تُعد الصلاة الركن الأعظم بعد الشهادتين، وهي الفاصل الحقيقي بين الإيمان والكفر كما ورد في أحاديث النبي ﷺ. ومع ذلك، فإن حكم تارك الصلاة ظل من أكثر المسائل الفقهية والاعتقادية جدلًا بين العلماء قديمًا وحديثًا. هل يُعتبر تاركها كافرًا كفرًا مخرجًا من الملة؟ أم أن تركها من الكبائر دون أن يخرج من الإسلام؟ في هذا المقال التحليلي، نستعرض بإيجازٍ منهجي الأدلة الشرعية والآثار عن الصحابة وأقوال أهل العلم في هذه القضية، مع بيان علاقة هذا الحكم بمذهب الإرجاء والإيمان العملي.
قائمة المحتويات
أهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام
الصلاة ليست مجرد عبادة، بل هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي الصلة المباشرة بين العبد وربه. جاء في الحديث الصحيح:
“بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة.”
فهذا النص النبوي يؤكد أن ترك الصلاة ليس أمرًا هيّنًا، بل هو علامة فارقة في الإيمان.
يقول الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه: قال رسول الله ﷺ:
“بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك.”
وهذا الحديث يعد من النصوص الصريحة التي استند إليها العلماء في تقرير حكم تارك الصلاة.
أقوال الصحابة والتابعين في حكم تارك الصلاة

1. إجماع الصحابة على خطورة ترك الصلاة
ثبت عن عدد من الصحابة أنهم كانوا يرون ترك الصلاة كفرًا مخرجًا من الملة، ومنهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن شقيق، وأبو الدرداء رضي الله عنهم. فقد رُوي عن علي رضي الله عنه قوله: “لا إيمان لمن لا صلاة له.” كما نقل عبد الله بن شقيق العقيلي أن الصحابة لم يكونوا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
2. اختلاف الفقهاء بعد الصحابة
رغم قوة هذا الاتجاه، إلا أن بعض التابعين ومن بعدهم خالفوا هذا القول، ومنهم الزهري والشافعي، حيث رأوا أن ترك الصلاة لا يوجب الكفر المخرج من الملة، وإنما هو ذنب عظيم وكبيرة كبرى تستوجب التوبة والعقوبة، لكنها لا تخرج صاحبها من الإسلام.
“قد يهمك: الأخطاء الشائعة في الصلاة“
التمييز بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي

اختلف العلماء في تفسير قول النبي ﷺ: “فقد كفر”، فذهب فريق إلى أن الكفر هنا كفر عملي لا يخرج من الملة، بينما رأى آخرون أنه كفر اعتقادي مخرج من الإسلام. هذا التمييز جوهري في علم العقيدة، لأن الكفر العملي يعني ارتكاب فعل يُشبه أفعال الكفار دون أن يقترن بجحود القلب، بينما الكفر الاعتقادي يقوم على إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
وبناءً على ذلك، فإن من ترك الصلاة تكاسلًا مع إقرار القلب بوجوبها لا يُكفّر عند بعض العلماء، أما من تركها جحودًا وإنكارًا لفرضيتها، فإجماع الأمة على كفره وخروجه من الإسلام.
علاقة المسألة بمذهب الإرجاء
الإرجاء مذهب عقدي ظهر في القرن الأول الهجري، وأصله تأخير العمل عن مسمى الإيمان، أي القول بأن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط دون اشتراط العمل.
مسألة تارك الصلاة تُعد من أبرز المسائل التي ترد على المرجئة، لأن الإيمان العملي يظهر في أداء الصلاة، وتركها يدل على ضعف الإيمان أو زواله. فإذا قلنا إن ترك الصلاة كفر عملي، فإن أداءها يكون إيمانًا عمليًا، وهذا ينقض قول المرجئة الذين يفصلون بين الإيمان والعمل. وقد أجمع السلف على أن العمل جزء من الإيمان، وأن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
“اطلع على: فضل الصلاة على النبي“
الخلاف بين العلماء في تكفير تارك الصلاة
1. من كفّر تارك الصلاة مطلقًا
منهم الإمام أحمد في أحد قوليه، وإسحاق بن راهويه، وبعض السلف الذين استدلوا بالنصوص الصريحة وبفعل الصحابة، حيث قاتلوا مانعي الزكاة واعتبروهم مرتدين. قال ابن عباس رضي الله عنه: “من ترك أربع صلواتٍ متواليات فقد ولى الإسلام ظهره.”
2. من لم يُكفّر تارك الصلاة إلا بالجحود
منهم الشافعي، والزهري، وطائفة من الفقهاء الذين فرّقوا بين الترك والتكاسل، فقالوا: من تركها تساهلًا لا يكفر، بل يُستتاب ويُعزر حتى يصلي، أما من جحد وجوبها فيكفر بالإجماع.
3. رأي وسط عند بعض الحنابلة
ذهب بعض الحنابلة إلى أن من ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها مع إصرار القلب على عدم قضائها، فإنه يكفر ويخرج من الملة. أما من قضاها بعد فوات الوقت فلا يُكفّر، لأن النبي ﷺ قال: “من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.” وهذا يدل على أن قضاء الصلاة بعد وقتها لا يعني الكفر، ما دام المسلم مقراً بوجوبها.
الفرق بين الترك التام والتأخير عن الوقت
من الخطأ المنتشر بين بعض الناس الخلط بين ترك الصلاة بالكلية وتأخيرها عن وقتها. فقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
“الذين ضيعوا الصلوات تبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا” ثم فسر ذلك بقوله: “يؤخرونها عن وقتها، ولو تركوها لكانوا كفارًا.”
إذن من يؤخر الصلاة عن وقتها عاصٍ، أما من يتركها فهو كافر عند طائفة من العلماء، وهذا التفريق دقيق ومهم في الفهم الفقهي.
نقد بعض الفتاوى المعاصرة في المسألة
ظهرت في بعض العصور فتاوى متشددة تقول: إن من يؤخر صلاته عمدًا حتى يخرج وقتها كافر، حتى وإن صلى بعد ذلك. وهذه الفتاوى مخالفة للإجماع ولأقوال كبار الأئمة، إذ لم يقل أحد من العلماء أن مجرد تأخير الصلاة يكفر صاحبها إذا كان مقرًا بوجوبها وقضاها بعد الوقت. بل إن النبي ﷺ أمر بالصلاة مع الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، فقال: “صلوا معهم واجعلوا صلاتكم معهم نافلة.” وهذا الحديث نص صريح على أن التأخير لا يعني الكفر، وإلا لما أمر النبي ﷺ المسلمين بالصلاة خلفهم.
المنهج الصحيح في التعامل مع الخلاف
من المهم أن يدرك المسلم أن الخلاف في هذه المسألة ليس خلافًا في أصل الدين، بل هو خلاف اجتهادي بين أهل السنة، ولا يجوز اتهام من خالفنا في القول بالبدعة أو الإرجاء، ما دام قوله مستندًا إلى أدلة معتبرة أو إلى شبهة علمية عند السلف. قال الإمام أحمد رحمه الله فيمن لا يستثني في الإيمان: “أرجو ألا يكون مرجئًا.” وهذا يدل على أن النية والعلم لهما أثر في الحكم على الأشخاص، فليس كل من خالف في الفهم يُعد من المرجئة.
حكم تارك الصلاة في الإسلام بين الكفر والإرجاء: الخاتمة
يتبين مما سبق أن حكم تارك الصلاة مسألة عظيمة تتعلق بأصل الإيمان، وقد تنوعت فيها أقوال العلماء بين التكفير المطلق وعدمه. والراجح أن من ترك الصلاة جحودًا لفرضيتها فقد كفر كفرًا مخرجًا من الملة، أما من تركها تكاسلًا مع إقراره بوجوبها فهو على خطر عظيم وإثم كبير، لكنه لا يُكفّر على القول الراجح عند جمهور الفقهاء. لذلك يجب على المسلم أن يحافظ على صلاته في وقتها، فهي الميزان الحقيقي للإيمان، ومن ضيعها فقد ضيّع دينه.
“قد يهمك: زواج النبي من زينب بنت جحش“
أسئلة شائعة حول حكم تارك الصلاة
1. هل تارك الصلاة كافر؟
يُكفَّر تارك الصلاة جحودًا لفرضيتها، أما من تركها تكاسلًا مع إقراره بوجوبها فليس كافرًا، لكنه فاسق مرتكب لكبيرة عظيمة.
2. هل يجوز الصلاة خلف من لا يصلي دائمًا؟
لا، لا تجوز الصلاة خلف من ترك الصلاة تركًا مطلقًا، لأن أكثر العلماء يرونه كافرًا.
3. هل من ترك صلاة واحدة يكفر؟
اختلف العلماء، فبعضهم قال يكفر إذا تركها عمدًا حتى يخرج وقتها دون نية للقضاء، وبعضهم قال لا يكفر إلا بتركها جميعًا.
4. ما حكم من يؤخر الصلاة عن وقتها؟
من يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر آثم، لكنه لا يكفر ما دام مقراً بوجوبها ويقضيها بعد الوقت.
5. هل يجوز تكفير من لم يكفر تارك الصلاة؟
لا يجوز ذلك، لأن المسألة من مسائل الخلاف الفقهي والعقدي بين أهل السنة، ولا يُكفَّر المخالف فيها ما دام قوله مبنيًا على اجتهاد معتبر.
يعد كمال علي كاتبًا متخصصًا في الشؤون الإسلامية، حيث يقدم محتوى مميزًا يجمع بين الأسلوب السهل والطرح العميق. يكتب عن العقيدة، الفقه، السيرة النبوية، والتربية الإسلامية، مع الحرص على تبسيط المفاهيم الدينية لتكون في متناول الجميع.
يحرص كمال على أن تكون مقالاته مصدرًا للوعي الديني الصحيح، بعيدًا عن التعقيد أو الغموض، مع التركيز على إبراز سماحة الإسلام ووسطيته. كما يربط بين التعاليم الإسلامية والحياة اليومية ليجعل القارئ أكثر قدرة على تطبيق القيم الدينية في واقعه المعاصر.
إلى جانب ذلك، يولي اهتمامًا بمواضيع الشباب والأسرة والتحديات التي يواجهها المسلم المعاصر، مما يجعل كتاباته شاملة ومؤثرة.

