المهدي المنتظر بين السنة والشيعة: حقيقة أم خرافة؟

تعرف على حقيقة المهدي المنتظر بين السنة والشيعة، وأهم الأحاديث والمواقف التاريخية والعقدية، وهل هو عقيدة أساسية أم مجرد اجتهاد ديني

أحاديث المهدي المنتظر

يُعتبر موضوع المهدي المنتظر من أكثر القضايا التي أثارت جدلاً واسعًا في التاريخ الإسلامي، سواء عند أهل السنة أو عند الشيعة. فبينما يرى الشيعة أنه شخصية محورية مرتبطة بالعقيدة، يتعامل كثير من علماء أهل السنة مع المسألة بشكل مختلف، معتبرين أن معظم الروايات الواردة بشأنه إما ضعيفة أو موضوعة. ورغم ذلك، ما زال هذا الموضوع حاضرًا في الوجدان الإسلامي، ومثار نقاشات دينية وفكرية حتى يومنا هذا.

في هذه المقالة سنناقش المهدي المنتظر بين السنة والشيعة، مع التركيز على الرؤية التاريخية، وتحليل الأحاديث، ومواقف كبار العلماء، لنفهم ما إذا كان الأمر قضية إيمانية أصيلة أم مجرد اجتهادات وأحاديث غير قطعية الثبوت.


جذور فكرة المهدي في الفكر الإسلامي

فكرة ظهور منقذ في آخر الزمان موجودة في ثقافات وأديان متعددة، لكنها عند المسلمين ارتبطت باسم المهدي المنتظر.

  • عند الشيعة الاثني عشرية، يُعتبر المهدي هو محمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر الذي دخل في غيبة كبرى منذ القرن الثالث الهجري، وسيظهر آخر الزمان ليملأ الأرض قسطًا وعدلاً.
  • أما عند أهل السنة، فالفكرة أكثر عمومية، إذ تتحدث بعض الأحاديث عن رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج في آخر الزمان ويقيم العدل.

لكن السؤال: هل هذه الفكرة تستند إلى نصوص قطعية، أم أنها وليدة ظروف سياسية واجتماعية في مراحل معينة من التاريخ الإسلامي؟


الأحاديث الواردة حول المهدي

تنوع الروايات

توجد مئات الروايات في كتب الحديث تتحدث عن المهدي، لكن أغلبها يعاني من مشاكل في السند أو المتن.

  • بعض الأحاديث صحيحة لكنها غير صريحة في ذكر “المهدي” بالاسم.
  • هناك روايات ضعيفة وموضوعة ارتبطت بالفتن والصراعات السياسية، مثل أحاديث الرايات السود وخروجها من خراسان.
  • كبار المحدثين مثل البخاري ومسلم لم يذكرا أحاديث عن المهدي في صحيحيهما، وهو ما اعتبره بعض العلماء دليلاً على ضعف هذه الأحاديث.

أمثلة على الأحاديث

  • ورد حديث عند ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل من أهل البيت يملأ الأرض عدلاً.
  • وردت روايات في مسند أحمد لكن فيها علل وشذوذ.
  • بعض الأحاديث ذكرت أن اسم المهدي يوافق اسم النبي صلى الله عليه وسلم، لكن النقاد اعتبروا هذه الروايات غير ثابتة.

“اطلع على: دراسة تحليلية لصحة أحاديث المهدي


موقف علماء السنة من المهدي

علماء العقيدة الكبار لم يضعوا المهدي ضمن مسائل العقيدة الأساسية:

  • ابن تيمية لم يذكره في كتبه العقدية.
  • الطحاوي في عقيدته لم يتطرق إليه.
  • ابن خلدون في مقدمته اعتبر أن معظم أحاديث المهدي ضعيفة أو موضوعة.

بالتالي، يمكن القول إن فكرة المهدي عند أهل السنة ليست ركنًا من أركان العقيدة، بل مسألة اجتهادية تُبنى على الروايات.


الموقف الشيعي من المهدي

الشيعة الإمامية الاثنا عشرية بنوا عقيدتهم على الإيمان بالإمام الغائب:

  • يعتقدون أن المهدي هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري.
  • دخل في الغيبة الصغرى ثم الكبرى.
  • سيظهر في آخر الزمان ليقيم دولة العدل الإلهي.

هذه العقيدة جزء لا يتجزأ من أصول الدين الشيعي، ومن ينكرها يُعتبر عندهم خارجًا عن الإيمان الصحيح.


البعد التاريخي والسياسي لفكرة المهدي

لا يمكن فصل نشأة فكرة المهدي عن الصراعات السياسية:

  • في القرن الثاني الهجري، خلال الصراع بين العباسيين والعلويين، ظهرت روايات عن الرايات السود من خراسان، مما ساعد العباسيين على استغلالها سياسيًا.
  • في فترات ضعف الدولة الإسلامية، كان المسلمون يتطلعون إلى ظهور شخصية مخلّصة تعيد مجد الأمة.
  • كثير من “المدّعين” للمهدي ظهروا عبر التاريخ، مستغلين هذه التطلعات.

هل الإيمان بالمهدي جزء من العقيدة؟

المهدي المنتظر
المَهدي المنتظر

من خلال تحليل النصوص والمواقف:

  • عند الشيعة: المهدي جزء أساسي من العقيدة.
  • عند المسلمين: ليس من مسائل الإيمان، ولا يترتب على إنكاره خلل في العقيدة.

وقد صرّح بعض العلماء مثل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود بأن “لا مهدي يُنتظر بعد خير البشر صلى الله عليه وسلم”.

“اقرأ كذلك: الرد على عبد الله الشريف


المهدي بين الأسطورة والاحتمال

يمكن القول إن شخصية المهدي أخذت طابعًا أسطوريًا عند بعض الفرق الإسلامية نتيجة تضخيم الروايات. لكن من الناحية الأخرى، لا يمكن إنكار أن هناك أحاديث – وإن كانت قليلة – تتحدث عن رجل صالح من أهل البيت يظهر في آخر الزمان. إذن، القضية تبقى في إطار الاحتمال الديني لا في إطار اليقين العقدي.

“اطلع على: قصة بابك الخرمي الذي أراد هدم الإسلام”


أثر فكرة المهدي على المجتمعات الإسلامية

  • زرعت الأمل في نفوس بعض المسلمين في أوقات الأزمات.
  • في المقابل، استغلها بعض السياسيين والحركات لإضفاء الشرعية على حركاتهم.
  • خلقت جدلاً فكريًا بين التيارات السنية والشيعية.

هل الإيمان بالمهدي المنتظر واجب على المسلم؟

لا، فالإيمان بالمهدي المنتظر ليس من أصول العقيدة ولا يترتب على إنكاره خلل في الإيمان.

هل ورد اسم المهدي في الأحاديث الصحيحة؟

لا، أغلب الأحاديث التي ذكرت الاسم صراحة ضعيفة أو منكرة، لكن وردت أحاديث صحيحة غير صريحة عن رجل من أهل البيت يملأ الأرض عدلاً.

لماذا لم يذكر البخاري ومسلم أحاديث المهدي؟

لأنهما لم يجدا أحاديث صحيحة على شرطهما في هذا الباب، ما يدل على أن المسألة ليست من القضايا القطعية.


المهدي المنتظر بين السنة والشيعة: الخاتمة

يبقى موضوع المهدي المنتظر بين السنة والشيعة من القضايا التي تحتاج إلى دراسة موضوعية بعيدة عن التعصب المذهبي. فالمسلم مأمور باتباع النصوص الثابتة الصحيحة، وألا يجعل من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة أساسًا لعقيدته. سواء ظهر المهدي أم لم يظهر، فإن رسالة الإسلام قائمة على اتباع القرآن والسنة الصحيحة، وإقامة العدل في الأرض بقدر ما يستطيع المسلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top