مقتل الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي: اللغز الذي لم يُحسم

اكتشف القصة الكاملة وراء مقتل الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي، بين الروايات الرسمية وشهادات العائلة، واللغز الذي ما زال غامضًا حتى اليوم

مقتل الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي

يبقى مقتل الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي واحدًا من أكثر القضايا الغامضة في تاريخ العراق الحديث، حيث اختلطت فيه الحقائق بالشائعات، وتعددت فيه الروايات إلى درجة أصبح معها الوصول إلى الحقيقة مهمة شبه مستحيلة. الدكتور رياض لم يكن مجرد وزير عادي في حكومة حزب البعث، بل كان طبيبًا بارعًا وأستاذًا أكاديميًا مرموقًا، ورجلًا إصلاحيًا حاول أن يحدث نقلة نوعية في القطاع الصحي العراقي. لكن مسيرته انتهت فجأة وبشكل مأساوي بعد اتهامات بالتقصير والخيانة والتعاون مع جهات أجنبية.

في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل حياته وإنجازاته وصراعاته، ونستعرض الروايات المختلفة حول ملابسات إعدامه عام 1982، لنحاول رسم صورة أقرب ما تكون للحقيقة حول اللغز الذي حير المؤرخين وأبناء العراق حتى اليوم.


من هو الدكتور رياض إبراهيم الحاج حسين؟

ولد الدكتور رياض إبراهيم في بغداد عام 1940، في حي الأعظمية المعروف بطابعه الشعبي المحافظ. نشأ في أسرة متوسطة غرست فيه قيم الصدق والاجتهاد، ومنذ أيامه الأولى في المدرسة برز ذكاؤه الفطري والتزامه الصارم. التحق بكلية الطب في جامعة بغداد عام 1956، وهناك بدأ مسيرته العلمية والسياسية في آنٍ واحد.

لم يكن رياض مجرد طالب مجتهد، بل انخرط مبكرًا في العمل السياسي عبر حزب البعث، مؤمنًا بقدرة جيل الشباب على التغيير. لكن سرعان ما وجد نفسه متورطًا في قضية سياسية كبرى عام 1959 تتعلق بمحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، وهو ما أدخله السجن لمدة عام كامل. خرج من التجربة أكثر نضجًا وأشد حذرًا من ألاعيب السياسة.


رحلته العلمية إلى إنجلترا

الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي
الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي

بعد إتمام دراسته الطبية بتفوق، قرر رياض أن يوسع مداركه في الخارج، فسافر إلى بريطانيا لدراسة تخصص الأنسجة، أحد أصعب فروع الطب. وبعد سنوات من الاجتهاد، حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1972. هذه المرحلة شكلت نقطة تحول مهمة في مسيرته، إذ عاد إلى العراق عام 1974 محملًا بالعلم والخبرة، ليعمل أستاذًا في كلية الطب ببغداد، ثم طبيبًا في المستشفى الجمهوري.

“اطلع على: اغتيال محمد بوضياف


صعوده السياسي وتوليه وزارة الصحة

لم يمر وقت طويل حتى بدأت القيادة البعثية في استقطاب الكفاءات العلمية، فتم تعيينه مسؤولًا عن المكتب الطبي المهني في الحزب. وبفضل نزاهته وكفاءته، رشحه وزير التخطيط عدنان الحمداني عام 1977 لتولي منصب وزير الصحة. ورغم بعض الاعتراضات، أصر الرئيس أحمد حسن البكر على تعيينه، معتبرًا إياه شخصية علمية صادقة لا مجرد بعثي مكرر للشعارات.

منذ أول يوم في الوزارة، أطلق رياض إبراهيم مشاريع ضخمة لبناء مستشفى مركزي في كل محافظة، إضافة إلى ابتعاث أعداد كبيرة من الأطباء الشباب لاستكمال دراساتهم في الجامعات العالمية. كما أدخل تجهيزات حديثة لم تكن معروفة في العراق حينها مثل “الأخطية المعقمة”، وحرص على حماية كرامة الأطباء في مواجهة تغول أصحاب النفوذ العسكري والحزبي.

“تعرف على: عمر المحيشي


مواجهة مع صدام حسين

رغم علاقته الجيدة مع القيادة، لم يكن رياض يخشى قول الحقيقة، حتى لو كان المخاطَب هو صدام حسين نفسه. ففي إحدى الندوات خلال الحرب العراقية الإيرانية، عندما حاول صدام تحميل الأطباء مسؤولية خطأ طبي، وقف الوزير بشجاعة قائلاً: “الأخطاء الطبية تحدث في أكبر مستشفيات العالم، فما بالك ونحن في ظروف حرب؟” كما انتقد إرسال الحالات البسيطة من أقارب المسؤولين للعلاج في أوروبا بينما تُهمل الحالات الحرجة. هذه المواقف الجريئة لم تمر مرور الكرام، ويُعتقد أنها زرعت بذور العداء بينه وبين صدام.


أزمة “الدواء القاتل”

عام 1982، اندلعت أزمة خطيرة حين تكررت حالات وفاة مرضى عمليات القلب بسبب حقنهم بعقار “بوتاسيوم كلورايد” بتركيز خاطئ. التحقيقات أظهرت أن الدواء المستورد لم يطابق المواصفات. وزير الصحة حينها، الدكتور رياض، تلقى تقارير حول الكارثة وأمر بسحب الدواء فورًا.

لكن القدر شاء أن يموت أحد أقارب صدام أثناء العلاج، ليربط الأخير بين الحادثة وبين الوزير مباشرة. ورغم أن لجنة تحقيق طبية برأت ساحته لاحقًا، إلا أن الشكوك ظلت تحوم حوله، وتحوّلت الأزمة إلى مبرر لإقالته ثم اعتقاله.

“قد يهمك: Your Phone Is Hacked


روايات مختلفة حول سبب إعدامه

إعدام الدكتور رياض إبراهيم
إعدام الدكتور رياض إبراهيم

هنا يبدأ الغموض الحقيقي، إذ اختلفت الروايات بشكل واسع:

  • رواية الدواء القاتل: تقول إن إعدامه جاء نتيجة تحميله المسؤولية عن الدواء الفاسد الذي تسبب بوفاة المرضى، بينهم قريب صدام.
  • رواية النصيحة لصدام: رواية أخرى تزعم أن رياض قال لصدام أثناء اجتماع رسمي إن تنحيه مؤقتًا قد ينقذ العراق من الحرب، وهو ما اعتبره الرئيس إهانةً وخيانة.
  • رواية الطبيب البيطري: بحسب شهادة الطبيب علاء بشير، رفض رياض طلب الرئاسة إرسال طبيب بيطري على أنه طبيب بشري إلى أمريكا لدراسة علاج السموم، خوفًا من الفضيحة الدولية، وهو ما أثار غضب صدام.
  • رواية العائلة: ابنته تورية رياض أكدت أن لجنتين رسميتين برأتا والدها من كل التهم، لكن برزان التكريتي تولى ملفه وأشرف على تعذيبه حتى الموت، بموافقة وإشراف صدام شخصيًا.

تفاصيل الاعتقال والإعدام

في 25 أغسطس 1982، داهمت قوات الأمن منزل الدكتور فجرًا واقتادته إلى المعتقل. ورغم رسائله التي أكد فيها براءته، صدر بحقه حكم الإعدام في نوفمبر من نفس العام. تشير تقارير عائلته إلى أن جثته سُلّمت إليهم في صندوق، وقد ظهرت عليها آثار تعذيب وحشي وكسور وطلقات نارية. شهادة الوفاة الرسمية ذكرت “الإعدام رميًا بالرصاص”، لكن ظروف التنفيذ لا تزال متناقضة بين من يقول إن صدام أطلق عليه النار بنفسه، ومن يؤكد أن برزان التكريتي نفذ الإعدام بعد إشارة من الرئيس.

“قد يهمك: إغلاق الحكومة الأمريكية


لماذا يبقى اللغز قائمًا؟

رغم مرور أكثر من أربعة عقود، ما زال السبب الحقيقي وراء مقتل الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي غير محسوم. فبين التهم السياسية والشخصية والطبية، وبين شهادات العائلة والأطباء المقربين، لم يظهر دليل قاطع يوضح الدافع النهائي لتصفيته. الأكيد أن الدكتور رياض كان شخصية نزيهة وكفؤة، دفع ثمن صراحته ورفضه الانصياع الأعمى للنظام. وقد فقد العراق برحيله واحدًا من أبرز أطبائه وإدارييه الأكفاء في وقت كان بأمس الحاجة إليه.


الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي: الخاتمة

إن قصة مقتل الدكتور رياض إبراهيم وزير الصحة العراقي تعكس مأساة أمة عاشت في ظل نظام دموي لم يتردد في تصفية خيرة أبنائها تحت ذرائع واهية. تظل الحقيقة غائبة، لكن المؤكد أن رياض إبراهيم رحل مظلومًا، تاركًا وراءه إرثًا علميًا وإنسانيًا يذكره العراقيون بكل احترام، وسؤالًا مؤرقًا: لماذا يختفي المخلصون دائمًا في زمن الطغيان؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top