النهضة العسكرية المصرية: عودة الفراعنة بأسطول حديث
Egyptian military renaissance
الجذور التاريخية للقوة المصرية وتراجعها، ورؤية السيسي وإعادة تشكيل الجيش، تعرف على ثورة التسليح المصرية، وماذا عن التدريب والإنتاج المحلي؟

ماذا لو قيل لك إن القوة العسكرية الكبرى التالية الصاعدة في الشرق الأوسط ليست إيران، ولا إسرائيل، وبالتأكيد ليست إحدى الدول الخليجية المؤيدة للغرب، بل هي مصر؟ نعم، الدولة التي تربطها في أذهان الكثيرين بالأهرامات وقناة السويس وربما الفوضى المرورية في القاهرة، بدأت فجأة في استعراض عضلاتها العسكرية من جديد. فما الذي يحدث؟ وكيف تحولت مصر، بعد عقود من الركود العسكري والتقلبات الاقتصادية، من مجرد متفرج إقليمي إلى ثقل استراتيجي؟ إن النهضة العسكرية المصرية ليست مفاجئة فحسب، بل هي استراتيجية ومحسوبة، وتفاجئ الكثيرين تمامًا.
قائمة المحتويات
هذه العودة ليست مجرد تحديثات سطحية، بل تحول عميق في العقيدة والقدرات، يهدف إلى استعادة مكانة مصر كلاعب رئيسي ومؤثر في معادلات المنطقة المتغيرة بسرعة، مما يعيد تعريف ديناميكيات القوة الإقليمية بشكل جذري.
الجذور التاريخية للقوة المصرية وتراجعها
لنتناول بعضًا من السياق التاريخي. لم تكن مصر دائمًا على الهامش. ففي منتصف القرن العشرين، كانت القوة الإقليمية المهيمنة. تحت قيادة جمال عبد الناصر، كانت مصر تستعرض قوتها عسكريًا وسياسيًا وأيديولوجيًا بقوة. لنتذكر أزمة السويس عام 1956؛ حينها وقفت مصر في وجه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وعلى الرغم من أنها خسرت عسكريًا من الناحية الفنية، إلا أنها خرجت أقوى سياسيًا.
لكن بمرور بضعة عقود، أصبحت الأمور، حسناً، فوضوية. عانى الجيش من هزائم مهينة، مثل حرب الأيام الستة عام 1967. أدت الصعوبات الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، والاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية، خاصة من الولايات المتحدة، إلى تحول مصر إلى قوة رد فعل بدلاً من أن تكون قوة استباقية. أصبح جيشها الضخم أشبه ببيروقراطية متضخمة منه بقوة قتالية مرنة. فكر في الأمر على أنه أقرب إلى قسم الموارد البشرية في شركة كبرى بزي عسكري، بدلاً من كوماندوز النخبة. هذا التراجع المطول مهد الطريق لما نشهده اليوم من النهضة العسكرية المصرية.
رؤية السيسي وإعادة تشكيل الجيش
مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة، سواء كنت تراه عامل استقرار أو رجلًا قويًا، هناك شيء واحد واضح: لقد ركز السيسي بشكل مكثف على إعادة بناء الجيش المصري كركيزة للقوة الوطنية. ولا، ليس فقط للمناورات أو الصور الفوتوغرافية. إنه يفكر على المدى الطويل، ويفكر في النفوذ الإقليمي. منذ توليه السلطة في عام 2014، زاد السيسي الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، ودفع ببرامج تحديث ضخمة، ونوع بشكل مكثف من مصادر الأسلحة المصرية.
لا يزال للولايات المتحدة دورها، بالتأكيد، لكن مصر تتسوق الآن عالميًا، وتشتري طائرات رافال من فرنسا، وغواصات من ألمانيا، وأنظمة دفاع جوي من روسيا، وحتى طائرات بدون طيار من الصين. هذا ليس مجرد تزيين عسكري. إنها عقيدة واضحة: الاستقلالية، الردع، والإسقاط. لم تعد مصر تريد الدفاع عن نفسها فحسب؛ بل تريد إظهار القوة في شمال إفريقيا، والبحر الأحمر، وما وراءهما. هذه الرؤية الطموحة هي الدافع وراء النهضة العسكرية المصرية الشاملة.
“قد يهمك: حروب الظل على النيل“
ترسانة حديثة ومتنوعة: ثورة التسليح المصرية

لقد شرعت مصر فيما يمكن وصفه بأنه “صفقة الجمعة السوداء” العسكرية، ولكن بمليارات الدولارات وبدون كوبونات.
- سلاح الجو: يمتلك الآن طائرات F-16 الأمريكية وطائرات رافال الفرنسية. يمنح هذا الجناح الجوي المتنوع مصر المرونة والنفوذ. إذا أصبح أحد الموردين متحفزًا سياسيًا، فلديهم خيارات أخرى.
- البحرية: تمتلك مصر الآن سفن هجوم برمائي من فئة ميسترال من فرنسا، وهي عمليًا قلاع عائمة يمكنها إطلاق طائرات هليكوبتر وقوات على طول الساحل. ليس سيئًا لدولة ذات شريط ساحلي استراتيجي على بحرين رئيسيين.
- الطائرات بدون طيار: نعم، لقد قامت مصر بتخزين طائرات Wing Loong الصينية بدون طيار، وهي تلك التهديدات المزعجة التي يمكنها التجسس والضرب. فكر فيها كنسخة عسكرية من البعوض ولكن بصواريخ.
- الدفاع الجوي: أضافت أنظمة S-300VM الروسية إلى ترسانتها، والتي، على الرغم من أنها ليست S-400 الأسطورية تمامًا، إلا أنها تجعل أي يوم سيئًا لأي شخص يفكر في شن ضربة جوية مفاجئة.
كل هذا يضيف إلى جيش لم يعد ضخمًا فحسب، بل أصبح حديثًا بشكل متزايد، ومتنقلًا، وقادرًا على أداء المهام. هذه المشتريات الاستراتيجية والمتنوعة هي جوهر النهضة العسكرية المصرية.
“اطلع على: القوات الخاصة المصرية“
ما وراء المعدات: التدريب والإنتاج المحلي
قد تفكر، حسنًا، أسلحة لامعة، رائع. فماذا بعد؟ الجيش ليس مجرد معدات؛ بل يتعلق بكيفية استخدامها: التدريب، العقيدة، التكامل. لا يمكنك فقط رمي طائرة F-16 على مشكلة وتأمل الأفضل. وهذا هو المكان الذي خطت فيه البلاد خطوات هادئة. في السنوات القليلة الماضية، أجرت تدريبات مشتركة مع روسيا، فرنسا، الإمارات العربية المتحدة، السودان، اليونان، وحتى قبرص، وذلك برًا وبحرًا وجوًا.
يكتسب الجيش المصري خبرة واقعية في مختلف التضاريس والظروف العملياتية. كما تستثمر مصر في الإنتاج العسكري المحلي. يتم إنتاج الدبابات، والأسلحة الصغيرة، وحتى المركبات المدرعة محليًا، مما يقلل الاعتماد ويبني القدرة الصناعية. يتطور الجيش المصري من عملاق على غرار الحقبة السوفيتية إلى هجين إقليمي، جزء على غرار الناتو، وجزء عامل مستقل، وكل ذلك يلفه الفخر الوطني. هذه الجوانب المنهجية هي ما يميز النهضة العسكرية المصرية عن مجرد شراء الأسلحة.
الدوافع الجيوسياسية: حماية المصالح الحيوية
هنا يصبح الأمر مشوقًا. لا تقوم مصر بتحديث جيشها لمجرد أن تبدو رائعة بملابس التمويه. إنها تستجيب لتهديدات حقيقية وفرص حقيقية على حدودها وما ورائها:
- ليبيا: إنها فوضى كاملة، حيث تدعم تركيا أحد الأطراف ويدعم اللاعبون الإقليميون الآخرون الطرف الآخر. رسمت مصر خطًا أحمر، حرفيًا. حتى أن السيسي حذر علنًا من أن أي تقدم يتجاوز مدينة سرت سيستفز التدخل المصري. لم يكن مجرد كلام؛ حشدوا القوات وأخبروا الجميع: “نحن مستعدون”.
- إثيوبيا: يثير سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) سردية حرب المياه. النيل هو شريان الحياة لمصر، ويهدد السد هذا التدفق. بينما الدبلوماسية هي الاستراتيجية الرسمية، أشارت البلاد إلى أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك التداعيات العسكرية.
- أمن البحر الأحمر: وسعت البحرية وجودها، لتأمين الممرات البحرية التي تحمل جزءًا كبيرًا من التجارة العالمية. بالنظر إلى الفوضى في اليمن وتزايد المنافسة البحرية، هذه الخطوة ليست ذكية فحسب، بل ضرورية.
في كل هذه النقاط الساخنة، لا تكتفي مصر برد الفعل، بل تتخذ مواقع استراتيجية. تريد أن ينظر إليها ليس فقط كلاعب محلي، بل كصانع نفوذ إقليمي. هذه الضرورات الأمنية هي المحرك الأساسي لـ النهضة العسكرية المصرية.
تحالفات إقليمية وشراكات استراتيجية
لكن مصر لا تفعل هذا بمفردها. فقد كان لديها بعض الأصدقاء ذوي التمويل الجيد على طول الطريق. لنتحدث عن دول الخليج. فقد ضخت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مليارات الدولارات في مصر، ليس فقط لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولكن لمساعدتها على أن تصبح قوة عسكرية موازنة لإيران وتركيا والحركات الإسلامية.
ولنكن واقعيين، دول الخليج غنية، لكنها ليست بالضبط قوى عسكرية هائلة. مصر، بقوتها البشرية الضخمة وقدراتها المتطورة، هي العضلات التي يرغبون في الاستعانة بها. إنها مقايضة استراتيجية. أموال الخليج مقابل نفوذ مصري. وهذا التوافق يشكل ديناميكيات عسكرية من ليبيا إلى اليمن إلى القرن الأفريقي. هذا الدعم والتعاون يسرع من وتيرة النهضة العسكرية المصرية ويوسع نطاق تأثيرها.
“تعرف على: توطين صناعة أبراج الكهرباء في مصر“
التحديات والمخاطر المحتملة أمام النهضة
الآن، قبل أن نتوج مصر بلقب فرعون جديد للقوة العسكرية، دعونا نلتقط أنفاسنا للحظة:
- الضغوط الاقتصادية: نعم، اقتصادها تحت ضغط حقيقي. الديون والتضخم والاعتماد على التمويل الخارجي يمكن أن تحد من الإنفاق الدفاعي على المدى الطويل.
- مخاوف حقوق الإنسان: بالتأكيد، تخضع المساعدات العسكرية الأمريكية للتدقيق بسبب توجهها السلطوي الذي يمكن أن يؤثر على التعاون المستقبلي مع الموردين الغربيين.
- مشاكل التكامل: بالتأكيد، مزج الطائرات الفرنسية والمروحيات الأمريكية وأنظمة الدفاع الجوي الروسية والطائرات بدون طيار الصينية ليس بالبساطة التي يبدو عليها. هذه الأنظمة لا تعمل دائمًا بشكل جيد معًا.
لذلك، بينما تعتبر النهضة العسكرية المصرية مثيرة للإعجاب، فإنها لا تخلو من الاحتكاك أو المخاطر أو احتمالية التجاوز. التغلب على هذه التحديات سيكون حاسمًا لاستدامة هذه القوة الصاعدة.
خاتمة: إعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي
إن عودة مصر اليوم ليست مجرد خبر عسكري. إنها تحول استراتيجي في ميزان القوى في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذه ليست مصر القديمة لفوضى الربيع العربي. هذا نظام يستخدم القوة العسكرية لتأكيد وجوده في الدبلوماسية، والتحالفات الإقليمية، والصفقات الاقتصادية. في منطقة مليئة بالدول الهشة، والحروب بالوكالة، والتحالفات المتغيرة، تهز عودة مصر كلاعب عسكري موثوق به رقعة الشطرنج.
إنها تغير كيفية التفاوض بشأن ليبيا. إنها تغير كيفية التعامل مع قضية مياه النيل. بل إنها تغير كيفية سعي الغرب وروسيا للنفوذ في أفريقيا. وفي حال فاتك المغزى الضمني، فإن مصر لم تعد تنتظر دعوة إلى طاولة المفاوضات. إنها تسحب كرسيًا بنفسها. ميزانية عسكرية في يد، ووحدة تحكم طائرات بدون طيار في اليد الأخرى.
لذا نعم، بينما كان العالم يراقب وكلاء إيران، وطموحات تركيا، وتكنولوجيا إسرائيل، أعادت مصر بهدوء تشغيل جيشها مثل شخص يقوم بالترقية من ويندوز 95 إلى وحش لينوكس مستقبلي قريب. سلس، قوي، ومعقد بما يكفي لإرباك منافسيه. إنها عودة لم يرها سوى قلة.
وهذا يطرح السؤال: عندما تضرب الأزمة الإقليمية التالية، هل ستكون مصر صانعة السلام، أم صانعة النفوذ، أم اللاعب الذي يمتلك العصا الأكبر؟ على أي حال، إذا كنت لا تزال تفكر في مصر على أنها مجرد أرض الأهرامات، فقد ترغب في تحديث نظام تحديد المواقع الجيوسياسي الخاص بك، لأن الفراعنة قد عادوا، وهذه المرة لديهم غواصات. إن النهضة العسكرية المصرية حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي تعيد تشكيل المستقبل الإقليمي.