هل يمكن اختراق هاتفك بمجرد رنة؟ دليل شامل لمخاطر المكالمات الدولية وبرامج التجسس

Can your phone be hacked with just a ring? A comprehensive guide to the dangers of international calls and spyware

قصة برنامج التجسس بيغاسوس، وهل يمكن للتجسس أن يبدأ بمجرد رنة؟ تعرف على حقيقة المكالمات الدولية الغريبة، وكيف تحمي هاتفك وبياناتك من التهديدات الرقمية؟

في عالمنا المتصل رقميًا، أصبحت الهواتف الذكية امتدادًا لذواتنا، تحمل أسرارنا، بياناتنا الشخصية، وتفاصيل حياتنا اليومية. ومع هذا الاعتماد المتزايد، تتزايد أيضًا المخاوف بشأن الأمان الرقمي. لعل أحد أكثر الأسئلة إثارة للقلق هو: هل يمكن أن يتعرض هاتفي للاختراق بمجرد تلقي مكالمة؟ هل يكفي أن يرن هاتفك مرة واحدة فقط لتجد نفسك ضحية لبرامج التجسس التي تهدد خصوصيتك؟ هذه التساؤلات تتصدر أذهان الكثيرين، خاصة مع تزايد المكالمات الواردة من أرقام دولية غير معروفة. في هذه المقالة، سنغوص عميقًا في حقيقة هذه المخاطر، ونفصل بين الخرافات والحقائق، مع التركيز على حالات الاختراق الشهيرة وكيفية حماية جهازك من التهديدات المحتملة.


القسم الأول: قصة بيغاسوس: هل يمكن للتجسس أن يبدأ بمجرد رنة؟

في الماضي القريب، انتشرت قصص أثارت الذعر حول إمكانية اختراق الهواتف الذكية دون أي تدخل من المستخدم. واحدة من أبرز هذه القصص تتعلق ببرنامج التجسس “بيغاسوس” (Pegasus) الذي طورته شركة NSO Group الإسرائيلية. تخيل السيناريو التالي: أنت جالس في منزلك، هاتفك يرن مكالمة عبر تطبيق واتساب من رقم دولي غريب. قبل أن تلحق بالرد، تتوقف المكالمة. يبدو الأمر مجرد “مكالمة فائتة” عادية، لكن بعد فترة وجيزة، تبدأ في ملاحظة سلوك غريب لهاتفك، وتشعر بأن معلوماتك الشخصية بدأت تتسرب بطريقة ما. هذا هو بالضبط ما حدث في العديد من الحالات التي استُخدم فيها بيغاسوس.

لقد كشفت التحقيقات التي شاركت فيها شركات أمن سيبراني عالمية عن ثغرة أمنية خطيرة استغلها برنامج بيغاسوس. كانت هذه الثغرة تسمح للبرنامج بالتسلل إلى الهاتف المستهدف بمجرد رنة واتساب، حتى لو لم يرد الضحية على المكالمة. بمعنى آخر، مجرد إرسال “داتا” محملة بالفيروس عبر المكالمة كان كافيًا لتثبيت برنامج التجسس على الجهاز، مانحًا المخترقين سيطرة كاملة على الهاتف، بما في ذلك الوصول إلى الرسائل، المكالمات، الكاميرا، والميكروفون. هذا النوع من الهجوم، المعروف باسم “هجوم بدون نقرة” (zero-click attack)، يعد من أخطر أنواع الهجمات لأنه لا يتطلب أي تفاعل من الضحية، مما يجعله صعب الاكتشاف والوقاية. لقد أثار هذا الكشف موجة واسعة من الجدل والمخاوف حول خصوصية المستخدمين وقدرة الحكومات والمنظمات على التجسس على الأفراد.


القسم الثاني: بيغاسوس: العملاق الخفي للتجسس الرقمي وقيوده

برنامج بيغاسوس ليس مجرد برنامج تجسس عادي، بل هو أداة متطورة جدًا، تم تطويرها لتمكين الحكومات والوكالات الأمنية من مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. ومع ذلك، أظهرت تقارير عديدة إساءة استخدام هذا البرنامج للتجسس على صحفيين، نشطاء حقوق إنسان، ومعارضين سياسيين حول العالم. ما يميز بيغاسوس هو قدرته على التخفي والعمل بصمت في خلفية الجهاز دون أن يترك أثرًا يُذكر، مما يجعل اكتشافه صعبًا للغاية.

لكن الخبر الجيد أن شركات الهواتف المحمولة وتطبيقات المراسلة، وعلى رأسها واتساب وآبل، استجابت بسرعة لهذه التهديدات. لقد أصدرت تحديثات أمنية مكثفة لسد الثغرات التي كان بيغاسوس يستغلها. وفقًا للتصريحات الرسمية، أصبحت الهواتف التي تعمل بأحدث أنظمة التشغيل والتطبيقات محمية من هذا النوع المحدد من الهجمات التي تعتمد على رنة الواتساب. هذا يعني أن سيناريو الاختراق بمجرد رنة واتساب الذي كان ممكنًا في السابق، أصبح الآن نادر الحدوث بفضل التحسينات الأمنية المستمرة.

علاوة على ذلك، يجب أن ندرك أن برنامج بيغاسوس ليس في متناول الأفراد العاديين. إنه برنامج باهظ الثمن للغاية، حيث تبلغ تكلفة ترخيصه مئات الآلاف، بل ربما ملايين الدولارات. هذا يجعله أداة حصرية تستخدمها منظمات ودول للتجسس على شخصيات ذات أهمية عالية مثل رؤساء الدول، الدبلوماسيين، كبار المسؤولين، أو قادة المعارضة، وليس على الأفراد العاديين. هذا يطمئن أغلب الناس بأنهم ليسوا أهدافًا محتملة لهذا النوع المتطور من برامج التجسس، نظرًا للتكلفة الباهظة والهدف الاستراتيجي من استخدامه.

“قد يهمك: أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي الواعدة


القسم الثالث: المكالمات العادية مقابل مكالمات الإنترنت: الفرق الجوهري في الأمان

هل يمكن اختراق هاتفك بمجرد رنة؟
هل يمكن اختراق هاتفك بمجرد رنة؟

الآن، دعنا نعود إلى السؤال الأساسي: هل المكالمات الهاتفية العادية، أي تلك التي تتم عبر شبكة الاتصالات التقليدية (GSM)، تشكل نفس الخطر الذي كانت تشكله مكالمات الواتساب في حالة بيغاسوس؟ حتى هذه اللحظة، لا توجد أي دلائل على أن تلقي مكالمة هاتفية عادية من رقم غير معروف، حتى لو كانت رنة واحدة فقط، يمكن أن يؤدي إلى اختراق هاتفك وتثبيت برنامج تجسس.

الفرق الجوهري يكمن في طبيعة الشبكة التي تمر عبرها المكالمة. المكالمات الهاتفية العادية (التقليدية) تتم عبر شبكات الصوت (Circuit-switched networks) التي لا تنقل “بيانات” بالمعنى الذي يسمح بتحميل ملفات أو برامج. هي مخصصة لنقل الصوت فقط. بينما مكالمات واتساب أو أي تطبيق آخر يعتمد على الإنترنت (VoIP – Voice over Internet Protocol) هي في الأساس “بيانات”. حتى الرنة التي تصلك عبر واتساب هي في حد ذاتها حزمة بيانات يتم استقبالها ومعالجتها بواسطة هاتفك. عندما تكون المكالمة عبارة عن بيانات، فإنه من الممكن تقنيًا تضمين حمولة ضارة (مثل فيروس أو برنامج تجسس) ضمن هذه البيانات، على افتراض وجود ثغرة أمنية في التطبيق أو نظام التشغيل تسمح باستغلال هذه البيانات الضارة.

لذلك، فإن تلقي رنة من رقم دولي غريب عبر شبكة الهاتف العادية لا يشكل خطرًا مباشرًا لاختراق هاتفك. الرنة هي مجرد إشارة تنبيه، ولا تتضمن نقل أي داتا قد تحمل فيروسًا. وهذا يفسر لماذا كانت ثغرة بيغاسوس تركز على واتساب وغيره من تطبيقات الإنترنت، وليس على المكالمات الهاتفية التقليدية.


القسم الرابع: حقيقة المكالمات الدولية الغريبة: نصب لا اختراق

إذا كانت المكالمات الهاتفية العادية لا تحمل خطر الاختراق المباشر، فماذا عن تلك المكالمات الدولية الغريبة التي نتلقاها من أرقام لم نسمع بها من قبل؟ غالبًا ما تكون هذه المكالمات جزءًا من عمليات احتيال ونصب وليست محاولات اختراق تقنية. تندرج هذه المكالمات تحت عدة أنواع شائعة من الاحتيال:

  1. احتيال الرنة الواحدة (Wangiri Scam): تتلقى مكالمة من رقم دولي غريب، ولا تدوم المكالمة إلا رنة واحدة أو رنتين ثم تنقطع. الهدف هو إثارة فضولك ودفعك للاتصال بالرقم. عندما تعاود الاتصال، يكون الرقم عادةً تابعًا لخدمة مدفوعة الأجر (Premium Rate Number) في دولة أخرى، وتتكبد رسومًا باهظة مقابل المكالمة، بينما يحصل المحتالون على جزء من هذه الرسوم.
  2. الاحتيال الهندسي الاجتماعي: قد يتصل بك شخص يدعي أنه من جهة رسمية، أو شركة اتصالات، أو بنك، ويطلب منك معلومات شخصية حساسة (مثل أرقام الحسابات، كلمات المرور، أو رموز التحقق) بحجة تحديث البيانات أو حل مشكلة ما. الهدف هو سرقة هويتك أو معلوماتك المصرفية.
  3. احتيال الجوائز الوهمية: يتم إبلاغك بأنك فزت بجائزة ضخمة أو يانصيب، ويُطلب منك دفع مبلغ مالي كـ “رسوم إدارية” أو “ضرائب” للحصول على الجائزة، والتي بالطبع لا وجود لها.
  4. احتيال الابتزاز: في بعض الحالات، قد يحاول المحتالون تسجيل صوتك أو جمع معلومات عنك أثناء المحادثة لاستخدامها في عمليات ابتزاز لاحقة.

في كل هذه الحالات، لا يوجد اختراق تقني لهاتفك بمجرد الرد أو حتى بالرنة. الخطر يكمن في تفاعلك مع المحتالين وتقديم معلومات شخصية أو مالية لهم.


القسم الخامس: كيف تحمي هاتفك وبياناتك من التهديدات الرقمية؟

مع التطور المستمر في التهديدات السيبرانية، من الضروري اتخاذ تدابير استباقية لحماية هاتفك وبياناتك، حتى لو كانت المخاوف من اختراق الهاتف بالمكالمات مبالغًا فيها في بعض الأحيان:

  1. تحديث نظام التشغيل والتطبيقات بانتظام: هذا هو خط الدفاع الأول. تقوم شركات تصنيع الهواتف وتطوير التطبيقات بإصدار تحديثات أمنية بشكل مستمر لسد الثغرات المكتشفة. تأكد دائمًا من أن هاتفك يعمل بأحدث إصدار من نظام التشغيل وأن جميع تطبيقاتك محدثة.
  2. كن حذرًا من الأرقام الغريبة: تجنب الرد على المكالمات الواردة من أرقام دولية غير معروفة، خاصة تلك التي لا تعرف فيها أحدًا. إذا كانت مكالمة مهمة، فسيحاول المتصل طرقًا أخرى للتواصل معك.
  3. لا تعاود الاتصال بالأرقام المشبوهة: إذا تلقيت رنة واحدة من رقم غريب، فلا تعاود الاتصال به لتجنب الوقوع في فخ “احتيال الرنة الواحدة”.
  4. لا تشارك معلوماتك الشخصية: لا تقدم أبدًا معلومات شخصية أو مالية أو كلمات مرور عبر الهاتف ما لم تكن متأكدًا تمامًا من هوية المتصل وأنك أنت من بدأت المكالمة مع جهة موثوقة.
  5. استخدم كلمات مرور قوية ومصادقة ثنائية: قم بتأمين هاتفك وتطبيقاتك بكلمات مرور قوية أو بصمات الأصابع أو التعرف على الوجه. قم بتمكين المصادقة الثنائية (2FA) لجميع حساباتك الهامة، مثل حسابات البريد الإلكتروني والوسائط الاجتماعية والتطبيقات البنكية.
  6. تجنب النقر على الروابط المشبوهة: إذا تلقيت رسالة نصية أو رسالة عبر واتساب تحتوي على رابط من مصدر غير معروف أو تبدو مشبوهة، فلا تنقر عليها أبدًا. قد تؤدي هذه الروابط إلى صفحات تصيد (Phishing) أو تثبيت برامج ضارة.
  7. راجع أذونات التطبيقات: كن حذرًا عند منح التطبيقات أذونات الوصول إلى الكاميرا، الميكروفون، جهات الاتصال، أو الرسائل. امنح فقط الأذونات الضرورية لعمل التطبيق.
  8. استخدم برامج مكافحة الفيروسات (لبعض أنظمة التشغيل): على الرغم من أن هواتف iOS أقل عرضة للفيروسات بسبب طبيعة نظامها المغلق، إلا أن هواتف أندرويد قد تستفيد من تثبيت برنامج موثوق لمكافحة الفيروسات من متجر التطبيقات الرسمي.

“قد يهمك: مقاطع فيديو مذهلة باستخدام الذكاء الاصطناعي

“قد يهمك: Manos


هل يمكن اختراق هاتفك بمجرد رنة: الخاتمة

في الختام، بينما تظل المخاوف بشأن “اختراق الهاتف بالمكالمات” قائمة، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن الاختراق المباشر عبر رنة هاتفية عادية هو أمر غير وارد حاليًا. الخطر الأكبر يأتي من الثغرات التي يمكن استغلالها في تطبيقات الإنترنت (كما حدث مع بيغاسوس عبر واتساب)، أو من عمليات الاحتيال التي تستهدف خداع المستخدم لتقديم معلوماته بنفسه. تلتزم شركات التكنولوجيا الكبرى بتعزيز أمان أجهزتنا وتطبيقاتنا بشكل مستمر، ومع كل تحديث جديد، تصبح الثغرات القديمة أقل خطورة. يبقى المفتاح الأساسي لحماية هاتفك وبياناتك هو الوعي اليقظ، تحديثات الأمان المستمرة، والالتزام بالممارسات الآمنة عند التعامل مع المكالمات والرسائل والروابط المشبوهة. حافظ على أمانك الرقمي، وكن دائمًا على اطلاع بأحدث التهديدات وطرق الحماية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.