خرافة المهدي: دعوة لشباب أهل السنة لإعادة التفكير في الموروث

هل أسطورة المهدي حقيقة أم خرافة؟ مقال يدعو شباب أهل السنة لتمحيص الموروث الديني، وفضح دور رجال الدين في تضليل الأمة وتخديرها عن العمل والأخذ بالأسباب

خرافة المهدي

يعيش شباب أهل السنة اليوم واقعًا مؤلمًا يكتنفه اليأس والإحباط، نتيجة تراكم الأزمات والتحديات التي تمر بها الأمة. إن ما نمر به من آلام وجراح ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتاج لتعنت في الرأي، وغياب الاستماع للآخر، وفشل في تحديد العدو الحقيقي، والأهم من ذلك، خيانة بعض من ائتمنّاهم على قيادة الأمة والدين. لقد حرف هؤلاء طريق الإسلام والرسالة، وأهدروا طاقات الشباب، والأموال، والجهود في مشاريع واهية وتوجهات خاطئة، مبنية على أوهام نسبوها زورًا وبهتانًا إلى نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم، مما حرف اتجاه الأمة وأسس للخذلان والهدم والخسران المبين.

إن هذه المآسي التي نحصدها اليوم، أيها الشباب الواعي، هي حصاد ما زرعه هؤلاء الذين اتخذوا من الدين ستارًا لمصالحهم. إن انتقاد العلماء والموروث قد يبدو صعبًا وشائكًا، لكن إدراك حقيقة الوضع السيئ الذي نعيشه يدفعنا إلى إعادة النظر في كل ما ورثناه. الفشل ليس في عقيدتنا السليمة، بل في قيادات المشروع الإسلامي السني التي لم تعد صالحة للمهمة، واستمرت في تكرار الأخطاء مرة تلو الأخرى. حان الوقت لكي يتحمل شباب أهل السنة مسؤوليتهم، وأن ينهضوا للقراءة والبحث، وتمحيص الموروث، وتنقيته من الشوائب والأكاذيب، وتوجيه الأمة نحو الطريق الصحيح قبل فوات الأوان.


ضرورة نقد الموروث وتحدي الروايات الشائعة

لقد أصبح نقد الموروث الديني، الذي طالما اعتبر مقدسًا وغير قابل للمراجعة، ضرورة ملحة. فما نحن عليه اليوم من ضعف وتراجع يعود جزء كبير منه إلى تبني روايات وأفكار تم نسجها عبر التاريخ لأغراض معينة، ثم ألصقت بالدين وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من العقيدة. يدعو القرآن الكريم إلى التدبر والفهم المباشر لكلام الله، بعيدًا عن تأويلات الوعاظ والقصاصين الذين قد يحرفون الكلم عن مواضعه. يقول تعالى: “أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون”. هذه الآية الكريمة تحمل تحذيرًا واضحًا من أولئك الذين يحرفون كلام الله عن علم وقصد.

إن الوضع الحالي يستدعي من شباب أهل السنة قراءة القرآن الكريم مرات ومرات، ومحاولة فهمه بأنفسهم، بعيدًا عن الأساطير والخرافات التي تشغل العقول. يجب رفع راية الحق وإحياء قضية الأمة بالعودة إلى مصادر التشريع الأصيلة، وقراءة كتب التراث بشكل مستفيض لمعرفة ما حدث بالفعل، لتحديد الداء وتشخيص المشكلة، ومن ثم وقاية الأجيال القادمة من الوقوع في نفس الأخطاء التي وقع فيها الأجداد. الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا لنتأثر بدعايات الأعداء أو جرائمهم المتجددة، بل سخر لنا كل السبل للمعرفة والتوجيه، لإعادة توجيه الجمهور السني وتعريفه بتاريخه وتحذيره من أعدائه. هذه مهمتنا، وليست مهمة رجال الدين الذين أثبتوا أنهم جزء من المعضلة لا جزء من الحل.


خرافة المهدي: منشأها وتأثيرها المدمر

تُعد خرافة المهدي إحدى أبرز وأخطر القضايا التي سعت هذه القيادات الدينية لتثبيتها في وعي الأمة، مما أثر سلبًا على مسارها وحركتها. إن جوهر المشكلة التي نعيشها كأهل سنة يكمن في طريقة تعاملنا مع تحدياتنا الراهنة، خاصة في الصراع الفكري والعقائدي. فالحلول المطروحة كثيرًا ما تكون غير صحيحة، وتؤدي إلى الفشل والدمار المتكرر. الغريب أننا نُصر على استخدام نفس هذه الحلول مرارًا وتكرارًا دون مراجعة أو تدبر. وبما أن هذه الحلول ليست مستمدة من الله ولا من رسوله، فإن ثمارها لا يمكن أن تكون إلا الفشل والمآسي.

إن فكرة المهدي المنتظر، على سبيل المثال، كانت في بدايتها مجرد اجتهادات بشرية، ربما صنعت من أجل منفعة شخصية لعالم أو رجل دين أو حاكم في فترة تاريخية سابقة. ولإضفاء القدسية على هذه البدع المستحدثة وضمان قبولها من قبل المسلمين، قام بعض رجال الدين أو الوراقين بتلفيق الأحاديث والأقوال، ونسبوها زورًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وبهذا، تحولت هذه الخرافات إلى جزء من الدين، وبدأت تنتقل من جيل إلى جيل، وتُسمع على المنابر وفي المساجد، حتى صدقها الناس وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من العقيدة. ونتيجة لذلك، أصبح الجميع مهيأً لقبول الظلم والدمار، وبدأنا نغض الطرف عن إصلاح واقعنا أو استخراج الحلول من معاناتنا، ظنًا منا أن الحل سيأتي من الله دون تدخل منا، مما أدى إلى خدر فكري وعملي.

“اطلع على: المهدي المنتظر بين السنة والشيعة


المهدي المزعوم: مواصفات خيالية ووعود زائفة

المهدي المزعوم
المهدي المزعوم

يتفق الكثيرون، بفعل ترويج هذه الخرافة، على أن الله سيرسل شابًا صالحًا من نسل فاطمة الزهراء، يحمل في يده أدوات إصلاح الكون. هذا المهدي المزعوم سيقوم بإصلاح المستشفيات، والمناهج الدراسية، والعادات السيئة، ويقضي على التسول والتلوث والاضطهاد، ويخرج المساجين ويحل الأزمات المالية، ويعيد الاقتصاد مزدهرًا كما كان. العجيب أنهم ينسبون هذه الإنجازات إلى عهد أبيه علي بن أبي طالب، على الرغم مما ثبت تاريخيًا أن عصره كان عصرًا مليئًا بالصراعات، والفتن، والسرقات، والانقلابات. فكيف نأمل أن ابن علي بن أبي طالب (بالمفهوم البيولوجي) سيفعل عكس ما فعله أبوه؟

هذه هي المصيبة التي وقعنا بها، فمن يروجون هذه الخرافات من تجار الدين وشيوخ المنابر يفتقرون لأدنى حس علمي، ومع شديد الأسف، فإن أغلبهم لا يقرأ ولا يبحث، بل يردد كلامًا مستهلكًا وغير صحيح يسمعونه من هنا وهناك. إن أسطورة المهدي خير دليل على هذا الاجترار الفكري. لقد وردت أحاديث مكذوبة منسوبة زورًا للرسول صلى الله عليه وسلم، يصفون فيها المهدي بأنه “من عترتي من ولد فاطمة”، أو “مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، يملك سبع سنوات”. هذه الأحاديث، التي يصححها البعض كذبًا على رسول الله، تسببت في مجازر لا تحصى على مر العصور، وأدت إلى قتل الآلاف، بل الملايين، من البشر باسم هذا الوهم.

“تعرف على: دراسة تحليلية لصحة أحاديث المهدي


تأثير خرافة المهدي على الأمة: من التخدير إلى العنف

لم تقتصر خرافة المهدي على تخدير الأمة وإلهائها عن العمل، بل امتد تأثيرها إلى تشكيل جماعات مسلحة تؤمن بهذه الأسطورة، وتحاول فرض “الخلاص” بالقوة. لقد بلغ عدد جيش المهدي المزعوم في العراق، في إحدى الفترات، أكثر من ستة ملايين شخص مهيئين للقتال والتدمير، سعيًا لإحياء حلمهم بالخلاص وتهيئة “العصر الذهبي”. هذا العصر الذي يُزعم أن المال فيه لا قيمة له، وأن المهدي يملأ أكياس الطحين بالمال لمن يطلب. هذه الروايات الساذجة، والمذكورة في كتب التراث، تصف أن المهدي يلقي الله الغنى في قلوب العباد، حتى يقول: “من يريد المال؟” فلا يأتي إلا واحد ليأخذه ويذهب غير راغب فيه.

تأثير خرافة المهدي على الأمة
تأثير خرافة المهدي على الأمة

وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يبعث مرة أخرى ليكذب بدعة المهدي، وبما أن المهدي لم يخرج ولن يخرج في المستقبل لأنه خرافة لا أساس لها، فسيظل حلم المهدي مستمرًا. سيظل المحللون والقصاصون يربطون خروجه بحوادث معينة، ويخدرون الأمة عن العمل والأخذ بالأسباب. إن الكثير من الجهل والخرافة في الدين، مثل قصص المهدي، بدأ ترويجه على يد رجال الدين وشيوخ المساجد وطلاب الشريعة، وحتى من عرفوا مؤخرًا بالمحاورين. لقد حرص المحدثون على وضع وسائل تشويقية للمهدي، فوضعوا له علامات ظهور ساذجة ومضحكة.


علامات ظهور المهدي: سذاجة وتناقض

لقد اختلق الواضعون لخرافة المهدي علامات لظهوره تتسم بالسذاجة والتناقض، وربطوها بأحداث كونية ومرجعيات دينية بشكل غير منطقي. فزعموا أن من علامات ظهوره أنه يوجه جيشًا إلى المدينة فيخسف بهم بالبيداء، وأن قومًا يغزون البيت فينزلون بالبيداء فيبعث الله جبرائيل ويقول: “يا بيداء أبيديهم”. كما زعموا أنه لا يخرج حتى تطلع مع الشمس آية، وأن علامة خروجه رايات تأتي من المغرب عليها رجل أعرج من كندة، وأنه لا يخرج حتى يقوم السفياني على أعوادها، ولا يخرج حتى ترقى الظلمة، ولا يخرج حتى ينزل جبريل يصيح بالناس بنزوله.

هؤلاء لم يدركوا أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: “وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا”. فإذا كان جبريل لم ينزل ليصيح بالناس بأن رسول الله قد بُعث، فكيف سيظهر لشخص من نسل علي بن أبي طالب؟ وزعموا أيضًا أنه لا يخرج المهدي حتى يكفر بالله جهرًا، وحتى يُقتل من كل تسعة سبعة، وأنه لا يبقى 40 عامًا، أو أن حياته 30 سنة، أو 7 سنين أو 8 أو 9، أو 7 سنين وشهرين وأيامًا، في تناقض واضح يدل على افتراء هذه القصص.


التحذير من الكفر وإنكار المهدي: فخ يمنع البحث

لضمان تصديق خرافة المهدي، ربطوها زورًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلقوا كلامًا ونسبوه له. ثم حذروا الناس من على المنابر من الوقوع في الكفر والإنكار، فمن لا يصدق قصة المهدي فقد كفر بالله تعالى وبرسوله، وهذا كفر. هذا التهديد جعل الجميع خائفًا من الخوض في تحقيق أصل هذا الخبر المنسوب للنبي عليه الصلاة والسلام.

لكن الكثير ممن تألم من الواقع المر لأهل السنة بدأ يبحث، وتوصل إلى أن المهدي مجرد كذبة لا أساس لها من الصحة، وأنها نظرية مستنسخة من ديانات أخرى، وأُخرجت من أجل مصلحة شخصية لبعض الناس، ونُسبت إلى النبي بعد وفاته بمئات السنين. خير دليل على ذلك أن المهدي لم يخرج منذ أكثر من 1400 سنة. فلماذا سيخرج في المستقبل؟ ولماذا سيخرج لينقذ أناسًا آخرين، بينما لم ينقذ من سبقونا من المسلمين الذين مروا بأهوال عظيمة وماتوا ولم ينجدهم؟


خاتمة: دعوة للبحث واليقظة

إن الحقيقة الصارمة هي أن خرافة المهدي لا تستند إلى حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أكد الدكتور بشار عواد معروف وغيره من المحققين. إنها مجرد وهم تم ترويجه لأغراض دنيوية، وتسبب في تخدير الأمة وإلهائها عن دورها الريادي في بناء الحضارة وإصلاح الواقع.

يا شباب أهل السنة الواعي، المسؤولية تقع على عاتقكم. انهضوا واقرأوا وبحثوا وتمحصوا. لا تعتمدوا على ما يُقال لكم، بل ابحثوا بأنفسكم عن الحقيقة. انقذوا أمتكم من براثن الخرافة والتضليل، واعلموا أن عمل رجل واحد قادر على إنقاذ أمة بأكملها، كما فعل الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لينقذ موسى عليه السلام. النصح والتصحيح وتنقيه الموروث هي وظيفتكم الأساسية. فلا تتكاسلوا ولا تتهربوا، فالأمر سهل إذا صدقت النوايا، وأنتم قادرون على حمل الراية وإعادة الأمة إلى مجدها. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top