تعميق العلاقات العسكرية المصرية الباكستانية: شراكة استراتيجية في عالم متغير

Deepening Egyptian-Pakistani Military Relations: A Strategic Partnership in a Changing World

أسباب سعي مصر لتنويع تحالفاتها العسكرية، وتفاصيل تعميق العلاقات العسكرية المصرية الباكستانية، وتفاصيل مصر وتنويع مصادر التسليح، وعلاقة مصر بالهند

في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة، وتصاعد التحديات الأمنية الإقليمية والدولية، تواصل مصر، التي تعد ركيزة الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جهودها الدؤوبة لتنويع تحالفاتها العسكرية وتعزيز قدراتها الدفاعية. هذا المسعى الاستراتيجي، الذي يهدف إلى ضمان أمنها القومي في وجه المخاطر المتزايدة وشكوك مواقف حلفائها التقليديين، قادها مؤخرًا إلى مد جسور تعاون عسكري جديد مع شريك استراتيجي قادم هذه المرة من جنوب آسيا: جمهورية باكستان الإسلامية.

هذه الشراكة الواعدة، التي تتجاوز مفهوم العلاقات الدبلوماسية التقليدية لتلامس عمق التعاون الأمني والدفاعي، تشكل نقطة تحول مهمة في السياسة الخارجية المصرية، وتفتح آفاقًا جديدة لتعزيز الاستقرار والأمن في مناطق حيوية من العالم.


سعي مصر لتنويع تحالفاتها العسكرية: ضرورة استراتيجية

تواجه مصر تحديات أمنية معقدة ومتعددة الأوجه، تتراوح بين الإرهاب العابر للحدود، والصراعات الإقليمية، وصولاً إلى التهديدات المتغيرة للأمن البحري والطاقة. في ظل هذه البيئة المتقلبة، أصبحت سياسة الاعتماد على مصدر تسليح واحد أو حلفاء تقليديين محدودة لا تلبي الاحتياجات المتطورة للأمن القومي المصري. أدركت القيادة المصرية، منذ سنوات، أهمية تبني استراتيجية تنويع مصادر السلاح وبناء تحالفات عسكرية متعددة الأقطاب، تضمن لها المرونة اللازمة في مواجهة الأزمات وتحافظ على توازن القوى الإقليمي. هذه السياسة لم تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية لتعزيز القدرة الدفاعية لمصر وتأمين مصالحها الحيوية.

الشكوك حول مواقف بعض الحلفاء التاريخيين، خاصة في أوقات الأزمات، عززت من قناعة مصر بضرورة البحث عن شركاء جدد يشاركونها الرؤى والمصالح الأمنية المشتركة. هذا التوجه دفع القاهرة إلى التطلع نحو دول ذات خبرة عسكرية كبيرة وقدرات دفاعية متطورة، بعيدًا عن دوائر النفوذ التقليدية، وهو ما وجدته في باكستان، الدولة النووية الصاعدة التي أثبتت قدرتها على بناء قوة عسكرية ذاتية خلال عقود قليلة من استقلالها.


زيارة تاريخية: مؤشر على عمق التعاون

شهدت العلاقات المصرية الباكستانية نقلة نوعية مع الزيارة الرسمية التي وصفت بـ “الاستثنائية” لرئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الباكستانية، الجنرال سهير شمشاد ميرزه، إلى مصر. هذه الزيارة رفيعة المستوى لم تكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل عكست إرادة سياسية وعسكرية مشتركة لتعزيز التعاون. التقى الجنرال ميرزه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكبار القادة السياسيين والعسكريين، وحتى الدينيين، في دلالة واضحة على شمولية الحوار وأهمية العلاقة.

تركزت المحادثات حول تعزيز التعاون العسكري وتوسيع العلاقات الدفاعية الثنائية عبر محاور رئيسية تشمل التدريب والمناورات المشتركة، وفقًا لبيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع المصرية. هذا التنسيق الرسمي، وإن بدا جديدًا للبعض، إلا أنه لم يأتِ من فراغ، بل سبقه تعاون “سري” خلال السنوات الماضية، مهد الطريق لهذه الشراكة المعلنة.

“قد يهمك: لعبة التوازن في الخليج


جذور التعاون: ماضي غني وتنسيق مستمر

العلاقات العسكرية المصرية الباكستانية
العلاقات العسكرية المصرية الباكستانية

على الرغم من أن الشراكة العسكرية المصرية الباكستانية قد لا تكون ظاهرة للعيان بالقدر الذي يظهر به التعاون مع قوى عالمية أخرى، إلا أن العلاقات بين البلدين ليست وليدة اللحظة بل تمتد لعقود طويلة. يؤكد الدكتور أحمد الشحات، الخبير المختص في شؤون الأمن الإقليمي والدولي، أن العلاقات بين مصر وباكستان “ليست حديثة، هي قديمة حديثة، وهناك تعاون عسكري لم يكن موسعًا بشكل كبير”.

يشير الدكتور الشحات إلى وجود لجنة عسكرية مشتركة تعقد دوراتها بانتظام، مما يؤكد على استمرارية التنسيق وتبادل الخبرات. كما كان هناك تعاون “كبير في المجال الأمني والاستخباراتي” خاصة في مكافحة الإرهاب والتطرف، نظرًا لما تملكه الدولتان من خبرات واسعة في مواجهة هذه التحديات الأمنية المعقدة.

المشاركة في التدريبات العسكرية كانت أيضًا جانبًا مهمًا من هذا التعاون، حيث شاركت الدولتان في العديد من التدريبات المشتركة وقوات حفظ السلام والقوات المتواجدة في مناطق بحر العرب وشماله ضمن تشكيلات وتحالفات دولية مختلفة، مثل القوات المشتركة لمكافحة القرصنة والإرهاب. كما كان هناك تعاون مباشر في بعض السياقات الإقليمية، على سبيل المثال خلال عمليات التحالف الذي قادته المملكة العربية السعودية في اليمن. كل هذه النقاط تشير إلى أن الأرضية للتعاون العميق كانت موجودة بالفعل، وما حدث مؤخرًا هو مجرد الارتقاء بها إلى مستوى أكثر شمولية وتنسيقًا.


القدرات الباكستانية الاستثنائية: دفعة قوية للشراكة

تمتلك باكستان قوة عسكرية ذات وزن إقليمي وعالمي، مدعومة بترسانة نووية تقدر بـ 170 رأسًا حربيًا نوويًا وقدرات صاروخية نوعية، مدعومة فنياً وتقنياً من الصين. هذه القدرات الاستثنائية تمنح الشراكة المحتملة مع الجيش المصري بعدًا نوعيًا جديدًا. فجيش باكستان ليس مجرد قوة دفاعية، بل يتمتع بنفوذ كبير في السياسة الخارجية لبلاده، مما يجعله شريكًا استراتيجيًا ذا قيمة مضافة لمصر التي تسعى لتعزيز توازنها العسكري.

في سياق “التعاون السري” الذي مهد للعلاقات الحالية، ذكرت تقارير عسكرية مثل موقع “ذا ديلي سيبك” أن هناك مؤشرات على دعم عسكري مصري لباكستان في السنوات الماضية، منها “هبة عسكرية مصرية محملة بمدافع ليزر صينية في باكستان” خلال حربها الأخيرة مع الهند. كما زودت مصر القوات الجوية الباكستانية بعدد من مقاتلات ميراج V العاملة لديها في عام 2019، بعد مفاوضات استمرت لعامين، وفقًا لموقع “إنتليجنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي. هذه المعلومات، وإن كانت مثار جدل، إلا أنها تؤكد على وجود قنوات تعاون عميقة وغير تقليدية بين البلدين.

“قد يهمك: العلاقات المصرية مع حماس


مصر وتنويع مصادر التسليح: بناء قوة عسكرية متكاملة

تتماشى الشراكة مع باكستان تمامًا مع النهج الاستراتيجي الذي تتبناه مصر في تنويع مصادر تسليحها. فمصر، خلال السنوات الأخيرة، لم تعد تعتمد على مصدر واحد للأسلحة، بل اتجهت إلى عقد صفقات مع قوى عالمية متعددة من الشرق والغرب، مما جعل منها قوة عسكرية متكاملة تتمتع بقدرات متنوعة وتقنيات حديثة. هذا التنوع يمنح القاهرة قدرة أكبر على المناورة السياسية والعسكرية، ويقلل من تبعيتها لأي طرف، مما يعزز من استقلاليتها في اتخاذ القرارات.

الفكرة الأساسية وراء هذا النهج هي إحداث حالة من التوازن وعدم الاعتماد على مصدر واحد، بالإضافة إلى بناء “شركات عسكرية وتحالفات من الممكن أن تؤدي غرضها في أي تهديد مستقبلي للدولة المصرية بأي شكل”، كما يوضح الدكتور الشحات. هذه الاستراتيجية لا تهدف فقط إلى الحصول على أسلحة متطورة، بل أيضًا إلى تبادل الخبرات العسكرية والتدريب المشترك، مما يرفع من كفاءة القوات المسلحة المصرية.


دحض المزاعم: الموقف المصري المتوازن

تثار أحيانًا مزاعم حول طبيعة التعاون المصري الباكستاني، وخاصة ما يتعلق بدعم مصر لباكستان ضد الهند. هذه المزاعم، مثل ما أشار إليه تقرير “ديلي سيبك” حول دعم مصر لباكستان عسكريًا “سراً” بمقاتلات ميراج، تثير تساؤلات حول الدور المصري في النزاعات الإقليمية.

يرفض الدكتور أحمد الشحات هذه المزاعم بشكل قاطع، مؤكدًا أن “الدور المصري كان واضحًا، وأنه دور سلمي مع الهند وباكستان”. ويوضح أن مصر تقيم علاقات استراتيجية وتاريخية مهمة مع الهند بنفس القدر الذي تتحرك به مع باكستان. “تدخل مصر لا يكون أبدًا بتدخل العسكرية لدولة على حساب دولة، فهناك توازن في علاقتها”. هذا الموقف يعكس دبلوماسية مصرية حكيمة تسعى إلى التوازن وعدم الانحياز لطرف على حساب آخر في صراعات لا تمس أمنها المباشر.

وبالتالي، فإن أي دعم عسكري مصري لباكستان، إن وجد، لن يكون بهدف “استعداء الطرف الآخر”، بل يأتي في إطار تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة أو برامج تدريب وتبادل خبرات لا تستهدف طرفًا ثالثًا بشكل مباشر. كما أن مسألة توظيف الإمكانيات النووية الباكستانية لصالح مصر أو استدعاء الدور الباكستاني في نزاعات إقليمية “فكرة بعيدة”، لأن التعاون الباكستاني يندرج ضمن أطر أوسع مثل منظمة التعاون الإسلامي.


آفاق الشراكة المستقبلية: أبعاد متعددة

تتجاوز آفاق الشراكة بين مصر (Egypt) وباكستان الجانب العسكري البحت. فعلى الرغم من أن محور التعاون العسكري هو الأبرز، إلا أن هناك مساحات أخرى للتعاون، لا سيما في الإطار غير العسكري. على سبيل المثال، يركز التعاون على “دور الأزهر في الداخل الباكستاني في إطار توعوي ودعوي”، مما يعكس البعد الثقافي والديني للعلاقات. كما أن هناك توافقًا كبيرًا في المواقف السياسية بين البلدين، خاصة ما يرتبط بقضايا إقليمية ودولية مثل القضية الفلسطينية وغزة.

بالنسبة للمستقبل، تشير الزيارات المتبادلة واللجان العسكرية المشتركة إلى سعي مستمر لتعزيز هذه العلاقات من خلال صفقات متبادلة، وتدريبات مشتركة مكثفة، وتبادل المبعوثين والزيارات الرسمية. هذا يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون قد تشهد مزيدًا من التكامل في مجالات الدفاع والتدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية. ومع ذلك، تبقى مصر حذرة في التدخل المباشر في أي صراع عسكري إذا كان هذا الدعم على حساب علاقاتها المباشرة مع دول أخرى، خاصة إذا كان ذلك في دوائر استراتيجية حساسة.

“اطلع على: زيارة محمد صلاح لمعبد بوذي


خاتمة: شراكة لمواجهة تحديات المستقبل

في الختام، تمثل الشراكة العسكرية المتنامية بين مصر وباكستان خطوة استراتيجية هامة في إطار سعي القاهرة لتأمين أمنها القومي في ظل عالم متغير. هذه العلاقة، المتجذرة في تاريخ من التعاون وإن لم يكن معلنًا على نطاق واسع، تعكس إدراك الدولتين لأهمية تنويع التحالفات وتعزيز القدرات الذاتية لمواجهة التحديات المشتركة.

إن عمق التعاون، سواء في مكافحة الإرهاب، أو تبادل الخبرات التدريبية، أو حتى الحديث عن صفقات تسليح محتملة، يؤكد على أن هذه الشراكة ليست عابرة، بل هي جزء من رؤية أوسع لمصر في بناء قوة عسكرية متكاملة ومرنة. وبينما تظل القاهرة حريصة على موقفها المتوازن في العلاقات الدولية، فإن تعميق هذه الشراكة مع دولة ذات ثقل عسكري ونووي مثل باكستان، يضيف بعدًا استراتيجيًا جديدًا لمساعي مصر لتحقيق الاستقرار والأمن في محيطها الإقليمي والدولي. إنها شراكة لمستقبل تتزايد فيه تعقيدات المشهد الأمني، وتتطلب حلولاً دفاعية مبتكرة وتحالفات قوية مبنية على المصالح المشتركة والثقة المتبادلة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.