لطالما كُتب التاريخ بأقلام المنتصرين، ولكن ماذا لو جاءت شهادةٌ من قلب الحدث، لتقلب الموازين وتعيد رسم الصورة؟ في هذا المقال، نغوص في أعماق حوار يكشف زوايا مظلمة وغير متداولة من تاريخ ثورة يوليو المصرية، ويسلط الضوء على شخصية أثارت الجدل لعقود: الرئيس الراحل أنور السادات.
قائمة المحتويات
على لسان أحد شهود العيان وصناع التاريخ، اللواء حسين الشافعي (الذي يتوافق أسلوب الكلام والمعلومات مع شهاداته المعروفة)، نتعرف على رؤية مغايرة تمامًا لما هو سائد، رؤية تضع تساؤلات خطيرة حول الأدوار الخفية، الخيانة، والمؤامرات التي قد تكون شكّلت مصير أمة. هذا المقال ليس مجرد سرد تاريخي، بل دعوة لإعادة التفكير في الأحداث الكبرى التي مرت بها مصر، من خلال عدسة لم ترَ النور بالكامل.
محمد نجيب وسيناريو الثورة المأساوي
في لقاء مع اللواء حسين الشافعي تم نشره على قناة ART TV Network في اليويتوب، تم الحديث عن أمور كانت صادمة للكثير من الأشخاص. هذا لقاء كان مع المذيعة هالة سرحان. يفتتح الحوار بشهادة مروّعة تُنسب إلى اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد الثورة، والتي تلخص – حسب الرواية – سيناريو الثورة بشكل مأساوي.
نجيب يقول: “خلصتهم من فاروق، وخلصهم سليمان حافظ من كبار السياسيين والأحزاب، وخلصهم يوسف صديق من نفسه، وخلصهم ضباط المدفعية من عبد المنعم أمين، وخلصهم ضباط الفرسان من خالد محي الدين، وتخلصوا مني.”
هذه الفقرة تكشف عن سلسلة من التخلصات الداخلية التي شهدتها الثورة، وكيف أن الضباط الأحرار، بعد أن أزاحوا الملك، بدأوا في تصفية بعضهم البعض، سياسيًا أو جسديًا.
- تخلصوا من الملك فاروق.
- أبعدوا كبار السياسيين والأحزاب.
- تم التخلص من يوسف صديق.
- ضباط المدفعية أزاحوا عبد المنعم أمين.
- ضباط الفرسان تخلصوا من خالد محيي الدين.
- وفي النهاية، تمت إزاحة محمد نجيب نفسه.
يصل نجيب إلى ذروة التراجيديا بقوله إن عبد الناصر تخلص من أغلبهم، ولم يبقَ إلا:
- جمال عبد الناصر.
- عبد الحكيم عامر.
- أنور السادات.
- حسين الشافعي.
ثم تأتي النقطة الأكثر إثارة للجدل: “أما هو وعامر فقد تخلص منهما اليهود في حرب يونيو 67.” هذا الادعاء الصادم يشير إلى أن حرب 1967 لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كانت جزءًا من مؤامرة أكبر للتخلص من رموز معينة. بينما نجا حسين الشافعي من متاعبهم، يبقى محمد أنور السادات الذي “كان يُعرف بدهاء الفلاح المصري كيف يتجنب الأهواء والعواصف.”
اتهامات العمالة: هل كان السادات عميلاً للمخابرات الأمريكية؟
يصل الحوار إلى نقطة اللاعودة عندما تُثار قضية عمالة أنور السادات. يشير حسين الشافعي إلى خبر نشرته الواشنطن بوست في عام 1976، والتي تُعتبر لسان حال الحكومة الأمريكية الرسمي.
الخبر يدعي أن السادات:
- “زُرِع كعميل للمخابرات المركزية الأمريكية منذ الستينات.”
- فعل ذلك “بناءً على طلبه ليضمن دخلاً ثابتًا.”
- كانت مخصصاته تُدفع من خلال كمال أدهم.
المتحدث يؤكد أنه يصدق هذا الخبر، مستدلًا بـ”تداعي الأمور بعد ذلك” التي يرى أنها تؤكد الادعاء. وعندما يُسأل عن الدليل، يشير إلى أن الصحيفة الأمريكية نشرته، وأنها نشرت أيضًا عن الملك حسين في الأسبوع السابق. الملك حسين اعترف بتلقي الأموال لكنه ادعى صرفها على الفلسطينيين، بينما السادات التزم الصمت.
هذا الصمت فُسر على أنه “إذا عرف السبب بطل العجب”، وأن السادات كان يسعى “لعيش في حضن مريح… والقرارات تأتيه جاهزة.” هذه الاتهامات الجسيمة تلقي بظلال كثيفة على شرعية حكم السادات وتضع كافة قراراته السياسية في موضع شك.
علاقة السادات بعبد الحكيم عامر: قرب ومصالح

لتعزيز صورة أنور السادات المثيرة للجدل، ينتقل الحوار إلى علاقته بالمشير عبد الحكيم عامر، الذي كان الذراع اليمنى لجمال عبد الناصر.
- كان السادات كثير السهر في بيت عامر.
- كان يشكو خلال هذه السهرات من أوضاعه.
- عبد الحكيم عامر كان يغطي نفقاته الخاصة.
هذه العلاقة الحميمة توحي بوجود شبكة مصالح خفية بين السادات وكبار رجال الدولة. وهو ما يفسر:
- بقاء السادات في دائرة السلطة رغم تاريخه المتقلب.
- تجنبه المصير الذي لاقاه آخرون بالإقصاء أو التصفية.
انقلاب 1954 ودور السادات المشبوه
يشير حسين الشافعي إلى أن السادات لم يحضر محاكمات “مجلس الثورة مجتمعًا” بعد انقلاب 1954، وكان وجوده منذ 1953 محل اعتراض.
الأسباب كانت واضحة:
- السادات كان من “الحرس الحديدي” المقرب من الملك.
- ماضيه السياسي كان ملتبسًا وغير واضح.
- سبق أن حاول اغتيال أمين عثمان.
السؤال الذي يطرحه المتحدث: “لماذا أصر عبد الناصر على إدخاله المجلس رغم كل ذلك؟” ليظل وجود السادات ضمن الضباط الأحرار لغزًا كبيرًا.
حرب 1967: مؤامرة دولية والتخلص من عبد الناصر
يؤكد حسين الشافعي أن حرب يونيو 1967 لم تكن مجرد هزيمة عسكرية بل “خيانة ومؤامرة اتفقت فيها الأطراف.”
الأطراف المشاركة، حسب قوله:
- الروس.
- الأمريكيون.
- اتفاق ودي شبيه بالوفاق الإنجليزي–الفرنسي عام 1904.
أما الهدف من هذه المؤامرة فهو التخلص من جمال عبد الناصر كرمز للمقاومة والإرادة الحرة. ويضيف: “ما حدث في 67 كان خيانة… واستُدرج فيها من استُدرج… لتعيش الأمة النتيجة.”
“قد يهمك: التحرر من عقلية الضحية“
حرب أكتوبر 1973 وثغرة الدفرسوار: خيانة أم عبقرية؟

رغم الاعتراف بانتصارات أكتوبر، يصف حسين الشافعي السادات بأنه “بطل الثغرة” لا “بطل الحرب.”
- اتُهم بسحب الاحتياطي العسكري ودفعه إلى فخ مدبر.
- أتاح للإسرائيليين العبور كما عبر المصريون.
- نتجت خسائر فادحة للطرفين.
الهدف من الثغرة وفق حسين الشافعي هو:
- تم تجهيزها مسبقًا لفرض الحل السياسي.
- صارت وسيلة لإنهاء الحرب وتدويل القضية.
- فتحت الباب أمام مفاوضات السلام.
صناعة السلام ونتائجها: سيناء “شوية رمل”؟
- اتفاقية كامب ديفيد:
رغم استعادة سيناء، يرى حسين الشافعي أن السادات لم يحقق إنجازًا حقيقيًا، إذ وصف سيناء بأنها “شوية رمل منزوعة السلاح.”
- اتفاقيات الثقافة والتجارة:
يعتبرها حسين الشافعي أدوات لفرض السيطرة، التجارة “كي يبتلعونا اقتصاديًا.” والثقافة “كي لا نفضحهم بما يقوله القرآن عن اليهود.”
- الهدف من مسار السادات:
يرى حسين الشافعي أن وجوده في الحكم كان لتقويض ما بُني منذ 1967 وحتى 1973، وتوجيه مصر لخدمة مصالح خارجية.
“اطلع على: نظام البكالوريا في مصر“
حسين الشافعي: الشاهد والمدافع عن الحقيقة
يقول الشافعي: “شهدت الأحداث على الطبيعة… لا بالاستنتاج.” “يكفي أن عملية الثغرة… يصعب أن أصدق أنها من زعيم عربي.” أما موقفه من السادات فلم يصرح بكلمة “خيانة”، لكنه أكد اتهام الصحافة الأمريكية للسادات بالعمالة، وظل يؤكد أنه ينقل ما “قالوه هم” لا ما يستنتجه. أما موقفه من عبد الناصر فقال “لم أختلف مع جمال عبد الناصر.” وقال “أنا أدافع عن البلد التي يجب أن تعرف الحقيقة.”
الخاتمة: الحقيقة بين السطور
إن الشهادة التي قدمها هذا الحوار تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول حقبة من أهم الحقب في تاريخ مصر الحديث:
- اتهامات العمالة.
- المؤامرات الدولية.
- دور السادات في حرب أكتوبر ومعاهدة السلام.
كلها عناصر تتحدى الروايات الرسمية وتدعو لإعادة قراءة التاريخ بعين أخرى. قد لا يتفق الجميع مع كل ما ورد، لكنها تبقى شهادة خطيرة من شاهد عيان، تكشف جانبًا آخر من التاريخ، وتضع الأجيال القادمة أمام مسؤولية البحث عن الحقيقة كاملة، بعيدًا عن التزييف أو التلميع. في الختام نحن لا نُؤكد كلام اللواء حسين الشافعي ولا ننفيه، بل ننقل فقط تحليل لحقبة من تاريخ مصر الحديث من أحد الأشخاص الذين عاصروه.

مها أحمد كاتبة ومدونة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين التجربة الشخصية والتحليل الموضوعي. تكتب عن قضايا اجتماعية وثقافية وفكرية بأسلوب سلس يلامس اهتمامات القارئ اليومية.
تمتاز بأسلوبها العفوي الذي يدمج بين الطابع الشخصي والتعبير الحر، مما يجعل التدوينات قريبة من القارئ وواقعية. كما تحرص على طرح أفكار جديدة ومناقشة قضايا مجتمعية بطريقة مفتوحة للنقاش.
من خلال مدوناتها، تسعى مها أحمد إلى مشاركة الأفكار والخبرات وتبادل الرؤى مع الجمهور، لتجعل من التدوين مساحة للتواصل والإلهام.