الصلاة هي عماد الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، بل هي الصلة المباشرة بين العبد وربه. لذا، فإن السعي لتمامها وإتقانها على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، ويوافق سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هو أمر بالغ الأهمية. فصحة الصلاة وقبولها يتوقفان على مدى التزام المصلي بصفة الصلاة التي علمنا إياها النبي الكريم. ومع ذلك، يقع الكثير من المسلمين في الأخطاء الشائعة في الصلاة، بعضها قد يؤثر على صحة الصلاة أو ينقص من أجرها، دون أن يدركوا ذلك.
قائمة المحتويات
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أبرز الأخطاء الشائعة في الصلاة التي يقع فيها المصلون، مع بيان الصفة الصحيحة لكل ركن أو حركة، استنادًا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم. سنقدم لك دليلًا شاملًا يمكنك من خلاله مراجعة صلاتك وتصحيحها، لترتقي بعبادتك إلى المستوى الأمثل الذي يضمن لك خشوعًا أكبر وقبولًا أرجى. إن معرفة هذه الأخطاء وتصحيحها ليس فقط واجبًا شرعيًا، بل هو خطوة نحو تعميق العلاقة بالله ونيل الأجر والثواب الجزيل.
مسابقة الإمام أو تأخيره: سلوك يبطل الصلاة ويحرم من الأجر
من الأخطاء الشائعة في الصلاة والتي تتعلّق بصلاة الجماعة هي مسابقة الإمام. يعتقد البعض أن المبادرة في الحركات تدل على النشاط أو الحماس، ولكنها في الحقيقة من كبائر الذنوب التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرًا شديدًا. فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو أن يجعل الله صورته صورة حمار؟” رواه البخاري ومسلم. هذا الوعيد الشديد يدل على خطورة مسابقة الإمام، والتي قد تؤدي إلى بطلان الصلاة إذا تعمد المصلي ذلك.
ولا يقتصر الخطأ على مسابقة الإمام، بل يشمل أيضًا موافقته تمامًا في الحركات، أي البدء والانتهاء معه في نفس اللحظة. السنة أن يتبع المأموم الإمام، أي أن يتحرك بعده مباشرة، بحيث يبدأ المأموم حركته فور انتهاء الإمام من حركته. فإذا ركع الإمام، ركع المأموم بعده مباشرة، وإذا رفع الإمام من الركوع، رفع المأموم بعده. كذلك، التباطؤ الشديد والتأخير عن الإمام تأخيرًا كبيرًا لا يجوز، ويجب على المأموم أن يكون على الفور خلف الإمام في جميع حركاته. الصفة الصحيحة هي أن يرفع المأموم بعد الإمام مباشرة، دون سبقه أو موافقته أو تأخره المفرط. هذا الحرص على متابعة الإمام يعكس الانضباط والخضوع في العبادة، ويضمن وحدة الصف خلف الإمام.
أخطاء “سمع الله لمن حمده” و”ربنا ولك الحمد”: نقص في الواجب وابتداع في الذكر
كثيرًا ما يقع المصلون في أخطاء تتعلق بالذكر بعد الرفع من الركوع. أحد الأخطاء الشائعة في الصلاة هو اقتصار الإمام أو المنفرد على قول “سمع الله لمن حمده” دون أن يتبعها بقول “ربنا ولك الحمد”. هذا خطأ جسيم؛ لأن التحميد (ربنا ولك الحمد) من واجبات الصلاة التي لا ينبغي تركها. بينما “سمع الله لمن حمده” هو للإمام والمنفرد، فإن “ربنا ولك الحمد” هو للجميع، الإمام والمأموم والمنفرد.
خطأ آخر يرتكبه البعض هو إضافة كلمة “الشكر” إلى التحميد، فيقولون “ربنا ولك الحمد والشكر”. هذه الزيادة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فهي لا تشرع. العبادات توقيفية، أي يجب أن نلتزم بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حرفيًا دون زيادة أو نقصان. فالاكتفاء بالصيغ الواردة في السنة هو الأفضل والأكمل، وهو ما يحقق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. تجنب هذه الزيادات يضمن نقاء العبادة وخلوها من الابتداع.
“اقرأ أيضًا: الجمع بين الصلاتين“
رفع اليدين: المواضع الصحيحة والبدع المنتشرة
رفع اليدين في الصلاة من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله مواضع محددة وردت في سنته الشريفة. أحد الأخطاء الشائعة في الصلاة هو عدم رفع اليدين في المواضع الصحيحة أو رفعهما في غير موضعها. المواضع التي ترفع فيها اليدان في الصلاة هي أربعة:
1. عند تكبيرة الإحرام (الله أكبر): مع بداية الصلاة.
2. عند الركوع (الله أكبر): عند النزول للركوع في كل ركعة.
3. عند الرفع من الركوع (سمع الله لمن حمده): في كل ركعة.
4. عند القيام من التشهد الأول: عند الانتقال من الجلوس للتشهد الأول إلى القيام للركعة الثالثة.
يجب أن يكون رفع اليدين بمحاذاة المنكبين أو شحمة الأذنين، وهذا هو الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما تحريك الرأس أو اليدين بطريقة معينة بعد التسليم كما يفعل بعض المصلين، فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا يشرع فعله. الحرص على هذه السنن الصغيرة يكمل الصلاة ويزيد من أجرها، ويجعل المصلي متبعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم بدقة.
أخطاء الركوع: من التحدب إلى رفع البصر

الركوع ركن أساسي من أركان الصلاة، وله صفة صحيحة يجب الالتزام بها. من الأخطاء الشائعة في الصلاة المتعلقة بالركوع:
1. عدم استواء الظهر: يركع البعض بظهر غير مستوٍ، إما محنيًا أو مقوسًا. السنة المطهرة تقتضي استواء الظهر في الركوع بحيث يكون كسطح مستوٍ، كما لو وضعت كأس ماء عليه لم يسقط. قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الركوع: “حتى تطمئن راكعًا”.
2. عدم تمكين اليدين من الركبتين: بعض المصلين لا يصل بيديه إلى ركبتيه، بل يضع يديه على فخذيه أو أعلى قليلاً. السنة أن يتمكن المصلي من ركبتيه بوضع كفيه عليهما، مع تفريق الأصابع.
3. رفع البصر إلى السماء: هذا خطأ فادح ورد فيه نهي شديد عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: “لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم” رواه مسلم. البصر في الركوع يكون إلى موضع السجود.
4. كف الثياب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كف الثياب في الصلاة، وهذا يشمل رفع الأكمام أو جمع الثوب من الأمام أو الخلف. هذا الفعل مخالف للسنة ويخل بهيئة الصلاة.
التحليق والتثاؤب من الشيطان، وإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع. هذا ليس من الأخطاء في الركوع تحديدًا، ولكنه من الأمور التي قد تحدث أثناء الصلاة وتخل بالخشوع، ولذا ينبغي للمصلي أن يجاهد في كظم التثاؤب قدر الإمكان.
“اطلع على: أخطاء شائعة في صلاة الجمعة وخطبتها“
الطمأنينة: ركن منسي يفسد الصلاة
الطمانينة هي السكون والاستقرار في كل ركن من أركان الصلاة، وهي من أهم أركان الصلاة التي تبطل الصلاة بتركها. يقع كثير من المصلين في الأخطاء الشائعة في الصلاة بعدم تحقيق الطمأنينة، فينتقلون بين الأركان بسرعة مفرطة. ومثل هذا المصلي هو الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل المسيء في صلاته، عندما أمره بالعودة للصلاة قائلاً له: “ارجع فصل فإنك لم تصل”.
عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم تعليم الصلاة الصحيحة، ذكر الطمأنينة في كل حركة:
“إذا قمت إلى الصلاة فكبر (الله أكبر)، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها.” رواه البخاري ومسلم.
هذا الحديث يؤكد أن الطمأنينة ركن لا تصح الصلاة بدونه. فالإسراع في الصلاة يذهب خشوعها، وقد يبطلها.
“قد يهمك: جماعة الإخوان المسلمين“
أخطاء السجود: مخالفات تبطل الصلاة أو تنقص أجرها

السجود هو أقرب ما يكون العبد لربه، ولذا يجب أن يتم على أكمل وجه. ومع ذلك، هناك العديد من الأخطاء الشائعة في الصلاة المتعلقة بالسجود:
1. تقديم اليدين على الركبتين عند النزول للسجود: الصفة الصحيحة في النزول للسجود هي تقديم الركبتين على اليدين، ثم وضع اليدين على الأرض، ثم الجبهة والأنف. هذا هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2. السجود على الأنف دون الجبهة، أو الجبهة دون الأنف: السجود الصحيح يكون على الجبهة والأنف معًا، فهما عضوان من الأعضاء السبعة التي يجب السجود عليها.
3. افتراش الكلاب (الاقتعاد): وهو مد الذراعين بالكامل على الأرض بحيث يلاصقان الأرض، وهذا من الأفعال المكروهة في الصلاة. السنة هي مجافاة العضدين عن الجنبين، ورفع الذراعين عن الأرض.
4. عدم مجافاة اليدين عن الجنبين: أي إلصاق المرفقين بالجنبين. السنة هي المباعدة بين العضدين والجنبين، وهذا يسمح للصدر بالانفساح.
5. رفع القدمين في السجود: رفع إحدى القدمين أو كلتيهما عن الأرض طوال السجود يبطل الصلاة. يجب أن تكون بطون أصابع القدمين موجهة للقبلة وراكزة على الأرض.
6. السجود على أطراف أصابع اليدين أو على القبضات: السنة أن تكون كف اليدين مبسوطة على الأرض مع ضم الأصابع.
الأعضاء السبعة التي يجب السجود عليها:
السجود الصحيح يكون على سبعة أعضاء: الجبهة مع الأنف، اليدين، الركبتين، وبطون أصابع القدمين. ويجب أن يجافي المصلي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض، وهكذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
“اقرأ كذلك: Prophet Muhammad“
الجلوس للتشهد: الافتراش والتورك
للجلوس في التشهد صفتان صحيحتان وردتا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتختلفان باختلاف التشهد (الأول أم الأخير). ومن الأخطاء الشائعة في الصلاة عدم التمييز بينهما أو الجلوس على غير الصفة الصحيحة:
1. الجلوس للتشهد الأول (الافتراش): الصفة الصحيحة هي افتراش القدم اليسرى (الجلوس عليها) ونصب اليمنى (جعلها قائمة على أطراف أصابعها).
2. الجلوس للتشهد الأخير في الصلاة الرباعية والثلاثية (التورك): السنة في التشهد الأخير هي نصب القدم اليمنى، وتقديم اليسرى وإدخالها تحت اليمنى، والجلوس على المقعدة. هذا الجلوس يسمى “التورك”.
الإشارة بالسبابة في التشهد
الإشارة بالسبابة في التشهد من السنن التي يغفل عنها البعض، أو يرتكبون فيها أخطاء. الصفات الصحيحة للإشارة بالسبابة هي صفتان:
1. القبض على الأصابع كلها وتحليق الإبهام والوسطى، والإشارة بالسبابة.
2. القبض على الأصابع كلها باستثناء الإبهام والسبابة، والإشارة بالسبابة.
يكون ذلك من أول التشهد إلى آخره، مع تحريكها قليلاً عند الدعاء، ويكون البصر موجهًا نحوها.
التسليم: التزام بهدي الإمام
عند التسليم، من الأخطاء الشائعة في الصلاة عدم متابعة الإمام أو الزيادة على السنة. يجب على المأموم أن ينتظر حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية (السلام عليكم ورحمة الله). فإذا سلم الإمام التسليمة الأولى، ثم الثانية، تبعه المأموم بالتسليم.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلم، التفت يمينًا وشمالًا. أما تحريك الرأس بطريقة معينة مع تحريك اليدين بعد التسليم، فهذا لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم، فلا يشرع فعله. الاقتصار على ما ورد في السنة هو عين الصواب.
“اطلع على: the Quran is the Word of Allah“
الأخطاء الشائعة في الصلاة: الخاتمة
لقد تناولنا في هذا المقال أبرز الأخطاء الشائعة في الصلاة، والتي قد يقع فيها المسلمون دون قصد أو علم، مبينين الصفة الصحيحة لكل حركة أو ركن استنادًا إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم. من مسابقة الإمام إلى أخطاء الركوع والسجود والجلوس، مرورًا بأهمية الطمأنينة ورفع اليدين، كل هذه التفاصيل تسهم في بناء صلاة صحيحة ومقبولة.
إن السعي لتصحيح هذه الأخطاء ليس مجرد تحسين في الأداء الحركي، بل هو انعكاس لمدى حرص المسلم على إتقان عبادته والتقرب إلى ربه على الوجه الذي يرضيه. فالصلاة هي مفتاح الفلاح في الدنيا والآخرة، وهي ميزان أعمال العبد. فلنجعل من مراجعة صفة صلاتنا وتصحيحها هدفًا دائمًا، مستذكرين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوتنا في كل صغيرة وكبيرة، ومنها إقامة الصلاة على أكمل وجه. نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لإقامة الصلاة كما يحب ويرضى، وأن يتقبل منا أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

يعد كمال علي كاتبًا متخصصًا في الشؤون الإسلامية، حيث يقدم محتوى مميزًا يجمع بين الأسلوب السهل والطرح العميق. يكتب عن العقيدة، الفقه، السيرة النبوية، والتربية الإسلامية، مع الحرص على تبسيط المفاهيم الدينية لتكون في متناول الجميع.
يحرص كمال على أن تكون مقالاته مصدرًا للوعي الديني الصحيح، بعيدًا عن التعقيد أو الغموض، مع التركيز على إبراز سماحة الإسلام ووسطيته. كما يربط بين التعاليم الإسلامية والحياة اليومية ليجعل القارئ أكثر قدرة على تطبيق القيم الدينية في واقعه المعاصر.
إلى جانب ذلك، يولي اهتمامًا بمواضيع الشباب والأسرة والتحديات التي يواجهها المسلم المعاصر، مما يجعل كتاباته شاملة ومؤثرة.