تنظيم ثورة مصر: القصة الكاملة لأخطر تنظيم سري استهدف الموساد في قلب القاهرة

معلومات عن محمود نور الدين ضابط المخابرات المصرية الذي عارض زيارة الرئيس أنور السادات إلى الكنيست الإسرائيلي وأسس تنظيم ثورة مصر، وكيف انتهى هذا التنظيم

تنظيم ثورة مصر

في تاريخ الأمم، تبرز لحظات فارقة تشكل نقطة تحول في مسارها. بعض هذه اللحظات تكون علنية مدوية، بينما يظل البعض الآخر حبيس الظلال، لا تكشف أسراره إلا الأيام، لتكشف عن فصول من الشجاعة والتضحية، وأحيانًا الخيانة التي قد تغير مجرى الأحداث.

في قلب القاهرة الصاخبة، وبالتحديد في ثمانينيات القرن الماضي، نشأت قصة تنظيم سري حمل اسمًا ذا دلالة عميقة: “تنظيم ثورة مصر”. هذا التنظيم، الذي ظل لسنوات لغزًا محيرًا لأجهزة المخابرات العالمية، لم يكن مجرد مجموعة من الأفراد، بل كان تجسيدًا لروح مقاومة متجذرة، وقصة ضابط مخابرات مصري سابق آمن بأن الخيانة قد أتت من أعلى المستويات، فقرر أن ينتقم بطريقته الخاصة.

المعلومات التي كشفت عنها الأيام لاحقًا، والتي بدأت تتكشف خيوطها عبر مكالمة هاتفية غامضة من كشك صغير في حي “الجديدة” عام 1987، كشفت الستار عن تنظيم كانت درجة سريته توازي درجة خطورته، تنظيم استهدف رجال الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) داخل مصر، وبلغ من التنظيم سريته أن أجهزة مخابرات متعددة فشلت في تتبعه. لكن كما يقول المثل: “دائمًا ما تكون الخيانة هي السبب”، وهذا ما حدث بالضبط، فكانت الصدمة الكبرى ليست في الخيانة بحد ذاتها، بل في شخص الخائن.


محمود نور الدين: ضابط مخابرات وشرارة المقاومة

الحكاية تبدأ مع شخصية محورية، هو الضابط محمود نور الدين، أحد أفراد جهاز المخابرات العامة المصرية، والذي كان يعمل بالسفارة المصرية في لندن. ولد في الإسكندرية يوم 26 يناير عام 1940. في التالي أهم صفاته ومميزاته:

  • عقلية منظمة وذكاء حاد
  • لبق واجتماعي ويمتلك قدرة على الإقناع
  • وطني حتى النخاع وعاشق لتراب مصر
  • يحمل حبًا جارفًا للرئيس جمال عبد الناصر

هذه الصفات جعلته على رادار المخابرات العامة المصرية، ليتم اختياره رسميًا للعمل بالجهاز. تدرب محمود نور الدين بإتقان على رصد ومتابعة النشاط الصهيوني في بريطانيا، وكان مسؤولًا عن تتبع ورصد اللوبي اليهودي، بالإضافة إلى جمع وتحليل المعلومات الحساسة قبل حرب أكتوبر 1973. أداؤه المميز أهّله للحصول على وسام الشجاعة بعد الحرب.


نقطة التحول: صدمة زيارة السادات للقدس

بالنسبة لمحمود نور الدين، كانت اللحظة الفارقة يوم السبت 19 نوفمبر 1977، عندما وقف الرئيس أنور السادات في الكنيست الإسرائيلي.

  • شعر بالصدمة وكأن الزمن توقف.
  • قدّم استقالته من المخابرات دون إبداء أسباب.
  • بقي في لندن معارضًا لقرار السادات.

أسس جريدة “23 يوليو” التي لاقت دعمًا من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، لكنها لم تستمر أكثر من عام ونصف بسبب توقف التمويل. عاش بعدها فترة تخبط حتى عاد إلى مصر عام 1983 بعد عشرين عامًا من الغربة.

“قد يهمك: مصفاة الذهب في مصر

“اطلع على: محمد أنور السادات: رؤية سياسية في زمن التحديات”


العودة إلى مصر وتأجج شرارة الانتقام

محمود نور الدين
محمود نور الدين

عند عودته، كان المشهد مؤلمًا:

  • دخول الإسرائيليين إلى مصر تحت مسمى السياحة.
  • رفع العلم الإسرائيلي فوق سفارتهم في القاهرة.
  • تهديدات بالقتل لكل من يعارض وجودهم.

كما ظهرت حركة صهيونية متطرفة تُعرف باسم “كاخ”، كانت ترسل خطابات تهديد للمثقفين والسياسيين المصريين. بفضل خبرته، تعرّف محمود بسهولة على ضباط الموساد العاملين في مصر تحت غطاء دبلوماسي. كل هذه العوامل أشعلت في داخله فكرة الانتقام بطريقته الخاصة.


نشأة تنظيم ثورة مصر: منظمة ناصرية سرية

قرر محمود نور الدين بعد لقاء مع خالد جمال عبد الناصر تأسيس منظمة ناصرية سرية تستهدف عناصر الموساد في مصر. في التالي أبرز عناصر التنظيم:

  • خالد جمال عبد الناصر → مسؤول التمويل
  • أحمد عصام الدين (شقيق محمود) → مسؤول تجنيد العناصر
  • محي الدين عادل رجب → عقيد متقاعد بالقوات المسلحة
  • المقدم أحمد علي محمد علي → بطل حرب أكتوبر وحاصل على نجمة سيناء

“تعرف على: اللغة المصرية العامية


عمليات التنظيم الجريئة

في التالي بيان وعرض لعمليات التنظيم الجريئة:

العملية الأولى: استهداف زئيف كدار (مسؤول أمن السفارة الإسرائيلية)

  • كان الهدف ضابط الموساد زئيف كدار في حي المعادي.
  • اشتروا سيارة فيات 128 بدلًا من سرقة واحدة التزامًا بمبدأ “عدم إيذاء أي مصري”.
  • في 4 يونيو 1984، نفذوا العملية بعد صلاة ركعتين بمسجد جمال عبد الناصر.
  • تعطّل سلاح محمود للحظة لكن المقدم أحمد علي تدخّل وأطلق النار.
  • أصيب الهدف وتمكّن التنظيم من الانسحاب.

أصدروا أول بيان رسمي جاء فيه: “العمليات مستمرة حتى خروج آخر إسرائيلي من مصر”.


العملية الثانية: مقتل ألبرت أتراكشي (رجل الموساد في إنجلترا)

لكن التنظيم بدأ يعاني من الخلافات الداخلية بسبب إدمان أحمد عصام الدين على الهيروين وطمعه في أموال التمويل:

  • اتصل بالسفارة الأمريكية طالبًا نصف مليون دولار وجواز سفر أمريكي مقابل تسليم معلومات عن التنظيم.
  • بالفعل قدّم كل المعلومات، لكن السفارة خدعته ولم تنفذ طلباته.
  • سلّمت السفارة ملفًا كاملًا عن التنظيم للرئيس مبارك متجاوزة أجهزة الأمن.

سقوط التنظيم ومحاكمات أعضائه

تنظيم ثورة مصر محمود نور الدين
تنظيم ثورة مصر محمود نور الدين

في 17 سبتمبر 1987، ألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض على جميع الأعضاء باستثناء خالد جمال عبد الناصر الذي فر خارج البلاد ثم عاد لاحقًا وسلم نفسه. في التالي الأحكام القضائية (2 أبريل 1991):

  • السجن المؤبد (25 سنة) → محمود نور الدين
  • السجن 15 سنة → أحمد عصام الدين
  • السجن 15 سنة → نظمي شاهين
  • البراءة → خالد جمال عبد الناصر، جمال شوقي عبد الناصر، شريف حسين الشافعي

توفي محمود نور الدين داخل السجن في سبتمبر 1998، ليسدل بذلك الستار على قصة “تنظيم ثورة مصر”.

“قد يهمك: مستقبل الاقتصاد المصري


تنظيم ثورة مصر: النهاية وخاتمة

لم يكن “تنظيم ثورة مصر” مجرد حادثة عابرة في تاريخ مصر الحديث، بل كان تجسيدًا للصراع الأيديولوجي بعد حرب أكتوبر واتفاقية كامب ديفيد.

  • من ضابط مخابرات وطني إلى معارض سياسي ثم قائد لتنظيم مسلح.
  • القصة كشفت كيف يمكن للأحداث الكبرى أن تغيّر مسار حياة الأفراد.
  • أبرزت دور الخيانة الداخلية كعامل حاسم في سقوط أقوى التنظيمات.

هذه القصة تذكير دائم بأن التاريخ لا يُكتب كله في العلن، وأن هناك دومًا فصولًا مخفية لا تنكشف إلا بعد عقود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top