علاج التهاب الشبكية الصباغي وتجديد العصب البصري: ثورة طبية قادمة

اكتشاف علمي جديد قد يفتح باب الأمل لعلاج التهاب الشبكية الصباغي والجلوكوما عبر تجديد العصب البصري باستخدام أجسام مضادة مبتكرة، ومتى يبدأ العلاج البشري؟

علاج التهاب الشبكية الصباغي وتجديد العصب البصري

منذ عقود طويلة ظل فقدان البصر بسبب أمراض الشبكية والعصب البصري مثل التهاب الشبكية الصباغي والمياه الزرقاء (الجلوكوما) أحد أكبر التحديات الطبية. السبب أن الخلايا العصبية في العين، بخلاف الجلد أو الكبد، لا تستطيع التجدد بعد تلفها. لكن اليوم يقف العلم على أعتاب ثورة طبية حقيقية قد تغير حياة ملايين البشر حول العالم.

باحثون من جامعة كايست (KAIST) في كوريا الجنوبية بقيادة البروفيسور جين وو كيم توصلوا إلى اكتشاف مذهل يكشف سر توقف العين البشرية عن إصلاح نفسها، وابتكروا طريقة جديدة لإعادة تنشيط هذه القدرة. ليس هذا فحسب، بل تم تأسيس شركة متخصصة باسم سيلياز إنكوربوريشن لتحويل هذا البحث إلى علاج سريري واقعي. في هذا المقال نستعرض تفاصيل الاكتشاف، آليته، وأهمية تطبيقه كخطوة نحو القضاء على أمراض العمى المستعصية.


ما هو التهاب الشبكية الصباغي ولماذا يسبب العمى؟

يُعد التهاب الشبكية الصباغي (Retinitis Pigmentosa) أحد الأمراض الوراثية المزمنة التي تؤدي إلى فقدان تدريجي للبصر. تبدأ المشكلة عادةً في الخلايا العصبية الحساسة للضوء في الشبكية، حيث تتعرض للتلف وتموت دون القدرة على التجدد. ومع مرور الوقت تتدهور الرؤية الليلية، يضيق مجال النظر، ثم يفقد المريض بصره تمامًا.

الأمر نفسه ينطبق على المياه الزرقاء (الجلوكوما) والتنكس البقعي (Macular Degeneration)، حيث تتلف الخلايا العصبية المسؤولة عن نقل الإشارات البصرية إلى المخ. ما يجعل هذه الأمراض خطيرة هو أن العصب البصري والشبكية لا يستطيعان التجدد بخلاف الأنسجة الأخرى مثل الكبد أو الجلد.


لماذا لا تتجدد الخلايا العصبية في العين؟

التهاب الشبكية الصباغي
التهاب الشبكية الصباغي

لفهم الاكتشاف الجديد، لا بد أن نعرف سبب عجز العين البشرية عن إصلاح نفسها. داخل الشبكية توجد خلايا داعمة تُعرف باسم مولار جلايا (Müller Glia)، وهي بمثابة “دعامات” عصبية. في بعض الكائنات مثل سمكة الزبرا فيش (Zebrafish)، تتحول هذه الخلايا عند إصابة الشبكية إلى خلايا جذعية قادرة على إعادة بناء العصب البصري والخلايا العصبية البصرية.

لكن عند البشر والثدييات الأخرى لا يحدث هذا التحول. السبب كما كشف العلماء يعود إلى بروتين مثبط يُعرف باسم بروكس 1 (Bproxin-1)، والذي يعمل كفرامل تمنع خلايا مولار من التحول إلى خلايا جذعية.


اكتشاف بروكس 1: العدو الخفي للتجديد العصبي

البروفيسور جين وو كيم وفريقه اكتشفوا أن بروكس 1 ليس ناتجًا عن خلايا مولار نفسها، بل يُنقل إليها من الخلايا العصبية المحيطة. هذا البروتين يمنع عملية إعادة تكوين العصب البصري، وبالتالي يبقى التلف دائمًا. الخطوة العبقرية للفريق كانت البحث عن طريقة لوقف انتقال بروكس 1 ومنع تأثيره المثبط. وبالفعل، توصلوا إلى أسلوب مبتكر يعتمد على حقن أجسام مضادة ترتبط بالبروتين وتوقف عمله تمامًا.


كيف تعمل الأجسام المضادة لعلاج العصب البصري؟

الأجسام المضادة هي بروتينات متخصصة تستطيع التعرف على بروتينات محددة في الجسم وتثبيطها. في هذا البحث استخدم الفريق أجسامًا مضادة تستهدف بروكس 1 مباشرة، حيث ترتبط به وتعطله. ولتوصيلها إلى العين، تم استخدام فيروس معدل آمن يعمل كوسيلة نقل ذكية، يقوم بإيصال الأجسام المضادة مباشرة إلى الشبكية. النتيجة كانت مذهلة:

  • الخلايا العصبية في شبكية الفئران بدأت تجدد نفسها.
  • استعاد الفئران قدرتهم على الإبصار بعد أن كانوا مصابين بعمى يشبه التهاب الشبكية الصباغي.
  • استمرت الرؤية المستعادة لمدة ستة أشهر، وهي ما يعادل ربع عمر الفأر تقريبًا، أي ما يعادل حوالي 15 عامًا من عمر الإنسان.

التجارب على الحيوانات: نتائج تبشر بالخير

التجارب على الفئران أثبتت أن وقف عمل بروكس 1 عبر الأجسام المضادة يؤدي إلى:

  1. إعادة نمو الخلايا العصبية التالفة.
  2. استعادة الشبكية لقدرتها على معالجة الضوء.
  3. استمرار التأثير لفترات طويلة.

الأمر الأكثر أهمية أن الباحثين أثبتوا أن العلاج يمكن تكراره عند الحاجة. ففي حال كان سبب تلف الشبكية وراثيًا، قد يحتاج المريض إلى تكرار الحقن كل 10 – 15 عامًا فقط.


من البحث إلى التطبيق العملي: تأسيس سيلياز إنكوربوريشن

لتحويل هذا الاكتشاف إلى علاج متاح للبشر، أسس البروفيسور جين وو كيم شركة سيلياز إنكوربوريشن (Celiaz Inc.). الهدف من الشركة هو تطوير العلاج إلى دواء أو حقنة علاج جيني آمنة يمكن استخدامها في المستشفيات. وقد حصل الفريق بالفعل على براءات اختراع لحماية التقنية، وهو ما يشير إلى أن هناك خطة تجارية وعلمية جادة لإيصال العلاج إلى السوق الطبية العالمية.

“قد يهمك: تحسين البصر طبيعياً


متى يبدأ العلاج البشري؟

علاج التهاب الشبكية الصباغي
علاج التهاب الشبكية الصباغي

وفق تصريحات الفريق، من المتوقع أن تبدأ التجارب السريرية على البشر بحلول عام 2028. وبالرغم من أن العلاج ما يزال في المرحلة ما قبل السريرية، إلا أن المؤشرات الحالية قوية للغاية وتشير إلى أن عصر جديد في علاج أمراض الشبكية والعمى الوراثي بات قريبًا.


أهمية الاكتشاف للبشرية

هذا الاكتشاف قد يكون نقطة تحول في الطب البصري لعدة أسباب:

  • أمل لملايين المرضى: يمكن أن ينقذ الملايين من فقدان البصر الدائم.
  • نقلة في الطب التجديدي: التركيز لم يعد فقط على إيقاف المرض، بل على تعليم الجسم إصلاح نفسه.
  • علاج طويل الأمد: حقنة واحدة قد تكفي لسنوات طويلة.
  • إمكانية توسيع الاستخدام: قد يُستخدم لاحقًا لعلاج أمراض عصبية أخرى تعتمد على تجديد الخلايا العصبية (Neuron).

“تعرف على: علاج التهاب الأعصاب


التحديات والآفاق المستقبلية

رغم النجاح المبهر، هناك تحديات لا بد من معالجتها قبل أن يصبح العلاج متاحًا للبشر:

  1. السلامة طويلة الأمد: يجب التأكد من أن الأجسام المضادة لا تسبب مضاعفات غير متوقعة.
  2. الفعالية على البشر: نتائج الحيوانات مبشرة، لكن العين البشرية أكثر تعقيدًا.
  3. التكلفة: الأدوية الجينية عادة ما تكون مرتفعة الثمن، مما قد يحد من وصولها لجميع المرضى.

لكن مع التقدم المستمر في التقنيات الطبية الحيوية، من المتوقع أن تنخفض التكاليف بمرور الوقت، كما حدث مع كثير من العلاجات المبتكرة.

“اطلع على: علاج جفاف العين


علاج التهاب الشبكية الصباغي وتجديد العصب البصري: الخاتمة

ما توصل إليه فريق جامعة كايست بقيادة البروفيسور جين وو كيم يمثل ثورة طبية في علاج أمراض الشبكية والعصب البصري. فبعد عقود من اليأس، أصبح لدينا أمل حقيقي في علاج التهاب الشبكية الصباغي، الجلوكوما، والتنكس البقعي من خلال إعادة تنشيط قدرة العين على التجدد الذاتي.

ومع اقتراب بدء التجارب السريرية البشرية في 2028، قد نشهد خلال سنوات قليلة فقط بداية عصر جديد يتيح للملايين حول العالم فرصة استعادة بصرهم. إنها بالفعل خطوة عملاقة نحو القضاء على العمى الوراثي والمكتسب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top