عودة الإخوان المسلمين في السودان وسط الفوضى
The Muslim Brotherhood's Return to Sudan Amid Chaos
تعرف على كيفية استغلال الإخوان المسلمين للفوضى في السودان للعودة إلى الساحة السياسية. تحليل شامل لتاريخهم، استراتيجياتهم، ودور الأطراف الدولية

في قلب السودان، حيث يلتقي التاريخ الغني بالاضطرابات السياسية، تعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الواجهة وسط دخان الحرب والفوضى. بعد سقوط نظام عمر البشير في 2019، ظن الكثيرون أن الجماعة قد انتهت. ولكن، كما يظهر الآن، فإن الإخوان لم يختفوا، بل أعادوا ترتيب صفوفهم بهدوء، مستغلين الانقسامات الداخلية والتجاذبات الإقليمية. في هذا المقال، سنستعرض تاريخ الجماعة في السودان، محاولاتهم للعودة، والدور الذي تلعبه الأطراف الدولية في هذا الصراع.
قائمة المحتويات
تاريخ الإخوان المسلمين في السودان
ترجع جذور جماعة الإخوان المسلمين في السودان إلى ستينيات القرن الماضي، لكنها حققت قفزة نوعية في عام 1989 عندما دعمت انقلاب عمر البشير الذي أطاح بالحكومة المنتخبة آنذاك. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الجماعة العمود الفقري للنظام السياسي في السودان على مدار ثلاثة عقود.
- سياسة التمكين:
اتبعت الجماعة سياسة “التمكين”، وهي استراتيجية تهدف إلى إقصاء كل من لا ينتمي إليها وتعيين الموالين في مفاصل الدولة الحساسة. تسللت الجماعة إلى القضاء، الإعلام، الجامعات، النقابات، وحتى الأجهزة الأمنية. كما سيطرت على الاقتصاد عبر شركات وهمية وجمعيات خيرية، بعضها كان مرتبطًا بقطر وتركيا.
- العزلة الدولية:
خلال عهد البشير، أصبح السودان متهمًا دوليًا بدعم الإرهاب، خاصة بعد استضافة شخصيات مثل أسامة بن لادن. وعلى الرغم من الخلافات التي نشبت لاحقًا بين البشير وحسن الترابي، ظل النظام الإخواني قائمًا حتى سقوط البشير في 2019.
ثورة 2019: سقوط النظام ولكن ليس الجذور
- الإطاحة بالبشير:
في أبريل 2019، خرجت مظاهرات شعبية عارمة في السودان، هاتفة بشعارات الحرية والتغيير. نجحت الثورة في الإطاحة بعمر البشير، مما أدى إلى سقوط أحد أقوى أنظمة الإسلام السياسي في المنطقة. ومع ذلك، لم تكن هذه نهاية القصة.
- تكتيك الكمون المؤقت:
بعد سقوط النظام، تم حل حزب المؤتمر الوطني، الذراع السياسية للإخوان، وصودرت أموال الجماعة. لكن الإخوان لم يختفوا، بل لجأوا إلى استراتيجية “الكمون المؤقت”، حيث أعادوا تنظيم أنفسهم عبر أحزاب صغيرة بمسميات جديدة وشخصيات مستقلة ظاهريًا.
- تشويه الثورة:
استغلت الجماعة الفجوة الأمنية والانقسامات السياسية داخل الحكومة الانتقالية لتشويه صورة الثورة، خاصة في المناطق الريفية التي لا يزال لها فيها حضور تنظيمي ومالي قوي عبر الجمعيات الخيرية والمنظمات الدعوية.
عودة الإخوان وسط الحرب الحالية
اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، مما خلق بيئة مثالية للإخوان للعودة إلى الساحة. ركزت الجماعة على محورين:
- الإعلام: تضخيم خطابهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والترويج لروايات تحمل الثورة مسؤولية الانهيار.
- التنظيم: إعادة تفعيل خلاياهم في الأحياء والمخيمات، وحتى داخل بعض وحدات الجيش المتعاطفة معهم.
التنسيق العسكري المزعوم
تشير تقارير استخباراتية إلى وجود عناصر إخوانية في مناطق سيطرة الجيش، وبعضهم عاد إلى السودان من الخارج مع اندلاع الحرب. هناك أيضًا شكوك حول تنسيق غير مباشر بين الجماعة وأجنحة داخل المؤسسة العسكرية لتصفية خصومها من قوى الثورة.
الدور الدولي في عودة الإخوان

تركيا وقطر: داعمان رئيسيان
- تركيا: منذ اندلاع الثورات العربية، أصبحت تركيا ملاذًا آمنًا لحركات الإسلام السياسي، بما في ذلك الإخوان المسلمين. في السودان، كانت أنقرة لاعبًا رئيسيًا خلال عهد البشير، حيث وُقعت اتفاقيات استراتيجية مثل مشروع تطوير جزيرة سواكن. ومع سقوط البشير، دخلت تركيا مرحلة “التموضع الحذر”، لكنها لم تقطع صلتها بالإخوان.
- قطر: استمرت الدوحة في دعم الجماعة ماليًا ولوجستيًا، مما ساعدها على الحفاظ على شبكاتها التنظيمية، خاصة في المناطق الريفية.
التحديات أمام تركيا
تحاول تركيا اليوم تطبيع علاقاتها مع دول معادية للإخوان مثل مصر والسعودية والإمارات. هذا يضع أنقرة في موقف صعب، حيث تحاول الموازنة بين مصالحها الإقليمية ودعمها التقليدي للإخوان.
تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية: جدل داخلي وخارجي
التردد السوداني
على الرغم من تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية في دول مثل مصر والسعودية، لم يتخذ السودان هذا القرار بعد. يعود ذلك إلى:
- الانقسامات الداخلية: بين المكون المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية.
- التداعيات المحتملة: فتح تحقيقات موسعة حول أموال الجماعة ونفوذها داخل المؤسسة العسكرية.
ردود الفعل الدولية
تراقب الدول الداعمة للإخوان، مثل تركيا وقطر، هذا القرار بحذر، خشية أن يؤدي إلى حملة اعتقالات ومصادرة واسعة تشمل حتى الجمعيات الخيرية المرتبطة بالجماعة.
رأي الشارع السوداني
في ظل الحروب والتشظي، يميل المزاج الشعبي إلى الاستقرار أكثر من المواجهات الجديدة. ومع تصاعد الحرب الحالية والأخبار المتنوعة، تتراجع الأولويات القانونية والأيديولوجية أمام صوت المدافع والجوع والنزوح.
سيناريوهات المستقبل: هل يعود الإخوان؟
- عودة محتملة: إذا استمرت مؤسسات الدولة السودانية في الانهيار، قد تجد الجماعة فرصة ذهبية للعودة إلى السلطة، مستفيدة من تنظيمها القوي وخبرتها في استغلال الفوضى.
- هزيمة نهائية: على الجانب الآخر، إذا تمكنت قوى الثورة من توحيد صفوفها وتحقيق الاستقرار، قد يكون ذلك نهاية الجماعة في السودان (Sudan).
- دور الأطراف الدولية: يبقى الدور الدولي حاسمًا في تحديد مصير الإخوان. دعم تركيا وقطر أو تراجعهما قد يكون العامل الفاصل في عودتهم أو نهايتهم.
عودة الإخوان المسلمين في السودان وسط الفوضى: الخاتمة
الإخوان المسلمون في السودان هم مثال حي على قدرة الجماعات السياسية على التكيف مع المتغيرات. من السيطرة المطلقة إلى السقوط المؤلم، ومن الكمون إلى محاولة العودة، تظل الجماعة لاعبًا رئيسيًا في المشهد السوداني. ومع استمرار الحرب والانقسامات، يبقى السؤال: هل ستتمكن السودان من بناء دولة مدنية مستقرة دون قطع علاقتها بالإسلام السياسي؟ أم أن الإخوان سيعودون مجددًا تحت مسمى جديد وشعار مختلف؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة.