مخاطر الضلال بالقرآن: كيف تحمي نفسك من التأويلات المنحرفة وشياطين الإنس والجن؟

Misleading people using the Qur’an

كيف يتم استخدام القرآن الكريم في إضلال الناس عن عمد من قبل شياطين الإنس والجن، تعرف على أساليب الضلال بالقرآن، وخطورة التأويل في غير محله وجمع المتشابهات لإثارة الشبهات

القرآن الكريم، كتاب الله الخالد ونوره المبين، هو دستور الأمة وهاديها إلى الصراط المستقيم. لكن من أخطر الفتن التي تواجه المسلم في كل عصر، وخاصة في أزمنة الفتن، هي أن يُستخدم هذا الكتاب العظيم وسيلةً لإضلال الناس وتشكيكهم. إنها مفارقة عجيبة ومؤلمة أن يتحول كلام الله، الذي أنزل هدايةً، إلى أداة في أيدي من يهدفون إلى الضلال والزيغ.

هذه المشكلة ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة قدم الصراع بين الحق والباطل، وقد حذر منها القرآن والسنة النبوية الشريفة. فكيف يمكن للقرآن، وهو المحفوظ بحفظ الله، أن يُستخدم في الإضلال؟ ومن هم هؤلاء الذين يتحدثون بالقرآن بهدف إضلال الناس؟ هذا المقال يستكشف هذه الظاهرة الخطيرة، ويكشف عن أساليبها، ويقدم سبل الوقاية منها، مستندًا إلى النصوص الشرعية وتحذيرات السلف الصالح.


شياطين الإنس والجن: أدوات الضلال بالقرآن

قد يتبادر إلى الذهن أن حفظ الله للقرآن يجعله بمنأى عن التحريف أو الاستخدام في الضلال، وهو حق، فالقرآن محفوظ كما قال تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”. إلا أن الحفظ هنا لا يمنع من وجود من يحاولون تحريف معانيه أو تأويل آياته على غير مراد الله، بهدف إضلال الناس.

وهؤلاء المضللون قد يكونون من “الشياطين”، والشياطين هنا على نوعين كما بين القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة: شياطين الجن وشياطين الإنس. يقول تعالى: “وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا”. هذا التوصيف القرآني يوضح أن العداوة للبشر تأتي من كلا الصنفين.

فشياطين الجن هم الكائنات الشيطانية المعروفة، وقد يتلبسون بصور مختلفة، بل قد يتمثلون في صورة إنسان ليتحدثوا بالقرآن ويزيغوا به القلوب. هذا ليس مجرد تخيل، بل هو أمر قد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنًا”. وفي رواية أخرى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الشيطان قد يتمثل في صورة رجل ليحدث الناس بالأكاذيب ويوقع بينهم الشبهات.

أما شياطين الإنس، فهم أناس من بني آدم، لهم أجساد بشرية، ولكن قلوبهم كقلوب الشياطين. هؤلاء هم الأخطر ربما؛ لأنهم يتحدثون بلسان البشر، ويظهرون بمظهر الناصح أو العالم، بينما يضمرون الشر والضلال.

وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، حيث قال: “يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس”.

هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يصوغوا للناس بالقرآن الكريم ما يفعلونه من مظالم أو معاصي أو آثام، وأن يجدوا لها تأويلات تبررها، مستغلين جهل الناس أو غفلتهم. فهم يجمعون بين المعرفة اللسانية والخبث القلبي، مما يجعلهم أداة فاعلة في يد الشيطان الأكبر لإضلال بني البشر.


أساليب الضلال بالقرآن: التأويل الفاسد والمتشابهات

تضليل الناس بالقرآن
تضليل الناس بالقرآن

يشمل ذلك ما يلي:

1. التأويل في غير محله

هذه الطريقة تقوم على تفسير الآيات القرآنية تفسيرًا خاطئًا لا يتوافق مع اللغة العربية السليمة، ولا يتفق مع قواعد الشريعة ومقاصدها، ولم يقصده النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة، ولم يقل به العلماء الراسخون. هذا المضلل يأتي بالآية الكريمة، ثم يلوّي عنقها لتوافق هواه ومراده، مستغلاً أن العامة قد لا يدركون هذا التحريف في التأويل.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا النوع من المضللين، فقال صلى الله عليه وسلم في حديث أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان”.

فعمر بن الخطاب رضي الله عنه، خبير الرجال، كان يقول: “ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسق بيّن فسقه، ولكني أخاف عليها رجلًا قد قرأ القرآن حتى أزلفه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله”.

أمثلة على ذلك كثيرة، فمنهم من يستدل بقول الله تعالى: “ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء” لينكر السنة النبوية الشريفة، ويقول بالاكتفاء بالقرآن الكريم وحده. وهذا تأويل فاسد؛ لأن السنة هي المبينة والمفسرة للقرآن، وهي جزء لا يتجزأ من الوحي، وبتجاهلها يفقد المسلم الفهم الصحيح للشريعة.

ومنهم من يحرف معنى آيات مثل قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم”، ليزعم أن المسلم غير مطالب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن عليه أن يهتم بنفسه فقط.

وقد رد أبو بكر الصديق رضي الله عنه على هذا الفهم الخاطئ قائلاً: “أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية… وتضعونها على غير مواضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه”.

2. جمع المتشابهات لإثارة الشبهات

الطريقة الثانية الخطيرة التي يلجأ إليها المضللون هي جمع الآيات المتشابهة في القرآن الكريم، والتي قد يبدو ظاهرها للوهلة الأولى فيه تعارض أو غموض، ثم إلقائها على الناس بهدف التشكيك في القرآن والوحي.

والقرآن الكريم نفسه أقر بوجود المتشابهات، فقال تعالى: “هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات”.

أما من في قلوبهم زيغ، فهم “يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله”. كلمة “يتبعون” بالتشديد تدل على حرصهم الشديد وجهدهم في البحث عن هذه المتشابهات ليس لطلب الهدى أو الفهم، بل لهدف بث الفتنة والتشكيك، ولتأويلها بما يتوافق مع أهوائهم المنحرفة.

“قد يهمك: كشف الحقائق وراء الأسماء والأحكام


التحصين من الضلال بالقرآن: منهج السلف وحكمة العلماء

1. انظر عمن تأخذ دينك

قال محمد بن سيرين، وهو من كبار التابعين: “إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم”. هذه القاعدة الذهبية تعني أن المسلم لا ينبغي أن يأخذ علمه الشرعي عن أي شخص يتحدث بالقرآن والسنة، بل يجب عليه أن يتحرى عن مصدر العلم.

2. لاحظ فلتات اللسان

من رحمة الله بعباده أنه يكشف أهل الزيغ والضلال بفلتات ألسنتهم. فكما قال تعالى: “ولتعرفنهم في لحن القول”. العلماء الربانيون وأهل الحق يتميزون بحفظ ألسنتهم، بينما المضللون لا يبالون بذلك، فتظهر زلاتهم التي تفضح حقيقة قلوبهم ونواياهم.

3. استشر العلماء الثقات

إذا واجهتك شبهة أو سمعت قولاً غريبًا عن القرآن، فلا تكتفِ برأي من ألقى الشبهة، بل ارجع إلى العلماء الربانيين الثقات المعروفين بالعلم والورع والتقوى.

“قد يهمك: جريمة قتل الحاجة سميرة


مخاطر الضلال بالقرآن: الخاتمة

إن فتنة الضلال بالقرآن هي من أعظم الفتن، لأنها تمس صميم الإيمان ومصدر الهداية. فإذا استخدم الشياطين، سواء كانوا من الإنس أو الجن، كتاب الله لإضلال الناس، فإن الخطب يجل. والمسؤولية تقع على كل مسلم في أن يحمي نفسه من هذه الفتنة. فمع أن القرآن محفوظ، فإن العقول والقلوب ليست معصومة من الانحراف. ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من “دجالين كذابين يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم”.

إن اتباع المنهج السليم في التلقي، والتحقق من مصادر العلم، والرجوع إلى العلماء الراسخين، والتدبر في آيات الله بفهم سليم، كلها سبل تضمن بإذن الله حماية المسلم من الوقوع في فخ الضلال. نسأل الله أن يثبتنا على الإيمان، وأن يحفظنا من شياطين الإنس والجن، وأن يجعلنا من المهتدين بالقرآن العاملين به، لا من الذين يزيغون به.

Leave A Reply

Your email address will not be published.