السحر الروحاني بين البدع والشركيات: دراسة تحليلية شاملة في ضوء الشريعة الإسلامية

Spiritual Magic Between Heresies and Polytheistic Acts: A Comprehensive Analytical Study in Light of Islamic Law

حقيقة السحر الروحاني، والأصول الباطنية للسحر الروحاني، ومعلومات عن السحر القبالي اليهودي، وخرافات التشافي الذاتي وطاقة الأحجار الكريمة وتوأم الشعلة.

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتزداد فيه الضغوط النفسية والمعيشية، يلجأ الكثيرون إلى البحث عن حلول لمشاكلهم، وقد يقعون فريسة لأفكار وممارسات دخيلة على دينهم تحت مسميات براقة. من أخطر هذه الممارسات وأكثرها انتشارًا في العصر الحديث ما يُعرف بـ السحر الروحاني أو السحر النوراني.

هذه الظاهرة الخطيرة تُقدم في قالب إسلامي زائف، وتوهم الناس بأنها طريق لتحقيق المنافع الدنيوية أو حل المشاكل المستعصية، بينما هي في حقيقتها شركيات وبدع تُخرج صاحبها عن دائرة الإسلام الصحيح.
يهدف هذا المقال إلى كشف حقيقة هذا النوع من السحر، وبيان أصوله البعيدة عن الشريعة، وتحليل مخاطره العقدية والاجتماعية، وتقديم إرشادات للتحصين منه والتمييز بين الحق والباطل، وذلك وفق المنهج الإسلامي الأصيل.


حقيقة السحر الروحاني: خلط بين القدسي والوثني

يُعد السحر الروحاني فرعًا من فروع السحر الذي يعتمد على استخدام نصوص تبدو دينية، مثل الآيات القرآنية، والأحرف المقطعة في أوائل السور، وأسماء الله الحسنى، والبسملة، ولكن بطريقة مبتدعة وخارجة عن المنهج الشرعي السليم.

يُوهم مروجو هذا السحر متابعيهم بأن تكرار هذه النصوص بأعداد معينة (مثل 19، 111، 1111) سيفتح لهم “مسارات الغنى والطاقة”، ويُسرع الزواج، أو يُعين على قضاء الحاجات وفك التعطيلات والسحر والمس.
يدّعون أن هذه الأرقام لها “خواص” و”أسرار” تُمكن الإنسان من “تسخير الكون” لخدمته.

هذا التوظيف المغلوط والملتوٍ للقرآن الكريم والعبادات، يُخرجها من كونها وسيلة للتقرب إلى الله تعالى والعبادة الصحيحة، ليجعلها مجرد “طلاسم سحرية” أو “أكواد كونية” تُشغل في خدمة أهداف دنيوية بحتة، غالبًا ما تكون مبنية على الاعتقاد بالقدرات الكامنة في الأرقام المجردة أو في “الطاقة الكونية” بدلًا من قدرة الله وحده.


الأصول الباطنية للسحر الروحاني: القبالة وتغلغلها

السحر الروحاني
السحر الروحاني

إن الأسس التي يُبنى عليها السحر الروحاني ليست إسلامية الأصل على الإطلاق. بل تعود جذورها إلى السحر القبالي اليهودي، وهو نظام سحري وفلسفي باطني يعتمد على الحروف والأرقام كرموز كونية أو “أكواد” لها تأثير في استجابة الكون والأرواح. الأرقام التي يركز عليها دعاة هذا السحر، مثل 11، 111، 1111، هي أرقام قبالية معروفة في هذا النوع من السحر، ويُعتقد أنها تُمكن من استجلاب “الخدام” أو “المدد” من قوى خفية.

يُروج لهؤلاء بأن هذه الأرقام “رسائل من الملائكة” أو “أكواد كونية” تُساعد على تحقيق الرغبات. بينما الحقيقة أنها أرقام يُعلمها الشياطين للبشر، كما اعترفت بعض الساحرات الغربيات اللاتي مارسن هذا النوع من السحر. فالسحر القبالي، الذي تعلمه اليهود في بابل، يقوم على مبدأ “الوحدانية” أو “وحدة الوجود” (Panentheism)، وهو الاعتقاد بأن الله والكون والإنسان شيء واحد، وأن مضاعفات الرقم واحد (مثل 11، 111) ترمز إلى هذا الاتحاد. وبالتالي، فإن التكرار بهذه الأرقام يُعتبر نوعًا من تقديم القرابين للشياطين، وإفسادًا لعقيدة التوحيد الصافية.


مخاطر السحر الروحاني على العقيدة: الشرك الأكبر

يُمثل السحر الروحاني خطرًا جسيمًا على عقيدة المسلم، ويُعد من أكبر أنواع الشرك بالله عز وجل، لعدة أسباب جوهرية:

  1. الاعتقاد بقوة غير الله: الاعتقاد بأن الأرقام أو الكلمات المُكررة بطريقة معينة لها قوة ذاتية على جلب النفع أو دفع الضر، هو شرك في الربوبية. فالمؤمن الحقيقي يعلم أن الله وحده هو المتصرف في الكون.
  2. الاستعانة بالشياطين: عندما يكرر الشخص أورادًا أو أعدادًا معينة لم ترد في الشرع، أو يستخدم أسماء الله الحسنى بأسلوب يخالف التعبد الشرعي، فإنه في حقيقة الأمر يستجلب خدمة الشياطين التي تُظهر له بعض الخوارق أو “الخدمات” لتوهم الناس بأنها من الملائكة أو “عوالم أخرى”.
  3. تبديل المصطلحات الشرعية: يُغير مروجو السحر الروحاني المصطلحات الشرعية المتعلقة بالرقية والأذكار إلى مصطلحات سحرية مثل “الطاقة الكونية”، “الترددات”، “التنظيف الطاقي”، “قانون الجذب”.
  4. الابتداع في الدين: أي تكرار لأذكار أو آيات بأعداد معينة لم يرد بها نص شرعي صحيح، والاعتقاد بأن لهذا التكرار ميزة خاصة أو يجلب منفعة، هو بدعة في الدين.

“قد يهمك: كشف الحقائق وراء الأسماء والأحكام


السحر الروحاني في العصر الحديث: تغليف وإغواء

لقد انتشر السحر الروحاني بأساليب تسويقية معاصرة عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يُقدم “دعاة” هذا السحر أنفسهم كـ “خبراء” في “التشافي الذاتي”، “الوعي الكوني”، “طاقة الأحجار الكريمة”، “توأم الشعلة”، وغيرها من المصطلحات المستوردة من فلسفات وثنية غربية وهندوسية. يستغلون حاجة الناس ورغبتهم في الثراء، الزواج، الشفاء من الأمراض، ويتاجرون بآلامهم وآمالهم.

قد يعرضون “استشارات” مدفوعة، أو “منتجات” مثل المسك الأسود أو الأحجار الكريمة، زاعمين أن لها قدرات خارقة. الأسوأ من ذلك أنهم قد يبدأون حديثهم بآيات قرآنية أو بسملة ليُلبسوا على الناس، ثم ينقلونهم تدريجيًا إلى مرويج الطلاسم والأكواد القبالية، والتحكم في الآخرين، واستخدام “الأحجبة” لأغراض يُسمونها “مشروعة” بينما هي في جوهرها سحر وكفر. هذا التلاعب بالمصطلحات واصطياد الناس من نقطة ضعفهم النفسية والمعيشية يُعد من أخطر أساليب الشياطين في الإضلال.

“قد يهمك: سر الخليقة


سبل التحصين والتصدي للسحر الروحاني

يجب على كل مسلم أن يتحصن ضد هذه الأفكار الخطيرة، ويكون واعيًا لمثل هذه الممارسات. يمكن تحقيق ذلك من خلال:

  1. تصحيح العقيدة والتوحيد: العلم هو السلاح الأول.
  2. الالتزام بالأذكار الشرعية والورد القرآني: المحافظة على الأذكار الصحيحة بنية التقرب إلى الله.
  3. الدعاء والتضرع إلى الله: اللجوء إلى الله وحده بالدعاء في السراء والضراء.
  4. نشر الوعي والتنبيه: واجب على كل مسلم أن يُبين الحق للناس ويحذر من هذه الممارسات.
  5. التمييز بين الرقى الشرعية والسحر: الرقية تعتمد على نصوص شرعية معروفة، بخلاف السحر الذي يرتبط بالطلاسم والأعداد.

“قد يهمك: مخاطر الضلال بالقرآن

“اطلع على: فهم سورة التحريم


السحر الروحاني: الخاتمة

إن ظاهرة السحر الروحاني هي غزو عقدي هندوسي-قبالي-سحري يُقدم في ثوب إسلامي، مستغلًا اسم الله وآياته لخداع المسلمين وإفساد عقائدهم. إنه يلعب على أوتار الضعف البشري والحاجة الملحة، ليوجه الناس بعيدًا عن منهج الله القويم إلى هاوية الشرك والضلال. لذا، فإن فهم هذه الظاهرة ومواجهتها بالوعي والعلم الشرعي هو أمر بالغ الأهمية في عصرنا الحالي. علينا أن نتمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا، وأن نُصلح عقيدتنا ونُجعل توحيد الله خالصًا، وأن نحذر كل دعوة أو ممارسة تخرج عن الإطار الشرعي الصحيح، مهما بدت جذابة أو ادعت تحقيق المعجزات.

فالنجاة في الدنيا والآخرة تكمن في التوحيد الخالص لله والتسليم لأمره، لا في التبعية لخرافات السحرة وادعاءاتهم الباطلة. نسأل الله أن يحفظنا وجميع المسلمين من كل سوء وضلال، وأن يهدينا سبل الرشاد.

Leave A Reply

Your email address will not be published.