الحريق.

2. الاحتلال البريطاني

  • الدافع: الانتقام من حكومة الوفد بسبب إلغاء معاهدة 1936.
  • الشبهات: انسحاب الشرطة، وانتشار أدوات الحرق بشكل منظم.
  • لكن: لا يوجد دليل مباشر على تورطهم.

3. الإخوان المسلمون

  • الدافع: استهداف أماكن اللهو والبارات.
  • الاتهامات: استخدام الجهاز السري “البودرة الحارقة” غير المتاحة إلا للتنظيمات السرية.
  • الروايات: جماعات بلباس ديني هاجمت الكازينوهات والسينمات.

4. الضباط الأحرار

  • الدافع: إظهار عجز الملك والحكومة لتبرير الثورة لاحقًا.
  • الشبهات: الجيش لم يتدخل طوال اليوم.
  • النفي: قيادات التنظيم قالوا إنهم لم يكونوا مستعدين لعمل بهذا الحجم.

5. الولايات المتحدة الأمريكية

  • الدافع: ضرب الديمقراطية في مصر، وتمهيد الطريق لنظام عسكري يخدم مصالحها.
  • الأدلة: تصريحات وزير الخارجية صلاح الدين بأن المخابرات الأمريكية لعبت دورًا في الحريق.

“قد يهمك: اللاجئون والأمن القومي المصري


كيف غيّر حريق القاهرة 1952 مسار التاريخ المصري؟

الحريق لم يكن مجرد حادث عرضي، بل كان نقطة تحول فاصلة:

  • سقوط حكومة الوفد.
  • اهتزاز صورة الملك فاروق بشكل لا رجعة فيه.
  • تهيئة الأجواء للضباط الأحرار ليظهروا كمنقذين للشعب.
  • تسريع الأحداث التي قادت إلى ثورة يوليو 1952 وسقوط النظام الملكي.

“اقرأ عن: الأخطاء الطبية في مصر


آراء المؤرخين حول المسؤول الحقيقي

  • جمال حماد: يرى أن الحريق لم يكن عفويًا بل مدبرًا.
  • مرتضى المراغي: يؤكد أن أدوات الحرق لم تكن في متناول الشعب.
  • جمال عبد الناصر: اتهم الإخوان المسلمين أولًا، ثم الشيوعيين لاحقًا.
  • محمد صلاح الدين: أشار إلى دور المخابرات الأمريكية (United States Intelligence Community).
  • علي ماهر: اعتبر أن ما حدث كان جزءًا من خطة لإسقاط الوفد.

“تعرف على: نظام البكالوريا في مصر


التحليل النهائي: من المستفيد من الحريق؟

عند تقييم جميع الأطراف، نجد أن المستفيد الأكبر كان الملك فاروق، لأنه تخلص من حكومة الوفد وأضعف خصومه. لكن هذا لا يعفي الآخرين:

  • الإنجليز استغلوا الموقف.
  • الإخوان متهمون بالتنفيذ في الشارع.
  • الضباط الأحرار استفادوا سياسيًا من الفوضى.
  • الأمريكيون وجدوا الفرصة لتوجيه مصر نحو الحكم العسكري.

حريق القاهرة: الخاتمة

يبقى حريق القاهرة 1952 لغزًا تاريخيًا معقدًا، تتداخل فيه المؤامرات والأجندات الداخلية والخارجية. ما حدث يوم 26 يناير لم يكن مجرد شغب عابر، بل كان خطة متعددة الأطراف غيّرت مسار التاريخ المصري بالكامل.

فالقاهرة التي احترقت في ذلك اليوم، ولّدت من رمادها ثورة يوليو التي أطاحت بالملكية وغيرت وجه مصر إلى الأبد. وربما سيظل السؤال مطروحًا: من أشعل النار؟ لكن المؤكد أن الجميع ساهم بطريقته في جعل ذلك اليوم يومًا أسود في ذاكرة مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top