القوات الجوية المصرية المتطورة: لماذا فشلت صفقة J-10C وماذا بعد للمقاتلات الصينية؟

Egyptian Air Force

عيوب المقاتلة الصينية J-10C، ولماذا رفضت مصر شرائها؟ تعرف على استراتيجية الدفاع المصرية المتطورة، وهل ستشتري مصر J-35: المقاتلة الشبحية متعددة المهام؟

يُعد السعي وراء القدرات العسكرية المتقدمة أمرًا ثابتًا للدول التي تسعى لتأمين مصالحها والحفاظ على نفوذها الإقليمي. لطالما سعت مصر، اللاعب المحوري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى تحديث قواتها الجوية، موازنةً بين التحالفات الجيوسياسية والاستقلال الاستراتيجي.

لفترة من الزمن، كثرت التكهنات حول احتمال حصول مصر على المقاتلة الصينية المتقدمة متعددة المهام J-10C. ومع ذلك، ومما أثار دهشة العديد من محللي الدفاع، يُقال إن الصفقة قد فشلت، مما أثار تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ذلك واستراتيجية مصر المستقبلية لشراء الأسلحة.

يتعمق هذا المقال في العوامل المعقدة وراء رفض J-10C، ويستكشف المصالح الاستراتيجية الحقيقية لمصر، ويبحث في التداعيات الأوسع لديناميكيات المنطقة العسكرية وتنامي الوجود الصيني في سوق الأسلحة العالمي.


الضجة الأولية حول المقاتلة الصينية J-10C والطموحات المصرية

في الفترة التي سبقت الصفقة المُتداولة للطائرة J-10C، لا سيما في شهر مايو من العام الماضي، ضج المجتمع الدفاعي العالمي بتقارير حول اهتمام مصر بالمقاتلة الصينية المتقدمة. أبرزت منشورات مثل “فوربس” سعي الصين الطموح لتأمين صفقات أسلحة كبيرة في الشرق الأوسط، حتى مع ملاحظة كفاح بكين لجذب كبار العملاء لطائراتها المقاتلة. وقد جعل هذا السياق مصر، مع حاجتها المستمرة لتحديث قواتها الجوية وتاريخها في اقتناء منصات متنوعة، هدفاً رئيسياً لتواصل الصناعة العسكرية الصينية.

وقد تجلت جهود الصين في عرض قدرات J-10C بشكل بارز خلال التدريبات العسكرية المشتركة “حراس الحضارة 2025” مع مصر. لم تنشر القوات العسكرية الصينية J-10C فحسب، بل نشرت أيضاً طائرات الإنذار المبكر المتقدمة (KJ-500) وناقلات التزود بالوقود الجوي (YY-20)، مما يدل على قدرة لوجستية وعملياتية شاملة بعيداً عن أرض الوطن.

وكانت اللحظة الأكثر إثارة للإعجاب هي تشكيل الطائرات الصينية في رحلة فوق الأهرامات، وهي رسالة بصرية واضحة تهدف إلى الترويج لتكنولوجيا الطيران الصينية في أسواق الأسلحة المربحة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقد شددت وسائل الإعلام الصينية، مثل صحيفة “جلوبال تايمز”، على مشاركة مقاتلات الجيل الرابع المحلية (J-10C) وطائرات الدعم التي قامت أيضاً بتزويد طائرات ميج-29 المصرية بالوقود جواً. بالنسبة لبكين، كانت هذه التدريبات فرصة ذهبية لعرض القوة العسكرية واللوجستيات والقدرة على تشغيل منصات متقدمة على بعد آلاف الأميال، بينما تتحدى في الوقت نفسه النفوذ العسكري طويل الأمد للولايات المتحدة في المنطقة. وكان هذا مهماً بشكل خاص بالنظر إلى المناورات المستمرة “برايت ستار” بين واشنطن والقاهرة منذ عام 1980.

“قد يهمك: النهضة العسكرية المصرية


كشف أسباب رفض J-10C: قرار متعدد الأوجه

J-10C
J-10C

أثار التحول المفاجئ من المفاوضات المتقدمة إلى الرفض التام لصفقة J-10C موجات من الجدل في الأوساط العسكرية. وبينما أشارت التقارير الأولية إلى “ثغرات أمنية” غامضة، يكشف التحليل الأعمق عن تضافر عوامل، اقتصادية واستراتيجية على حد سواء، ساهمت في قرار القاهرة.

القيود المالية والفعالية من حيث التكلفة

أشارت مصادر صينية استشهد بها المحللون إلى أن القيود المالية كانت عقبة رئيسية. إذ شكلت الميزانية الدفاعية السنوية لمصر، المقدرة بنحو 5.5 مليار دولار، تناقضاً صارخاً مع التكلفة المتوقعة للحصول على أسطول من 40 مقاتلة J-10C، والتي قد تصل إلى 8 مليارات دولار.

ولم يشمل هذا الرقم حتى الأسلحة المرتبطة بها، وطائرات الإنذار المبكر، وأنظمة الدفاع الجوي، والمصاريف التشغيلية والصيانة طويلة الأجل. وقد بدا هذا الإنفاق الكبير على مقاتلة، خاصة لدولة تشغل بالفعل منصات أكثر تكلفة وتعقيداً مثل الرافال الفرنسية، محيراً في البداية ولكنه أبرز إعادة تقييم محتملة لأولويات الإنفاق.

التعقيد اللوجستي وتنوع الأسطول

تفتخر القوات الجوية المصرية بمخزون متنوع للغاية، بما في ذلك طائرات F-16 الأمريكية، وميغ-29 الروسية، ورافال الفرنسية. ويأتي كل طراز بمتطلباته الخاصة للصيانة وقطع الغيار والتدريب. ومن المؤكد أن إدخال نوع جديد تماماً من الطائرات من منشأ مختلف، مثل الصين، سيضيف تعقيداً لوجستياً كبيراً، ويتطلب تدريباً جديداً للأفراد وتحديثات فنية مستمرة. ومن المرجح أن يكون هذا العبء اللوجستي، خاصة بعد الدروس المستفادة من دمج الطائرات الروسية من طراز سوخوي، قد لعب دوراً في النهج الحذر للجيش المصري.

الضغط الجيوسياسي والعلاقات الأمريكية

كان شبح قانون “مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات” (CAATSA) يلوح في الأفق فوق صفقة J-10C المحتملة. تتذكر مصر بوضوح إلغاء صفقة شراء سو-35 في عام 2020 بسبب تهديدات العقوبات الأمريكية.

وتعتمد القاهرة بشكل كبير على الدعم الأمريكي لصيانة وتطوير أسطولها من طائرات F-16. يمكن أن يُفسر الشراء الكبير للطائرات القتالية الصينية من قبل واشنطن على أنه ابتعاد عن النفوذ الأمريكي، مما قد يعرض المساعدات العسكرية الحيوية والدعم الفني للخطر. وقد أثر هذا الحساب السياسي، بالإضافة إلى المخاوف القائمة بشأن الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة، بلا شك على عملية صنع القرار في مصر.

عيوب J-10C المتصورة

بالإضافة إلى الضغوط الخارجية، ساهمت التقييمات الفنية لطائرة J-10C نفسها في الرفض. أشار الخبراء إلى العديد من العيوب المتصورة:

  • مدى قتالي محدود: يعتمد مدى طائرة J-10C على خزانات وقود خارجية لزيادة مداها، مما يقلل من قدرتها على حمل الأسلحة الثقيلة.
  • الأنظمة الإلكترونية: على الرغم من أنها مجهزة برادار AESA متقدم، يرى بعض المحللين أن أنظمة الحرب الإلكترونية والاتصالات في J-10C قد تكون أقل تطوراً من تلك الموجودة في نظيراتها الغربية عالية المستوى.
  • أداء المحرك الواحد: يتم تشغيل J-10C بواسطة محرك WS-10 واحد مطور محلياً. وبينما تم تحسينه، يرى بعض النقاد أنه أقل كفاءة وقوة مقارنة بالتكوينات ثنائية المحرك للمقاتلات متعددة المهام المنافسة مثل F-15 أو رافال، والتي توفر مرونة أكبر وأداء قتالي أفضل.

“قد يهمك: تعميق العلاقات العسكرية المصرية الباكستانية


استراتيجية الدفاع المصرية المتطورة: الطائرات بدون طيار وطموحات التخفي

لم يكن رفض J-10C إشارة إلى أن مصر تبتعد عن الأسلحة الصينية بشكل عام، بل كان إعادة تقييم لأولوياتها وتحولاً نحو منصات صينية مختلفة، تتناسب بشكل استراتيجي مع احتياجاتها:

صعود الطائرات بدون طيار (UAVs)

تشير مصادر مصرية إلى تزايد التركيز على الطائرات بدون طيار (UAVs) كبديل أكثر فعالية من حيث التكلفة ومرونة سياسياً للمقاتلات المأهولة. ويُقال إن القاهرة حولت اهتمامها إلى الطائرات الصينية بدون طيار من طراز وينج لونج-2 (YJ-700)، القادرة على التحليق على ارتفاع يصل إلى 18 ألف متر، والتهرب من معظم أنظمة الدفاع الجوي، والقيام بمهام الاستطلاع والضربات الدقيقة.

وقد تكلف صفقة شراء 10 طائرات بدون طيار من هذا النوع حوالي 400 مليون دولار – وهو جزء بسيط من تكلفة طائرتي رافال فقط – وتأتي بدون القيود السياسية الكبيرة المرتبطة بالطائرات القتالية المأهولة المتقدمة.

هذا يتماشى مع رؤية استراتيجية “كفاءة عالية بتكلفة منخفضة”، مما يوفر قدرات ردع دون استنزاف مفرط للموارد أو تشابكات سياسية، وهي استراتيجية تم تأكيدها بشكل متزايد في صراعات مثل تلك الدائرة في أوكرانيا والتطور المستمر للحرب الحديثة.

أنظمة الدفاع الجوي المتكاملة

استكمالاً لعمليات شراء الطائرات بدون طيار، استثمرت مصر أيضاً في أنظمة الدفاع الجوي الصينية مثل HQ-9B. ويُنشئ دمج الدفاع الجوي المتقدم مع قدراتها المتنامية من الطائرات بدون طيار شبكة قوية، مما يوفر مزيجاً متوازناً من القدرات الدفاعية والهجومية الدقيقة.

J-35: طموح مصر الحقيقي في المقاتلات

ربما يكون الكشف الأكثر أهمية بعد ملحمة J-10C هو اهتمام مصر العميق بمقاتلة J-35 (FC-31 Gyrfalcon) الصينية الشبحية. خلال التدريبات المشتركة، أفادت التقارير أن قائد القوات الجوية المصرية، محمود فؤاد عبد الجواد، أبدى اهتماماً قوياً بالطائرة J-35 وخطط لزيارة الصين لتفقد الطائرة. وهذا يدل على أن رفض مصر لـ J-10C لم يكن نفوراً من الطائرات الصينية بشكل عام، بل تفضيلاً واضحاً لمنصة أكثر تقدماً، من الجيل الخامس.


J-35: المقاتلة الشبحية متعددة المهام

J-35 هي مقاتلة شبحية متعددة المهام ذات محركين، مصممة للتنافس مع مثيلاتها الغربية مثل F-35 والروسية Su-57. وتتميز بخصائص شبحية متقدمة، ورادار AESA، وإلكترونيات طيران حديثة تدعم الحرب الشبكية، مما يسمح لها بالتكامل مع الطائرات بدون طيار وأنظمة الإنذار المبكر.

وعلى عكس J-20، المخصصة بشكل أساسي للاستخدام المحلي، فإن J-35 تم تطويرها خصيصاً للتصدير. ويجعل سعرها المحتمل الذي يتراوح بين 40 و85 مليون دولار لكل وحدة، وهو أقل بكثير من سعر F-35 (الذي يبدأ من 109 ملايين دولار)، خياراً جذاباً لدول مثل مصر التي تسعى للحصول على قدرات شبحية متقدمة دون التكلفة الباهظة أو القيود السياسية التي يفرضها الموردون الغربيون.


التداعيات الجيوسياسية والنفوذ الاستراتيجي

إن تزايد التعاون المصري مع الصين في مجال المشتريات العسكرية له تداعيات جيوسياسية عميقة. يشكل الوجود الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، المدعوم بمبيعات الأسلحة ومبادرات مثل الحزام والطريق، تحدياً للهيمنة التقليدية للولايات المتحدة وروسيا.

بالنسبة لمصر، يوفر التعاون مع الصين مرونة استراتيجية، خاصة في خضم التوترات المستمرة مع الولايات المتحدة بشأن قضايا مثل غزة وحقوق الإنسان. يشير بعض المحللين إلى أن اهتمام مصر الواضح بـ J-35 قد يكون أيضاً أداة ضغط استراتيجي ضد الولايات المتحدة. من خلال استكشاف بدائل، قد تضغط القاهرة على واشنطن لتقديم شروط أفضل لتحديث أسطولها من طائرات F-16 أو تسريع الموافقات على الأسلحة الحيوية مثل صواريخ AMRAAM، والتي كانت تخضع لقيود تاريخياً.

تعكس هذه الاستراتيجية حالات سابقة، مثل عام 2022 عندما عرضت الولايات المتحدة طائرات F-15 على مصر بعد أن ألغت القاهرة صفقة Su-35، ويرجع ذلك جزئياً إلى تشجيع إسرائيل على تحسين العلاقات الأمريكية المصرية.


بدائل أخرى وآفاق مستقبلية

بينما تُعد المقاتلات الشبحية محوراً رئيسياً، تتضمن استراتيجية المشتريات المتنوعة لمصر اهتماماً بمنصات أخرى. وتشير التقارير إلى أن القاهرة تتطلع إلى الطائرة الكورية الجنوبية FA-50، وهي طائرة هجوم خفيف.

ويبرز اتفاق محتمل لشراء 100 طائرة FA-50، مع تصنيع 70 منها محلياً، التزام مصر بالاعتماد على الذات والحلول الفعالة من حيث التكلفة. وتعد FA-50، التي يبلغ سعرها حوالي 30 مليون دولار للوحدة، طائرة هجوم وتدريب خفيفة أسرع من الصوت، قادرة على حمل مجموعة متنوعة من الذخائر جو-جو وجو-أرض، مما يوفر توازناً بين الأداء والقدرة على تحمل التكاليف.

الهدف النهائي لتحديث القوات الجوية المصرية هو تعزيز قدراتها الجوية وسط عدم الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك الصراع في غزة وتصاعد التوترات في البحر الأحمر. ومن أبرز المخاوف لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل اهتمام مصر بالرادارات الصينية المتقدمة. ستعزز هذه الرادارات ثلاثية الأبعاد، القادرة على تتبع أكثر من 100 هدف جوي في وقت واحد والاندماج مع أنظمة مختلفة، بشكل كبير الوعي الظرفي للقوات الجوية المصرية وفعاليتها القتالية.

“قد يهمك: حروب الظل على النيل

“اطلع على: القوات الخاصة المصرية


القوات الجوية المصرية: الخلاصة

في الختام، لم يكن قرار مصر بشأن J-10C رفضاً للتكنولوجيا الصينية، بل كان خطوة محسوبة ضمن استراتيجية شراء عسكرية أوسع وأكثر تعقيداً. من خلال الموازنة بين الحكمة المالية، والاعتبارات اللوجستية، والضغوط الجيوسياسية، تهدف القاهرة إلى بناء قوة جوية حديثة ومتعددة الاستخدامات.

ويؤكد اهتمام البلاد القوي بمقاتلة J-35 الشبحية والرادارات الصينية المتقدمة طموحها في الحصول على قدرات عالية المستوى، بينما يوضح تركيزها على الطائرات بدون طيار وFA-50 نهجاً براغماتياً لتنويع ترسانتها. تعكس هذه الاستراتيجية متعددة الأوجه تصميم مصر على الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي وتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية في مشهد إقليمي وعالمي متزايد التعقيد.

Leave A Reply

Your email address will not be published.