الاقتصاد السري في سوريا الجديدة: أسرار، تحديات، ومستقبل
The underground economy in the new Syria: secrets, challenges, and future
اكتشف أسرار الاقتصاد السري في سوريا بعد سقوط النظام، وكيف تشكلت لجنة الظل لإعادة الهيكلة الاقتصادية وسط جدل واسع حول الشفافية والعدالة

منذ سقوط النظام السوري السابق، دخلت البلاد في مرحلة من الضبابية السياسية والاقتصادية، ومع هذا الفراغ، برزت جهات غير رسمية تسعى لملء هذا الفراغ وإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي في سوريا. من بين هذه الجهات، برزت “لجنة الظل”، كيان خفي يثير كثيرًا من التساؤلات حول أهدافه وآلياته وأشخاصه.
قائمة المحتويات
تقرير وكالة “رويترز” الاستقصائي كشف عن نشاط هذه اللجنة التي تعمل خلف الكواليس، وتعتمد أسلوبًا جديدًا في السيطرة الاقتصادية لا يشبه ما كان سائدًا في عهد النظام السابق. هذه المقالة تتعمق في أدوار لجنة الظل، الأسماء المرتبطة بها، الشبكات المالية التي تم الاستحواذ عليها، ردود فعل الشارع، ورؤية سوريا الاقتصادية في المستقبل.
نشأة الاقتصاد السري في سوريا
لجنة الظل: بداية غامضة
ظهرت لجنة الظل في مرحلة انتقالية من الفوضى والفراغ المؤسساتي. مع انهيار المؤسسات الرسمية، بدأت هذه اللجنة بالتحرك على الأرض من دون إعلان رسمي أو اعتراف سياسي. يقال إن الفكرة نشأت بين مجموعة من النخب الدينية والسياسية التي رأت ضرورة التحرك بسرعة قبل أن ينهار الاقتصاد بشكل كامل.
شخصيات تقود من الظل
اللجنة يقودها حازم الشرع، وهو شخصية نافذة وشقيق الرئيس السوري الجديد، إلى جانب شخصية مثيرة للجدل تُعرف باسم “الشيخ أبو مريم”، والذي كشف لاحقًا أنه إبراهيم سكريا، أسترالي من أصول لبنانية، عُرف بعلاقاته الواسعة في الأسواق السوداء والشبكات المالية الدولية.
من إدلب إلى دمشق: تحول اقتصادي
بدأت تجربة لجنة الظل في إدلب، حيث كانت خارج سيطرة النظام، وكانت تُدار من قبل هيئة تحرير الشام. هناك، تم اختبار نماذج أولية لإدارة المال والتجارة والضرائب، ما وفر أرضية خصبة لصقل أدوات السيطرة الاقتصادية.
صعود شخصيات جديدة
من بين أبرز الشخصيات التي برزت في تلك الفترة:
- أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني): الرجل الأقوى حينها، أدار الملفات الأمنية والاقتصادية بيد واحدة.
- مصطفى قديد (أبو عبد الرحمن): تحوّل من شخص بسيط يدير فرنًا للخبز إلى رئيس الجناح المالي للجنة، مستفيدًا من خبرته في التعامل مع الموردين والتمويل غير الرسمي.
إدلب كحقل تجارب
تعاملت لجنة الظل مع إدلب كمنصة لاختبار آليات جديدة لتحصيل الأموال، مثل فرض رسوم غير رسمية على المعابر، تنظيم التجارة، وحتى تقديم بعض الخدمات مقابل رسوم. هذه التجربة أصبحت نموذجًا انتقل لاحقًا إلى دمشق.
“قد يهمك: تحليل البورصة المصرية“
الصفقات السرية وإعادة الهيكلة الاقتصادية

من خلال تسويات مالية وضغوط مباشرة، تمكنت لجنة الظل من فرض سيطرتها على عدد كبير من الشركات الكبرى. أبرز ما تم الاستحواذ عليه:
- شركة سيريتل: كانت واحدة من رموز النظام السابق وأصبحت الآن تحت إدارة جديدة.
- شركة أجنحة الشام للطيران: أُعيد إطلاقها باسم “فلاي شام” بطاقم إداري جديد.
- سامر فوز ومحمد حمشو: شخصيتان اقتصاديتان نافذتان في النظام السابق تم إلزامهما بالتنازل عن ما يزيد عن 80% من أصولهما.
طرق السيطرة: لم تعتمد اللجنة على قرارات قضائية أو مصادرة رسمية، بل فضّلت التفاوض والتسويات. بعض رجال الأعمال وافقوا خوفًا من العقوبات، وآخرون رأوا فيها وسيلة للنجاة والاحتفاظ بجزء من ثرواتهم.
تساؤلات أخلاقية:
رغم أن الهدف المعلن هو إعادة التوازن الاقتصادي، إلا أن هناك تساؤلات عميقة حول شرعية هذه الإجراءات. يرى البعض أن ما حدث هو عملية “تدوير نخب”، لا تختلف كثيرًا عن ما كان في السابق.
من مجموعة العهد إلى لجنة الظل
- إرث النظام السابق: النظام السابق بنى ما يُعرف بـ”مجموعة العهد”، وهي شبكة ضخمة من الشركات يديرها رجال مقرّبون من القصر الجمهوري. هذه الشبكة سيطرت على قطاع الاتصالات، النقل، الطاقة، والتجارة الخارجية.
- إعادة توزيع الأدوار: عوضًا عن تفكيك هذه الشبكة، قامت لجنة الظل بإعادة توزيعها وتغيير الوجوه. لم تُلغَ الشركات بل غُيّرت أسماء المساهمين وأعيد تشكيل مجالس الإدارة لتكون تحت إشراف اللجنة.
ردود فعل الشارع السوري
- إحباط وغضب: الشعب السوري كان يأمل في تغيير جذري بعد سقوط النظام، إلا أن عودة بعض الشخصيات السابقة بثوب جديد أثارت غضبًا واسعًا. ظهرت مظاهرات صغيرة في أحياء دمشق وحلب تطالب بالعدالة والمحاسبة، لكن هذه الاحتجاجات قُمعت أو تم تجاهلها.
- أصوات من الداخل: حتى بعض المسؤولين السابقين انتقدوا علنًا أساليب لجنة الظل. وزير التجارة السابق، عمر سالم، حذّر من غياب الشفافية، وقال إن البلاد بحاجة إلى مؤسسات حقيقية لا إلى لجان غير معلنة.
الاقتصاد الجديد والرسائل العالمية
- محاولة للظهور بمظهر الدولة: لإقناع المستثمرين، عقدت دمشق مؤتمرات اقتصادية دولية، كان أبرزها ذلك الذي حضره وفد سعودي وطرحت فيه مشاريع بقيمة 6 مليارات دولار. لكن هذه المحاولات لم تلقَ صدى واسعًا بسبب الغموض المحيط بالبنية الاقتصادية الجديدة.
- تحدي السمعة: رغم الرسائل الإيجابية التي تحاول لجنة الظل إيصالها، إلا أن تقارير المنظمات الدولية والحقوقية تعرقل أي محاولات لجذب رؤوس الأموال بسبب الشكوك في العدالة والحوكمة.
مستقبل الاقتصاد السوري
تحديات مركزية:
- الثقة الشعبية: لا يمكن بناء اقتصاد دون دعم الناس.
- الشفافية: يجب الإعلان عن الجهات الفاعلة في القرار الاقتصادي.
- العدالة الاقتصادية: لا بد من توزيع الثروة بشكل يضمن حياة كريمة للجميع.
فرص واعدة:
رغم الغموض، إلا أن هناك فرصة حقيقية إذا تم اعتماد إصلاحات حقيقية وشاملة، خاصة إذا تم إشراك الكفاءات المحلية وفتح الأبواب أمام مبادرات القطاع الخاص.
“تعرف على: دليل شامل للاستثمار في سوق الأسهم للمبتدئين”
“تعرف على: أسرار البنوك: كيف تُصنع الأموال من العدم؟”
الاقتصاد السري في سوريا الجديدة: الخاتمة
في نهاية المطاف، يمثل الاقتصاد السري في سوريا الجديدة اختبارًا حقيقيًا لقدرة البلاد على إعادة بناء نفسها بعد سنوات من الدمار. لجنة الظل تمثل نموذجًا جديدًا في إدارة ما بعد الحرب، لكنها ليست بمنأى عن الانتقادات والمخاوف. التحدي الأكبر ليس في السيطرة، بل في بناء اقتصاد عادل وشفاف يحقق تطلعات السوريين. يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتحول لجنة الظل إلى مؤسسة اقتصادية حقيقية تخدم الصالح العام، أم أنها مجرد نسخة جديدة من شبكات الفساد القديمة؟