في عالم يتسارع فيه تطور الذكاء الاصطناعي، تبرز نماذج عملاقة بانتظام، لكن قليلًا ما يتم تسليط الضوء على بعضها رغم قدراتها الفائقة. اليوم، نتوقف عند نموذج لم يُمنح حقه من التقدير الكافي، وهو “GLM-4.5” من الشركة الصينية Z.AI. هذا النموذج، الذي أُطلق قبل فترة، أثبت جدارته وقدرته على منافسة أكبر الأسماء في الساحة، بل والتفوق عليها في بعض الجوانب.
قائمة المحتويات
فبعد أسابيع من الاستخدام المكثف، لا يزال الانبهار بقدراته يتزايد، خاصة مع الإضافات الجديدة التي جعلت منه أداة لا غنى عنها للمحترفين والباحثين على حد سواء. هذه المقالة ستأخذكم في رحلة استكشافية عميقة لنموذج GLM-4.5، مسلطة الضوء على ميزاته الفريدة، قدراته الاستثنائية، وكيف يمكنه أن يغنيكم عن استخدام العديد من النماذج الأخرى، حتى المدفوعة منها.
GLM-4.5: العملاق المنسي في عالم الذكاء الاصطناعي
يُعد نموذج GLM-4.5 بمثابة جوهرة غير مكتشفة في مجال الذكاء الاصطناعي. فعلى الرغم من وجود نماذج ضخمة مثل Gemini 2.5 Pro وGPT-5 وأحدث إصدارات Group، إلا أن GLM-4.5 قد تمكن من احتلال المركز الرابع في “Chatbot Arena” التي تُقيّم النماذج بناءً على ملاحظات المستخدمين.
هذا الإنجاز ليس بالهيّن، فهو يتفوق بذلك على نماذج راسخة مثل ChatGPT 4 ونماذج Claude، وحتى النماذج المفتوحة المصدر مثل LLaMA وDeepSeek-V2. بل إن المقارنة داخل النماذج مفتوحة المصدر تُظهر GLM-4.5 كأقوى نموذج مفتوح المصدر متاح حاليًا.
معنى اسم GLM ورؤية الشركة المطورة
اسم GLM هو اختصار لـ “General Language Model”، وهذا يعكس الطموح الكبير للشركة الصينية المطورة له، وهو بناء نموذج متفوق في كل المجالات، لا يقتصر تفوقه على البرمجة، الرياضيات، أو المعرفة العامة فقط. هذا التوجه الشامل هو ما يميزه ويجعله أقرب ما يكون إلى “وكيل ذكي” (Agent) منه إلى مجرد نموذج لغوي تقليدي. إنه يفكر، يضع الخطط، ويستعين بأدوات خارجية لتقديم نتائج ممتازة.
يعمل GLM-4.5 بتقنية “Mixture of Experts” (MoE) التي تضمن تفعيل البارامترات اللازمة فقط عند الإجابة على السؤال، مما يعزز كفاءته وسرعته.
تكنولوجيا الوكلاء (Agents) في GLM-4.5: ما وراء النماذج اللغوية التقليدية
ما يميز GLM-4.5 بشكل أساسي هو طبيعته كـ “وكيل ذكي” (Agent)، وهي خاصية تتجاوز بكثير قدرات النماذج اللغوية التقليدية. فبينما تكتفي معظم النماذج بالإجابة المباشرة على الاستفسارات، يمتلك GLM-4.5 القدرة على التفكير والتخطيط، تماماً مثل وكلاء الذكاء الاصطناعي المتطورين مثل Skywork وMans وGenspark. هذه القدرة على التفكير المنطقي ووضع خطة عمل قبل الشروع في الإجابة هي ما تمكنه من تقديم نتائج دقيقة وشاملة. من هنا يمكنك التعرف أكثر على وكلاء الذكاء الاصطناعي.
خاصية Auto Think
تتضح هذه الخاصية بشكل جلي في ميزة “Auto Think”. عند تفعيلها، يقرر النموذج بنفسه متى وكيف سيفكر للإجابة على سؤالك. هذا يعني أنه لا يندفع في الإجابة، بل يقوم بتحليل السؤال، تحديد الخطوات اللازمة، وحتى البحث عن معلومات إضافية إذا لزم الأمر.
هذه العملية الشبيهة بالتفكير البشري هي ما تجعله فعالاً للغاية في المهام المعقدة التي تتطلب أكثر من مجرد استرجاع للمعلومات، فهو قادر على الاستعانة بأدوات داخلية وخارجية لتحقيق أفضل النتائج. إن هذه السمة تجعله أقرب إلى “ChatGPT-5” الذي يُتوقع أن يمتلك قدرات تفكير متقدمة، حيث يقرر النموذج أين يوجه السؤال: إلى نموذج التفكير المتعمق أو إلى النموذج السريع.
خاصية Magic Design: إطلاق العنان للإبداع البصري
تعتبر خاصية “Magic Design” من الإضافات الثورية لنموذج GLM-4.5، وهي تُعد نقلة نوعية في قدرة النماذج اللغوية على إنتاج محتوى بصري احترافي. هذه الخاصية، التي تذكرنا بقوة أداة Artefacts، تمنح النموذج مهارات لا تُضاهى في إنشاء المرئيات والتصاميم باستخدام لغة HTML، وبشكل غير محدود ومجاني تمامًا.
مثال تطبيقي على Magic Design
يمكن لهذه الخاصية إنشاء تصاميم متنوعة ومحتوى بصري احترافي يلبي احتياجات مختلفة، من الإعلانات إلى الرسوم البيانية التفاعلية. على سبيل المثال، يمكن لـ “Magic Design” تصميم إعلانات احترافية بمنتهى السهولة.
بمجرد تزويده بتفاصيل بسيطة مثل عنوان محاضرة، موعدها، والمنصة، يقوم النموذج تلقائيًا بتحليل الطلب، والبحث عن أفضل الأمثلة والتصاميم للإعلانات، وحتى البحث عن صور ذات صلة من الإنترنت باستخدام أداة “Image Search” المدمجة. لا يكتفي النموذج بذلك، بل يفكر كوكيل ذكي، يضع خطة عمل مفصلة، يبحث في مصادر متعددة مثل Canva للحصول على قوالب ملهمة، ثم يقوم بإنشاء البوستر بصيغة HTML، ويقدم معاينة فورية للتصميم.
هذا البوستر لا يكون مجرد تصميم ثابت، بل يمكن أن يتضمن عناصر تفاعلية مثل زر “سجل الآن” القابل للربط بصفحات خارجية. هذه القدرة على دمج النص والصورة والتفاعل في تصميم واحد تجعل “Magic Design” أداة قوية للغاية للمسوقين والمصممين.
تحليل البيانات وإنشاء المرئيات الاحترافية بـ GLM-4.5
تتجاوز قدرات GLM-4.5 حدود التصميم الإعلاني لتصل إلى مجال تحليل البيانات وإنشاء المرئيات المعقدة، وهو ما يمثل نقلة نوعية في التعامل مع البيانات البحثية. يمكن للنموذج تحويل البيانات الخام إلى رسوم بيانية تفاعلية وغنية بالمعلومات، مما يسهل فهمها وتحليلها. بمجرد تزويده بالنتائج، حتى لو بطلب بسيط مثل “حلل النتائج واعمل مرئيات”، يقوم GLM-4.5 بإنشاء مجموعة من الرسوم البيانية والجداول التفاعلية.
أنواع الرسوم والميزات التحليلية
على سبيل المثال، يمكنه إنشاء مخططات زمنية (Timelines)، ومقارنات بين المجموعات (Bar Charts)، وجداول تفصيلية. ما يميز هذه المرئيات هو تفاعليتها؛ حيث يمكن للمستخدم إخفاء أو إظهار مجموعات بيانات معينة بنقرة زر، مما يتيح استكشاف البيانات من زوايا مختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يكتفي النموذج بعرض البيانات، بل يقدم “التعليقات السريرية” (Clinical Implications)، و”اتجاهات البحث المستقبلية” (Future Research Directions)، وحتى “الاستنتاجات” (Conclusions) المستنبطة من البيانات. هذه القدرة على تحليل البيانات بشكل متعمق وتقديم رؤى قيمة، بالإضافة إلى إنتاج مرئيات عالية الجودة، تجعله أداة لا تقدر بثمن للباحثين والأكاديميين، وتمكنهم من إعداد عروض تقديمية لرسائلهم العلمية في وقت قياسي وبجودة احترافية.
GLM-4.5 كرفيق للباحثين والطلاب: من المقالات إلى العروض التقديمية
يُعد نموذج GLM-4.5 شريكاً مثالياً للباحثين والطلاب، لا سيما في تحويل المقالات والأبحاث المعقدة إلى صيغ مبسطة وسهلة الاستيعاب. فقد أثبت النموذج قدرته على تحويل المقالات العلمية الطويلة إلى عروض تقديمية احترافية (PowerPoint Presentations) بجهد بسيط للغاية.
بمجرد تزويده بمقالة علمية، يطلب منه المستخدم إنشاء شرائح معلوماتية احترافية تغطي جميع النقاط الرئيسية، فيقوم GLM-4.5 بتحليل المقالة واستخلاص المعلومات الأساسية، ثم ينظمها في شرائح متناسقة.
دمج الصور والمخططات
ليس هذا فحسب، بل يتميز النموذج بقدرته على دمج الصور ذات الصلة التي يجلبها تلقائياً من الإنترنت باستخدام أداة البحث عن الصور المدمجة. هذه الصور لا تكون مجرد إضافات بصرية، بل تعزز فهم المحتوى وتجعله أكثر جاذبية. هذه الميزة لا توفر فقط الوقت والجهد في إعداد العروض التقديمية، بل تتيح للباحثين والطلاب استيعاب المقالات الكبيرة بسرعة أكبر عن طريق مراجعة الشرائح الموجزة والمنظمة.
علاوة على ذلك، يمكن لـ GLM-4.5 إنشاء ملخصات بيانية (Graphical Abstracts) وهو أمر حيوي للباحثين. هذه الملخصات عبارة عن صفحة واحدة موجزة تتضمن أهم التفاصيل والنتائج الرئيسية للدراسة، وتُستخدم عادة لتقديم الأبحاث في المؤتمرات أو النشر. النموذج قادر على تصميم هذه الملخصات بشكل احترافي، بما في ذلك دمج الصور التوضيحية وشرح الآليات المعقدة بشكل مبسط.
ولمن يحتاج إلى تبسيط الإجراءات أو القرارات المعقدة، يوفر GLM-4.5 القدرة على إنشاء مخططات تدفق (Flowcharts) بمنتهى الدقة والوضوح. يمكن تزويده بمقالة تفصيلية عن كيفية التعامل مع حالة مرضية معينة، فيقوم بتحويلها إلى فلو تشارت منظم يسهل تتبعه. الميزة الفريدة هنا هي أن النموذج لا يقدم مجرد كود برمجي للمخطط، بل يقدمه كصورة جاهزة للتحميل والاستخدام بصيغة SVG، مما يجعله سهل الطباعة والمشاركة والاستفادة منه في الدراسة أو العروض التقديمية.
“قد يهمك: الربح من موشن AI“
الرؤية والبحث المعمق: تطورات مستمرة في GLM-4.5
تتوسع قدرات GLM-4.5 لتشمل دعم “الرؤية” (Vision)، مما يعني أنه أصبح بإمكانه قراءة الصور والتعامل مع مقاطع الفيديو. هذه الخاصية تفتح آفاقاً جديدة في تفاعله مع المحتوى المرئي، وتزيد من فعاليته في مهام مثل تحليل البيانات من الصور أو فهم سياق الفيديوهات.
وفيما يتعلق بالبحث عن المعلومات، يدعم GLM-4.5 ميزة “Web Search” التي تمكنه من البحث في الإنترنت وجلب معلومات دقيقة وذات صلة. هذه الأداة مفيدة جداً للحصول على معلومات سريعة وموثوقة. ومع ذلك، وكما أشار البعض، فإن النموذج لا يزال بحاجة إلى تطوير في مجال “البحث المتعمق” (Deep Research) ليتمكن من إجراء تحليلات أكثر شمولاً للمعلومات المستقاة من الويب.
ومع ذلك، فإن فريق التطوير يعمل باستمرار على تحسين هذه الجوانب، ومن المتوقع أن يتم إطلاق “وكيل بحث متعمق” (Deep Research Agent) في المستقبل، مما سيعزز قدرات النموذج بشكل كبير في هذا المجال.
لماذا GLM-4.5 يستحق اهتمامك؟
بعد استعراض هذه المجموعة الواسعة من الميزات، يتضح أن GLM-4.5 هو نموذج استثنائي يستحق اهتماماً كبيراً. إنه ليس مجرد نموذج لغوي آخر، بل هو “وكيل ذكي” متعدد المهام، قادر على التفكير، التخطيط، واستخدام الأدوات ببراعة.
قدرته على توليد محتوى بصري احترافي باستخدام “Magic Design”، وتحليل البيانات المعقدة بمرئيات تفاعلية، وتحويل المقالات إلى عروض تقديمية وملخصات بيانية، وتقديم مخططات تدفق واضحة، يجعله أداة شاملة لمجموعة واسعة من المهام الإبداعية والبحثية.
في حين أنه يتفوق في معظم الجوانب، لا يزال هناك مجال للتحسين في “التفكير المنطقي العميق” (Deep Reasoning) و”البحث المتعمق” عبر الإنترنت. ومع ذلك، فإن ميزاته الحالية تتجاوز بكثير ما تقدمه العديد من النماذج الأخرى، حتى المدفوعة منها. إنه الخيار الأمثل لمن يبحث عن كفاءة عالية، نتائج احترافية، وقدرة على التعامل مع مهام متنوعة بكفاءة. استخدام هذا النموذج يغني المستخدمين عن اللجوء إلى أدوات متعددة، فهو يقدم حلاً متكاملاً لاحتياجاتهم اليومية في عالم الذكاء الاصطناعي.
“اطلع على: نموذج OpenAI مفتوح المصدر“
نموذج GLM-4.5: الخاتمة
في الختام، يمثل نموذج GLM-4.5 علامة فارقة في تطور الذكاء الاصطناعي. بفضل قدراته الفريدة كوكيل ذكي، وميزات مثل “Magic Design” ودعم الرؤية، وتفوقه في إنشاء المرئيات وتحليل البيانات، يُعد هذا النموذج حلاً شاملاً ومتكاملاً يقلب موازين الإنتاجية والإبداع.
لقد أثبت GLM-4.5 قدرته على المنافسة بقوة مع عمالقة الصناعة، بل والتفوق عليهم في جوانب متعددة. إنه ليس مجرد أداة، بل هو رفيق ذكي قادر على إنجاز مهام معقدة بكفاءة مذهلة، ويستحق أن يكون في طليعة الأدوات التي تعتمد عليها في رحلتك مع الذكاء الاصطناعي. أنصح بتجربته واستكشاف إمكاناته اللامحدودة، فمن المؤكد أنه سيفاجئك بمدى قوته وفعاليته.
المهندس عبد الرحمن خالد كاتب ومتخصص في الذكاء الاصطناعي وتقنيات المستقبل، حيث يسلط الضوء على أحدث الابتكارات في تعلم الآلة، معالجة اللغة الطبيعية، الروبوتات، وحلول الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات. يقدم مقالات تحليلية وتوضيحية تفتح المجال أمام القارئ لفهم كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل العالم من حولنا.
بأسلوب علمي مبسط مدعوم بالخبرة الهندسية، يشرح عبد الرحمن خالد التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في التعليم، الصحة، الأعمال، والتقنية، مع إبراز التحديات الأخلاقية والمجتمعية لهذه التكنولوجيا. كتاباته تجمع بين الرؤية المستقبلية والجانب العملي، مما يجعله مرجعًا موثوقًا لكل من يريد استكشاف عالم الذكاء الاصطناعي بعمق.