في تطور يعكس عمق التوتر المستمر بين واشنطن وحركة طالبان، أطلقت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي طالب فيها باستعادة الولايات المتحدة لقاعدة باغرام الجوية الاستراتيجية في أفغانستان، موجة واسعة من ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة.
قائمة المحتويات
هذه المطالب، التي وصفها مسؤولون في طالبان بأنها “مستحيلة”، أعادت إلى الواجهة ملف السيادة الأفغانية والالتزامات الدولية المنصوص عليها في اتفاق الدوحة للسلام. ففي الوقت الذي تسعى فيه طالبان لبناء علاقات إيجابية مع المجتمع الدولي، ترى في هذه المطالبات تدخلاً صارخاً في شؤونها الداخلية وتهديداً لسيادتها، مؤكدة أن الكلمة الفصل في هذا الشأن تعود إلى زعيمها الذي لن يقبل بمثل هذه الإملاءات.
يسعى هذا المقال إلى تحليل أبعاد هذا التصعيد، مستكشفاً ردود الفعل الداخلية والخارجية، ومسلطاً الضوء على التحديات التي تواجه مستقبل العلاقات الأفغانية الأمريكية، خاصة في ظل التعهدات المتبادلة بموجب اتفاق الدوحة.
مطالبة ترامب بقاعدة باغرام: شرارة الأزمة
لم يكن مفاجئاً أن تثير تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن قاعدة باغرام ردود فعل حادة، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه القاعدة وتاريخها الطويل في الصراع الأفغاني. في تصريحات مثيرة للجدل، هدد ترامب بأن “أموراً سيئة ستحصل” إذا لم تسلم أفغانستان قاعدة باغرام للولايات المتحدة، وهو ما اعتبرته الأوساط الأفغانية والغالبية العظمى من المحللين تهديداً مباشراً لسيادة البلاد.
قاعدة باغرام ورمزيتها التاريخية
- تقع شمال العاصمة كابول.
- مثّلت على مدار عقدين من الزمان رمزاً للوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان.
- كانت مركزاً لعمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب.
تأتي هذه المطالب في سياق لم يعد فيه للولايات المتحدة أي وجود عسكري رسمي في أفغانستان بعد انسحابها الكامل في أغسطس 2021، وهو الانسحاب الذي كان تتويجاً لاتفاق الدوحة الموقع مع طالبان. إن مطالبة ترامب بإعادة استخدام هذه القاعدة، أياً كانت الدوافع وراءها، تتجاهل الواقع السياسي الجديد في أفغانستان، حيث أصبحت طالبان هي السلطة الحاكمة. كما أنها تتنافى مع مبادئ السيادة الوطنية التي تعتبر أساساً لأي علاقات دولية محترمة.
هذا التصريح لم يضع فقط حركة طالبان في موقف دفاعي، بل أثار أيضاً تساؤلات حول مدى فهم الإدارة الأمريكية السابقة (أو أي إدارة محتملة مستقبلاً) للالتزامات والاتفاقيات المبرمة، ومدى احترامها لقرارات الدول المستقلة. إن التلويح بـ “أمور سيئة” في حال عدم الاستجابة للطلب، يذكر بسياسات الضغط التي غالباً ما تزيد الأوضاع تعقيداً بدلاً من حلها، ويفتح الباب أمام مزيد من الشكوك حول النوايا الأمريكية في المنطقة.
رد طالبان الحاسم: سيادة أفغانستان خط أحمر

لم تتأخر حركة طالبان في الرد على تصريحات ترامب، حيث جاء ردها قوياً وواضحاً، مؤكدة على رفضها المطلق لأي مساس بسيادة أفغانستان. مسؤول بارز في طالبان صرح لقناة العربية بأن حصول ترامب على قاعدة باغرام “أشبه بالمستحيل”، مشدداً على أن “الكلمة الفصل تعود إلى زعيم طالبان الذي لن يقبل مطالب ترامب”. هذا التصريح يعكس الإجماع داخل قيادة الحركة على عدم التفريط في الأراضي الأفغانية، خاصة بعد عقود من الصراع لتحقيق الاستقلال الكامل.
الرسائل المحورية في بيان طالبان
بيان طالبان الرسمي، الصادر بالتعاون مع الحكومة الأفغانية الحالية، جاء رداً مباشراً على تصريحات ترامب، وحمل عدة رسائل محورية:
- السعي لعلاقات إيجابية: أكد البيان أن أفغانستان تسعى إلى إقامة علاقات إيجابية وبناءة مع جميع الدول على أساس المصالح المتبادلة والمشتركة، وهو ما يتنافى مع أي مطالبات أحادية الجانب أو تهديدات.
- التذكير باتفاق الدوحة: جاء في البيان تذكير بأن الولايات المتحدة تعهدت في اتفاق الدوحة بعدم استخدام القوة أو التهديد ضد سيادة أفغانستان واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
- الاستقلال وسلامة الأراضي: شدد البيان على أن استقلال أفغانستان وسلامة أراضيها لهما أهمية قصوى، وأنه تم إبلاغ أمريكا بذلك باستمرار وفي جميع المفاوضات بين الطرفين.
- دعوة لسياسة واقعية: دعا البيان إلى اتباع سياسة واقعية وعقلانية بدلاً من تكرار “النهج الأمريكي الفاشل في الماضي”.
هذه الردود ليست مجرد تصريحات سياسية عابرة، بل هي تأكيد على مبدأ السيادة الوطنية الذي تسعى طالبان لإرسائه بعد الانسحاب الأجنبي.
“قد يهمك: قدرات الجيش البولندي“
اتفاق الدوحة: صمام أمان أم مصدر للجدل؟
يعتبر اتفاق الدوحة، الذي وقع بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير 2020، نقطة تحول محورية في مسار العلاقات الأمريكية الأفغانية. نص الاتفاق على انسحاب كامل للقوات الأمريكية من أفغانستان مقابل تعهد طالبان بمنع استخدام الأراضي الأفغانية كمنطلق لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى التزام طالبان بالانخراط في مفاوضات سلام داخلية مع الحكومة الأفغانية آنذاك.
اتفاق الدوحة في قلب الجدل حول باغرام
في سياق الجدل حول قاعدة باغرام، يعود اتفاق الدوحة ليتصدر المشهد بوصفه الإطار القانوني الذي يحكم العلاقات بين الطرفين. رد طالبان الرسمي ركز بشكل كبير على التذكير بالتزامات الولايات المتحدة بموجب هذا الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بـ:
- عدم استخدام القوة أو التهديد ضد سيادة أفغانستان واستقلالها السياسي.
- عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
هذه البنود تعد حجر الزاوية في الاتفاقية وتؤكد على الاحترام المتبادل للسيادة. مطالبة ترامب بإعادة السيطرة على قاعدة باغرام يمكن تفسيرها على أنها:
- انتهاك صريح لهذه البنود.
- استخدام للتهديد (“ستحصل أمور سيئة”).
- تدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.
من وجهة نظر طالبان، فإن الالتزام باتفاق الدوحة لا يقتصر على انسحاب القوات الأمريكية، بل يشمل أيضاً احترام الوضع الراهن وعدم محاولة فرض إملاءات من شأنها تقويض السيادة الأفغانية. على الرغم من أن الاتفاق لم يذكر قاعدة باغرام بشكل خاص، إلا أن روحه وجوهره يدعمان بقوة الموقف الأفغاني الرافض لأي وجود عسكري أجنبي غير مرغوب فيه. يبقى اتفاق الدوحة إطاراً مهماً لتوجيه العلاقات المستقبلية، ولكن تفسير بنوده والالتزام بها يظل عرضة للتباين، خاصة مع تغيير الإدارات وظهور تصريحات قد تتجاهل هذه الالتزامات.
“اطلع على: الصراع الهندي الباكستاني“
الغضب الأفغاني: ردود فعل داخلية قوية
لم يقتصر الرفض على قيادة طالبان فحسب، بل امتد ليشمل ردود فعل غاضبة وقوية من مسؤولين آخرين داخل الحكومة الأفغانية والمجتمع الأفغاني بشكل عام. مراسل العربية عبد الله نادر من كابل أكد أن هناك تصريحات مختلفة تحمل ردود أفعال قوية اليوم على تصريحات الرئيس ترامب الجديدة، مشيراً إلى أن هذه التصريحات تعبر عن “غضب” الشارع الأفغاني والنخبة السياسية.
أبرز الردود الداخلية
- المفتي عبد المتين قاري: متحدث باسم وزارة الداخلية، صرح بأن “استعادة قاعدة باغرام بعيدة عن الواقع ولن نسلمها لأحد”.
- فصيح الدين فطرة: رئيس أركان القوات المسلحة الأفغانية، أعلن بوضوح أن “كابل ليست مستعدة أبداً لعقد صفقة حول استعادة قاعدة باغرام”.
هذه التصريحات، سواء من مسؤولين سياسيين أو عسكريين، تعكس إجماعاً وطنياً داخل أفغانستان على رفض أي محاولة للتدخل في شؤونها أو فرض وجود عسكري أجنبي على أراضيها. إن تجربة الاحتلال الأجنبي، التي امتدت لعقدين، تركت أثراً عميقاً في الوعي الأفغاني، وجعلت مسألة السيادة والاستقلال بمثابة خط أحمر لا يمكن التهاون فيه.
دول الجوار والقلق الإقليمي: صوت الصين
لم تقتصر تداعيات تصريحات ترامب على الداخل الأفغاني فحسب، بل امتدت لتثير قلق دول الجوار والمنطقة، وخاصة الصين. فقد صرحت وزارة الخارجية الصينية في الماضي بأن هذه التصريحات “تبعد عن الحقيقة وتهدد وتصاعد التوترات في المنطقة”.
أسباب القلق الصيني
- الاستقرار الإقليمي: تسعى الصين للحفاظ على الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى، التي تشكل جزءاً من مبادرة “الحزام والطريق” الطموحة.
- مكافحة الإرهاب: ترى الصين أن الاستقرار في أفغانستان ضروري لمكافحة الجماعات الإرهابية التي قد تهدد أمنها الداخلي، خاصة في منطقة شينجيانغ.
- النفوذ الأمريكي: تنظر الصين بعين الريبة إلى أي محاولة أمريكية لإعادة تثبيت نفوذها العسكري في المنطقة، خاصة في ظل التنافس الجيوسياسي المتزايد بين القوتين العظميين.
موقف الصين واضح وثابت، حيث شددت وزارة خارجيتها على أن “مستقبل أفغانستان يجب أن يحدده شعبها، وأن أي تدخل أجنبي يعارض السلام والاستقلال في المنطقة”. هذا التصريح يتوافق مع المبدأ الأساسي للسياسة الخارجية الصينية التي تدعو إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويبرز تباينها مع النهج الأمريكي الذي غالباً ما يتضمن فرض الإرادة والتدخل في شؤون الدول.
“قد يهمك: القوات الجوية المصرية“
خاتمة: مستقبل السيادة الأفغانية على المحك
تؤكد الأزمة الأخيرة حول قاعدة باغرام، والتي أثارها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أن مسألة السيادة والاستقلال الأفغاني لا تزال في صميم التحديات التي تواجه أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي. الرفض القاطع من جانب طالبان، مدعوماً بتصريحات قوية من مسؤولين أفغان وموقف دولي داعم للسيادة مثل الصين، يرسل رسالة واضحة بأن زمن الإملاءات والتدخلات الأجنبية في أفغانستان قد ولّى.
إن التذكير المستمر باتفاق الدوحة من قبل طالبان ليس مجرد تكتيك سياسي، بل هو تأكيد على أن الأفغان يتوقعون احتراماً للالتزامات الدولية وللجهود المبذولة لإنهاء الصراع. المستقبل الدبلوماسي لأفغانستان سيعتمد بشكل كبير على قدرة المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، على احترام سيادة الدولة والتعامل مع حكومة طالبان كواقع قائم.
فبدلاً من تكرار “النهج الفاشل في الماضي”، كما دعا بيان طالبان، ينبغي اتباع سياسة واقعية وعقلانية تقوم على أساس المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل. إن مصير أفغانستان يجب أن يحدده شعبها، وهو ما يفرض على جميع الأطراف الخارجية الامتناع عن أي تصرفات من شأنها المساس بهذا الحق الأساسي، والتركيز بدلاً من ذلك على دعم الاستقرار والتنمية في البلاد.

الاسم/ علي أحمد، كاتب متخصص في المقالات الإخبارية والترندات الحالية التي تشغل اهتمام الكثير من الأشخاص في الدول العربية، كما نقوم بنشر مقالات عامة متنوعة تُزيد من ثقافة القارئ العربي. لدينا خبرة طويلة في مجال المقالات الإخبارية والترندات والمقالات العامة المتنوعة، ونعتمد على المصادر الموثوق فيها لكتابة محتوى هذه المقالات. هدفنا هو إيصال المعلومات الصحيحة للقارئ بشكل واضح ومباشر.
يتميز علي أحمد بكتاباته التي تغطي مجموعة واسعة من المقالات العامة والأخبار العاجلة والموضوعات الرائجة. يجمع في طرحه بين السرعة في مواكبة الأحداث والدقة في نقل المعلومات، ليقدم للقارئ صورة واضحة وشاملة.
يركز على تحليل الأحداث بموضوعية وحياد، مع تقديم خلفيات مختصرة تساعد القارئ على فهم الخبر في سياقه. كما يعرض مقالات متنوعة حول الترندات الاجتماعية والتكنولوجية والثقافية، مما يجعل محتواه مناسبًا لجمهور واسع. كتاباته تعكس حرصًا على أن يكون الموقع دائمًا في قلب الحدث، مع محتوى جذاب يواكب اهتمامات القراء ويثير النقاش حول أبرز القضايا المعاصرة.