في قلب المملكة العربية السعودية، وعلى سفوح جبال السروات الشاهقة، تشهد منطقة عسير تحولاً غير مسبوق، يُعيد تعريف مفهوم التنمية الشاملة. ما بدأ كمحادثة واتساب عابرة بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وأمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال، وعبارة بسيطة لكنها عميقة “مطار يليق بأبها”، سرعان ما تحول إلى شرارة نهضة عسير، محولاً المنطقة المعروفة بجمال طبيعتها الخلاب إلى ورشة عمل ضخمة لا تهدأ، وإلى قبلة للمشاريع التنموية الكبرى التي تعد بنقلة نوعية ليس فقط للمنطقة، بل للمملكة بأسرها.
قائمة المحتويات
هذه القصة ليست مجرد سرد لمشاريع، بل هي تجسيد لرؤية طموحة، وإرادة قوية لتحويل الأحلام إلى واقع ملموس، يرسم لعسير مستقبلاً مشرقاً كوجهة عالمية للسياحة والاستثمار، ومحركاً للتنمية الاقتصادية والبشرية.
مطار أبها الجديد: شرارة النهضة والرؤية الملكية
لم يكن مشروع مطار أبها الجديد مجرد إضافة بنية تحتية، بل كان نقطة الانطلاق الرمزية لـ نهضة عسير الحديثة. القصة بدأت برسالة واتساب عرض فيها أمير عسير تصميماً مقترحاً للمطار. جاء الرد مقتضباً من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكنه كان يحمل في طياته رؤية ملكية عميقة: “مطار يليق بأبها”. هذه الجملة، التي تعكس الطموح الكبير والحرص على التميز، لم تكن مجرد موافقة، بل كانت بمثابة إعلان غير رسمي عن عهد جديد للمنطقة.
اللافت للنظر أن ولي العهد استخدم شعار المملكة كصورته الشخصية على واتساب، وهو ما ألهم الآلاف من السعوديين لتبني نفس الصورة، في تعبير شعبي عفوي عن الوحدة والانتماء والرغبة في المشاركة في هذا الحراك التنموي.
التصميم، الذي وافق عليه ولي العهد، ليس مجرد مبنى وظيفي، بل هو تحفة معمارية وبوابة حضارية تعكس روح عسير وتراثها العريق، مستوحاة من قرية رجال ألمع التاريخية. وقد وصفه الأمير محمد بن سلمان بأنه “مشروع عظيم ويليق بالمنطقة”.
هذا المطار الطموح، الذي صممه المعماري العالمي الشهير نورمان فوستر، يهدف إلى إحداث قفزة هائلة في الطاقة الاستيعابية للمسافرين، من مليون ونصف المليون مسافر حالياً إلى 13 مليون مسافر سنوياً بحلول عام 2030، مع توقع وصوله إلى 10 ملايين مسافر بحلول نهاية عام 2027.
صالة المطار التي تزيد مساحتها عن 65 ألف متر مربع ستضم 20 بوابة و41 منصة لإنهاء إجراءات المسافرين، بالإضافة إلى سبع منصات مخصصة للخدمات الذاتية، مما يجعله قادراً على تسهيل 90 ألف رحلة سنوياً. هذا التوسع الهائل سيضع أبها بقوة على خريطة المطارات الدولية، فاتحاً الأبواب أمام السياحة والاستثمار العالمي، ومسهماً بشكل مباشر في تحقيق أهداف نهضة عسير ضمن رؤية المملكة 2030.

البنية التحتية: شرايين التنمية ومحفز النمو
لا تقتصر نهضة عسير على مطارها الجديد فحسب، بل تمتد لتشمل منظومة متكاملة من مشاريع البنية التحتية الحيوية، التي تعد شرايين الحياة لأي تنمية مستدامة. هذه المشاريع أساسية لجذب الاستثمارات، تسهيل حركة الأفراد والبضائع، وتحسين جودة الحياة للسكان.
في يناير 2025، تم تدشين ثمانية مشاريع طرق جديدة بطول 145 كيلومتراً، بتكلفة بلغت 752 مليون ريال سعودي. هذه الطرق الحديثة تسهم في ربط المدن والمحافظات، وتسهيل الوصول إلى المواقع السياحية والصناعية، مما يعزز من جاذبية المنطقة للاستثمار والسياحة.
كما شهدت المنطقة إطلاق المرحلة الأولى من مشروع مسح وتقييم شبكة الطرق الحضرية في مايو 2025، مما يدل على نهج شامل وتخطيط دقيق لضمان كفاءة وسلامة شبكة الطرق في عسير.
بالإضافة إلى الطرق، تلعب مشاريع الاتصالات وتقنية المعلومات دوراً محورياً في رسم ملامح نهضة عسير الرقمية. تهدف هذه المشاريع إلى زيادة سرعة الإنترنت في المنطقة بشكل كبير، من 2345 ميجابايت في الثانية حالياً إلى 141 ميجابايت في الثانية في المستقبل القريب، وزيادة تغطية المنازل بشبكة الألياف الضوئية إلى 122 ألف مسكن بحلول عام 2023.
وقد استقطب قطاع الاتصالات والتقنية في المنطقة استثمارات تجاوزت 2.5 مليار ريال خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يؤكد جاذبيتها كبيئة خصبة للاستثمار في هذا المجال الحيوي. هذه التطورات في البنية التحتية الرقمية ضرورية لدعم النمو الاقتصادي، وتمكين الابتكار، وربط عسير بالعالم الرقمي.
“قد يهمك: لعبة التوازن في الخليج العربي“
المدن الجامعية والصناعية: بناء المستقبل ورسم معالم الاقتصاد الجديد
تعتبر الأبعاد التعليمية والاقتصادية ركيزتين أساسيتين في أي نهضة عسير مستدامة، وهو ما يتجسد في مشروعي المدينة الجامعية لجامعة الملك خالد والمدينة الصناعية الثانية. المدينة الجامعية لجامعة الملك خالد تمثل صرحاً تعليمياً ضخماً يهدف إلى إعداد الأجيال القادمة وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لسوق العمل. تم تنفيذ هذا المشروع العملاق من خلال 31 مشروعاً فرعياً بتكلفة إجمالية تقارب 10 مليارات ريال سعودي. في أبريل 2023، تم الإعلان عن انتهاء المشروعات وجاهزيتها للتدشين وانتقال الطلاب إليها.
تقع المدينة الجامعية على بعد 30 كيلومتراً جنوب غرب مدينة أبها، على هضبة ترتفع 2200 متر عن سطح البحر، مما يوفر بيئة تعليمية فريدة ومحفزة. تضم المدينة مرافق متكاملة، بما في ذلك مستشفى جامعي بسعة 800 سرير، مما يعزز من قدرتها على تقديم خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة، وتخريج كوادر وطنية مؤهلة تسهم في تحقيق أهداف نهضة عسير ورؤية المملكة 2030.
لتعزيز التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل، أطلقت عسير مشروع المدينة الصناعية الثانية. يهدف هذا المشروع الاستراتيجي إلى تلبية الطلب المتزايد على الاستثمار الصناعي في المنطقة وتعزيز خطط تمكين الصناعة المحلية. تقع المدينة الصناعية الثانية في مركز الخفاير، على بعد 90 كيلومتراً شمال غرب محافظة خميس مشيط، وتبلغ مساحتها الإجمالية 17.3 مليون متر مربع.
تم إطلاق المشروع في ديسمبر 2023، ويجري حالياً تطوير المرحلة الأولى على مساحة مليوني متر مربع. سيتم ربط الموقع الجديد بشبكة طرق متعددة، مما يسهم في زيادة حجم المجالات الجديدة وتسهيل سلاسل الإمداد، ويعزز من جاذبية المدينة الصناعية للمستثمرين المحليين والدوليين، مما يجعلها محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في إطار نهضة عسير الشاملة.
وجهات سياحية عالمية: قمم السودة وإردارا
تحتضن عسير مقومات سياحية طبيعية وتاريخية فريدة، وهو ما يتم استثماره ضمن رؤية نهضة عسير لتحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية على مدار العام. مشروعا “قمم السودة” و”إردارا” يمثلان محوراً رئيسياً في هذا التوجه.
مشروع قمم السودة يرتفع في أعلى قمة في المملكة العربية السعودية، على ارتفاع يتجاوز 3000 متر عن سطح البحر، ويمتد على مساحة 627 كيلومتراً مربعاً تشمل السودة وأجزاء من رجال ألمع. يتميز المشروع بتنوعه البيئي والطبيعي الخلاب، وسيعتمد المخطط العام في تصميمه على الهوية العمرانية المحلية التي ستنعكس على 2700 غرفة فندقية و136 وحدة سكنية و8000 متر مربع من المساحات التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، يضم المشروع أكثر من 200 موقع تراثي موثق، مما يعزز من قيمته الثقافية والتاريخية. قمم السودة لا تقدم تجربة سياحية فاخرة فحسب، بل تسعى أيضاً إلى الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي للمنطقة، وتوفير فرص عمل جديدة، وتنشيط الاقتصاد المحلي.
أما مشروع إردارا، مشروع الوادي، فهو مركز حضري ووجهة سياحية جاذبة للزوار محلياً وعالمياً. تبلغ مساحة المشروع 2.5 مليون متر مربع، ويتميز بطابع هندسي وعمراني مستوحى من تراث منطقة عسير وتاريخها العريق، مع مراعاة معايير الاستدامة في كل تفاصيله.
تمثل واجهة “الوادي” أولى مشاريع إردارا، وهي غنية بالواجهات المائية الخلابة وتوفر العديد من خيارات السكن الراقية والمرافق الترفيهية المتنوعة. يهدف المشروع إلى الجمع بين الجمال الطبيعي لعسير والرفاهية العصرية، مما يوفر تجربة فريدة للزوار والمقيمين على حد سواء. هذان المشروعان، إلى جانب غيرهما، يعززان مكانة عسير كوجهة سياحية رائدة، ويسهمان في تحقيق التنوع الاقتصادي المنشود في نهضة عسير (Asir).
الخاتمة: عسير قصة تحول ملهمة
من قمم جبالها الشاهقة إلى عمق وديانها الخضراء، ومن أصالة تاريخها العريق إلى حداثة مشاريعها العملاقة، تروي عسير اليوم قصة تحول ملهمة. هذه القصة ليست مجرد سرد لمشاريع بناء وتطوير، بل هي تجسيد حقيقي لطموح وطن ورؤية قيادة تسعى إلى استثمار كل مقومات البلاد البشرية والطبيعية والاقتصادية.
لقد تحولت عسير من منطقة ذات إمكانات كامنة إلى مركز جذب عالمي، بفضل خطط تنموية متكاملة تلامس كل جانب من جوانب الحياة: من البنية التحتية المتطورة والمطارات الدولية، مروراً بالصروح التعليمية والمدن الصناعية، وصولاً إلى الوجهات السياحية الفاخرة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
إن نهضة عسير ليست مجرد محطة في مسيرة التنمية، بل هي نموذج يحتذى به في التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الدقيق، مدفوعة بإيمان راسخ بأن المستقبل يصنع بالإرادة والعمل الدؤوب. ما بدأ برسالة قصيرة على هاتف ذكي، تجلى اليوم في مشاريع عملاقة تعيد تشكيل وجه المنطقة، وتضعها في مصاف الوجهات العالمية، مؤكدة أن المملكة العربية السعودية ماضية بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها الطموحة 2030، وجاعلة من كل شبر من أرضها قصة نجاح تروى للأجيال.
الاسم/ علي أحمد، كاتب متخصص في المقالات الإخبارية والترندات الحالية التي تشغل اهتمام الكثير من الأشخاص في الدول العربية، كما نقوم بنشر مقالات عامة متنوعة تُزيد من ثقافة القارئ العربي. لدينا خبرة طويلة في مجال المقالات الإخبارية والترندات والمقالات العامة المتنوعة، ونعتمد على المصادر الموثوق فيها لكتابة محتوى هذه المقالات. هدفنا هو إيصال المعلومات الصحيحة للقارئ بشكل واضح ومباشر.
يتميز علي أحمد بكتاباته التي تغطي مجموعة واسعة من المقالات العامة والأخبار العاجلة والموضوعات الرائجة. يجمع في طرحه بين السرعة في مواكبة الأحداث والدقة في نقل المعلومات، ليقدم للقارئ صورة واضحة وشاملة.
يركز على تحليل الأحداث بموضوعية وحياد، مع تقديم خلفيات مختصرة تساعد القارئ على فهم الخبر في سياقه. كما يعرض مقالات متنوعة حول الترندات الاجتماعية والتكنولوجية والثقافية، مما يجعل محتواه مناسبًا لجمهور واسع. كتاباته تعكس حرصًا على أن يكون الموقع دائمًا في قلب الحدث، مع محتوى جذاب يواكب اهتمامات القراء ويثير النقاش حول أبرز القضايا المعاصرة.

