في فبراير 2024، فاجأ الملياردير الكوري الجنوبي لي جونغ كون موظفيه بإعلان غير مسبوق: سيحصل كل موظف في مجموعة بو يونغ على 100 مليون وون (نحو 72 ألف دولار) عند إنجاب طفل. هذا المبلغ يعادل ضعف متوسط الدخل السنوي في كوريا الجنوبية، وأثار موجة من الدهشة والتصفيق بين الحضور.
قائمة المحتويات
لكن خلف هذا القرار السخي قصة أعمق بكثير من مجرد كرم رجل أعمال. فكوريا الجنوبية تواجه أزمة ديموغرافية خطيرة تهدد مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي. إنها دولة تتجه بسرعة نحو الشيخوخة، حيث ينخفض معدل المواليد إلى مستويات قياسية لم يشهدها أي بلد آخر في العالم. فلماذا توقف الكوريون عن الإنجاب؟ ولماذا لا يرغب الشباب في الزواج؟ وكيف تحاول الحكومة إنقاذ البلاد من خطر الانقراض السكاني؟
انخفاض معدل الخصوبة إلى أدنى مستوى عالمي
يبلغ معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية 0.72 طفل لكل امرأة فقط عام 2023، وهو أدنى معدل في العالم، مقارنة بمعدل الإحلال السكاني العالمي الذي يبلغ 2.1 طفل لكل امرأة. في الستينيات، كانت المرأة الكورية تنجب أكثر من 6 أطفال، لكن في غضون ستة عقود فقط، انخفض الرقم إلى أقل من طفل واحد. هذه السرعة في الانخفاض غير مسبوقة تاريخيًا، وتنبئ بمستقبل مظلم للبلاد، إذ تتوقع الإحصاءات أن ينخفض عدد السكان من 52 مليونًا إلى 36 مليونًا بحلول عام 2072.
نصف سكان كوريا الجنوبية سيكونون من كبار السن
تشير التوقعات إلى أن نسبة كبار السن (فوق 65 عامًا) سترتفع من 19% حاليًا إلى 47.7% في منتصف القرن، ما يجعل كوريا دولة “فائقة الشيخوخة” Super-Aged Society. وهذا يعني أن نصف السكان تقريبًا لن يكونوا قادرين على العمل والإنتاج، بينما يتناقص عدد الشباب الذين يمكنهم دعم الاقتصاد أو تولي الوظائف الحيوية.

لماذا يرفض الكوريون الزواج والإنجاب؟
- ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن:
من أبرز الأسباب الغلاء الفاحش في تكاليف الحياة والسكن. فشراء شقة في العاصمة سيول يحتاج إلى سنوات طويلة من الادخار. كما أن تكاليف التعليم والرعاية الصحية مرتفعة جدًا، مما يجعل فكرة الإنجاب عبئًا اقتصاديًا كبيرًا.

- ثقافة العمل القاسية:
ثقافة العمل في كوريا الجنوبية معروفة بصرامتها الشديدة، حيث يعمل الموظفون ساعات طويلة تمتد حتى منتصف الليل، ويحصلون على إجازات محدودة جدًا. هذه البيئة القاسية جعلت الشباب يؤجلون الزواج أو يتجنبونه تمامًا خوفًا من فقدان وظائفهم أو انخفاض إنتاجيتهم.
- الضغط الاجتماعي والتمييز ضد النساء:
رغم التطور الاقتصادي، ما زالت المرأة الكورية تواجه صعوبات كبيرة في الموازنة بين العمل والأمومة. الكثير من النساء يُجبرن على ترك وظائفهن بعد الولادة بسبب غياب الدعم المؤسسي، مما جعل العديد منهن يفضلن الحياة بلا زواج أو إنجاب.
“اطلع على: Mortgage Amortization Spreadsheet“
الكلاب بدل الأطفال
في واقعة غريبة، شوهدت شابة كورية تدفع عربة أطفال، وعند السؤال اكتُشف أنها تحمل كلبًا صغيرًا وليس طفلًا! هذه القصة ليست فريدة، إذ تجاوزت مبيعات عربات الكلاب مبيعات عربات الأطفال لأول مرة في عام 2023. تزايدت هذه الظاهرة لدرجة أن بعض البرامج الإذاعية خصصت حلقات كاملة لمناقشتها، معتبرة أنها رمز لانهيار المفهوم التقليدي للأسرة.
محاولات الحكومة لإنقاذ الوضع
مليارات الدولارات لمواجهة الأزمة
أنفقت الحكومة الكورية مئات المليارات من الدولارات خلال السنوات الماضية لتشجيع الزواج والإنجاب، من خلال برامج دعم تشمل:
- منح مالية للأسر عند إنجاب الأطفال.
- إعانات شهرية للأمهات تتراوح بين 1000 إلى 1700 دولار.
- إجازات أبوة وأمومة مدفوعة الأجر.
- إعفاءات من الخدمة العسكرية لمن ينجب ثلاثة أطفال قبل سن الثلاثين.
مبادرات الشركات الخاصة
اتبعت الشركات الكبرى سياسة مشابهة لما أعلنه الملياردير لي جونغ كون.
- شركة كرافتون (Krafton): تدفع 43 ألف دولار لكل مولود، مع 29 ألفًا إضافية حتى بلوغ الطفل الثامنة.
- كوريا للصناعات الجوية: تقدم 7 آلاف دولار للمولود الأول والثاني، و22 ألفًا للثالث.
- شركات أخرى مثل هانوا، بوسكو، وكمهو قدمت برامج مشابهة.
هذه المبادرات ليست عملاً خيرياً، بل استثمارًا في المستقبل. فبدون جيل جديد، لن يكون هناك عمّال أو اقتصاد أو دولة.
“تعرف على: الكومباوندات السكنية“
هل بدأت النتائج بالظهور؟
تشير الإحصاءات إلى أن عام 2024 شهد ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 3.6% في معدل المواليد، أي ما يعادل 8300 مولودًا إضافيًا مقارنة بعام 2023. ورغم أن هذا التحسن مشجع، إلا أن الخبراء يؤكدون أنه تحسن مؤقت، ولن يستمر ما لم تُعالج المشكلات الهيكلية مثل طول ساعات العمل، وتركّز التنمية في المدن الكبرى، وغلاء المعيشة.
رؤية مستقبلية: هل يمكن إنقاذ كوريا الجنوبية؟
يرى الاقتصاديون أن الحل لا يكمن فقط في المال، بل في تغيير الثقافة المجتمعية بالكامل. ينبغي للحكومة أن تعيد توزيع التنمية على المناطق الريفية لتقليل الاكتظاظ، وتخفيف الضغط الاقتصادي عن الأسر، وتوفير بيئة أكثر توازنًا بين العمل والحياة الشخصية. فبدون هذه الإصلاحات العميقة، ستظل كوريا الجنوبية تواجه خطر الانكماش السكاني، مهما قدمت من دعم مالي.
“اطلع على: كمبوند فيليت التجمع الخامس“
أسئلة شائعة حول الأزمة السكانية في كوريا الجنوبية
1. ما هو سبب انخفاض معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية؟
السبب الرئيسي هو ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن، وثقافة العمل القاسية، بالإضافة إلى ضعف الدعم للنساء العاملات بعد الإنجاب.
2. هل سيؤدي ذلك إلى انقراض سكاني؟
إذا استمر الوضع الحالي دون حلول فعالة، فقد تفقد كوريا الجنوبية (South Korea) ثلث سكانها بحلول عام 2070، ما يعني كارثة اقتصادية واجتماعية.
3. ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة؟
قدمت الحكومة دعمًا ماليًا للأسر، وإجازات مدفوعة للأمهات والآباء، وبرامج إسكان ميسرة، وحتى إعفاءات من الخدمة العسكرية.
4. هل أثمرت هذه الإجراءات عن نتائج؟
رغم الارتفاع الطفيف في المواليد عام 2024، إلا أن الخبراء يرون أن التحسن مؤقت ما لم تتغير السياسات الاقتصادية والاجتماعية بعمق.
5. هل يمكن أن تحتذي دول أخرى بهذه الحلول؟
نعم، لكن يجب أن تُكيف كل دولة الحلول وفقًا لثقافتها وواقعها الاقتصادي والاجتماعي، فالمشكلة ليست مادية فقط بل ثقافية أيضًا.
“تعرف على: العاصمة الإدارية الجديدة“
الأزمة السكانية في كوريا الجنوبية: الخاتمة
إن الأزمة السكانية في كوريا الجنوبية ليست مجرد أرقام أو إحصاءات، بل تهديد حقيقي لمستقبل الأمة. وعلى الرغم من الجهود الحكومية الضخمة والمبادرات الخاصة السخية، إلا أن الحل لن يأتي إلا من خلال إصلاح شامل في ثقافة العمل، والسياسات الاجتماعية، ونمط الحياة. فكما قال لي جونغ كون، إن دعم الإنجاب ليس صدقة، بل استثمار في بقاء الوطن. ويبقى السؤال الأهم: هل تتدارك كوريا الجنوبية أزمتها قبل فوات الأوان؟
الاسم/ علي أحمد، كاتب متخصص في المقالات الإخبارية والترندات الحالية التي تشغل اهتمام الكثير من الأشخاص في الدول العربية، كما نقوم بنشر مقالات عامة متنوعة تُزيد من ثقافة القارئ العربي. لدينا خبرة طويلة في مجال المقالات الإخبارية والترندات والمقالات العامة المتنوعة، ونعتمد على المصادر الموثوق فيها لكتابة محتوى هذه المقالات. هدفنا هو إيصال المعلومات الصحيحة للقارئ بشكل واضح ومباشر.
يتميز علي أحمد بكتاباته التي تغطي مجموعة واسعة من المقالات العامة والأخبار العاجلة والموضوعات الرائجة. يجمع في طرحه بين السرعة في مواكبة الأحداث والدقة في نقل المعلومات، ليقدم للقارئ صورة واضحة وشاملة.
يركز على تحليل الأحداث بموضوعية وحياد، مع تقديم خلفيات مختصرة تساعد القارئ على فهم الخبر في سياقه. كما يعرض مقالات متنوعة حول الترندات الاجتماعية والتكنولوجية والثقافية، مما يجعل محتواه مناسبًا لجمهور واسع. كتاباته تعكس حرصًا على أن يكون الموقع دائمًا في قلب الحدث، مع محتوى جذاب يواكب اهتمامات القراء ويثير النقاش حول أبرز القضايا المعاصرة.

