تُعد جماعة الإخوان المسلمين من أبرز الحركات الإسلامية التي ظهرت في العصر الحديث، وقد أثار تاريخها وفكرها جدلاً واسعاً حول طبيعتها وتأثيرها على المشهد الإسلامي والعربي. يرى الكثيرون أن الإخوان، منذ نشأتهم في الديار المصرية، قد انحرفوا عن الفقه السلفي وعقيدة السلف الصالح، لافتقار قادتهم الأوائل، أمثال حسن البنا، للمؤهلات العلمية الشرعية الكافية للتعمق في تراث أهل السنة والجماعة، خاصة ما يتعلق بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه.
قائمة المحتويات
هذا الانحراف المبكر، الذي تجلى في عدم اعتمادهم على تراث السلف في استدلالاتهم وأفعالهم السياسية، وضع بذور منهج مغاير أثر لاحقاً على مسارهم وعلى الفكر الإسلامي عموماً. هذه المقالة تستكشف الجذور الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، وتغلغلها في المجتمعات، وتأثيرها العميق على مفهوم السلفية وعلى الأمة الإسلامية.
النشأة الفكرية للإخوان: بعيداً عن فقه السلف
لم تكن جماعة الإخوان المسلمين، في بداياتها، على دراية عميقة بفقه السلف وعلومهم، ولم يستقوا من نصوص ابن تيمية أو غيره من أئمة السلف في تأسيس رؤيتهم. فالمؤسس حسن البنا، رغم مكانته التنظيمية، لم يكن مؤهلاً علمياً للغوص في كتب شيخ الإسلام.
ثم تطور الأمر ليبرز سيد قطب، الذي كان أديباً أكثر منه فقيهاً أو مفسراً متمكناً، حتى وصل به الأمر إلى وصف كتب السلف بأنها “كتب صفراء” لا تستحق القراءة. هذا المنهج الفكري الذي يتجاهل تراث الأمة الفقهي الأصيل، ويعتمد على استنباطات فردية أو تأويلات ظاهرية للنصوص دون الأخذ بقواعد المفسرين والأصوليين، كان أساساً لبناء فكر تنظيمي بعيد عن مرجعية أهل السنة والجماعة. في الوقت الذي كانت فيه الجماعة تقاتل الملك فاروق والحكومات المصرية، لم يكن استدلالهم قائماً على منهج سلفي واضح، مما يدل على وجود فجوة عميقة بين ممارساتهم السياسية وبين الأصول الشرعية المعتبرة.
التغلغل في المملكة العربية السعودية: استغلال الحاجة وبذور الانحراف

شهدت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والمملكة العربية السعودية تحولاً لافتاً في أعقاب الصراع السياسي بين جمال عبد الناصر والمملكة. فتبعاً لمبدأ “عدو عدوي صديقي”، فتحت المملكة أبوابها لقيادات الإخوان الفارين من مصر. هذا الاحتضان، الذي وصفه البعض باحتضان “الثعبان والأفاعي”، كان مشروطاً بعدم قيام الإخوان بأي عمل تنظيمي داخل المملكة. وقد أخذت عليهم العهود بذلك، وفقاً لما ذكره الأمير نايف رحمه الله. لكن الإخوان، بطبيعتهم التنظيمية المتلونة، لم يلتزموا بهذه العهود.
استغلت الجماعة حاجة المملكة، التي كانت آنذاك في طور بناء دولتها الحديثة، إلى الكوادر المتخصصة في مجالات التعليم والصحة والهندسة. فقد كانت المملكة تحتاج إلى بناء المدارس والجامعات، ولم تكن تملك الكوادر الكافية في ذلك الوقت. استقدم الإخوان بصفة خبراء ومتخصصين، وتسللوا تدريجياً إلى مفاصل الدولة، وخاصة المؤسسات التعليمية والتربوية. ولم يقتصر الأمر على السعودية، بل امتد تغلغلهم إلى دول الخليج الأخرى كقطر والكويت (Kuwait)، حيث أصبحت هذه الدول، في نظر البعض، مستعمرات إخوانية بسبب توغل الجماعة الرهيب فيها.
“قد يهمك: الكتب الأموية“
تلون الإخوان وخطورة “التنظيم الخاص”

من أخطر سمات جماعة الإخوان المسلمين هي قدرتها على “التلون” الفكري والتنظيمي، مثل الحرباء التي تغير لونها لتتأقلم مع البيئة المحيطة. فهم يتظاهرون بالسلفية في البيئات السلفية، وبالصوفية مع الصوفية، وبالأشعرية مع الأشاعرة، بل وصل الأمر إلى حد التحالف مع العلمانيين والشيوعيين، كما شوهد في بعض الثورات. هذا التلون سمح لهم باختراق مجتمعات متنوعة ونشر أفكارهم الخفية.
بالإضافة إلى التلون، يبرز خطر “التنظيم الخاص” الذي أنشأه حسن البنا. هذا التنظيم السري، الذي عمل على الاغتيالات وقتل المسؤولين، كان وباءً على الجماعة نفسها، كما وصفه محمد الغزالي. ورغم محاولات الإخوان الظاهرية للتبرؤ منه، إلا أنهم لم يتخلوا عنه فعلياً، بل حافظوا عليه بشكل غير مباشر، ليكون ذراعهم التنظيمي السري الذي ينفذ أجنداتهم بعيداً عن الأضواء. هذا التنظيم هو ما ربط بين الإخوان وبين الجماعات التكفيرية المعاصرة.
الإخوان وتخريب الفكر السلفي في الجامعات والمؤسسات
كان تغلغل الإخوان في المؤسسات التعليمية بالمملكة العربية السعودية له تأثير مدمر على الفكر السلفي. فقد تمكن رموز إخوانية، مثل مناع القطان ومحمد قطب، من تبوء مناصب عليا في الجامعات السعودية، وأثروا على المناهج والمقررات الدراسية. فأصبح كتاب “مباحث في علوم القرآن” لمناع القطان، الذي يحتوي على أفكار تخدم الجماعة، يُدرّس في الجامعات، مع تضمين إشارات إلى حسن البنا وسيد قطب. كما تمكن محمد قطب من التأثير على جامعات كجامعة الملك عبد العزيز وجامعة أم القرى، وطبع من خلالها كتاب “حد الإسلام” لعبد المجيد الشاذلي، الذي يروج لفكر التوقف والتبين، وهو من أسس فكر الخوارج.
هذا التغلغل قاد إلى إبعاد علماء السلف الأصيل، حيث مُنع الشيخ الألباني، أحد أعلام السلفية، من دخول المملكة بإيعاز من أقطاب الإخوان الذين زعموا أنه “خطر على أمن السعودية”. في المقابل، انصرف الإخوان إلى تراث ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، ليس من باب التبني الأصيل، بل لاستخراج الأدلة التي تخدم أفكارهم التكفيرية وتبرر أفعالهم الخارجة. وبهذه الطريقة، عملوا على إلصاق تهمة التطرف بـ “السلفية” و”ابن تيمية” و”محمد بن عبد الوهاب” عندما تقع أي مصيبة أو خروج، في محاولة للتبرؤ من مسؤوليتهم وتحميلها على الآخرين.
“قد يهمك: الجمع بين الصلاتين“
صناعة التكفير: من التنظيم الخاص إلى القاعدة وداعش
لم يكن هدف الإخوان من تغلغلهم في الجامعات والمؤسسات هو نشر العلم الشرعي الصحيح، بل كان لهدف أعمق وأخطر: صناعة جماعات تكفيرية تحمل السلاح. فقد نجحوا في غرس أفكار الخروج والتكفير في عقول الشباب، مستغلين نصوصاً مجتزأة من تراث السلف لتبرير فقههم المنحرف. وهذا ما أدى إلى ظهور جماعات مثل “القاعدة” و”الجماعة الإسلامية في مصر” التي قتلت السادات، و”داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها. هذه الجماعات، وإن بدت مستقلة، إلا أنها تعتبر امتداداً لـ “التنظيم الخاص” الإخواني أو جزءاً منه، وتعمل ضمن “التنظيم الدولي الإخواني” الذي يوجه “العرائس” من وراء الستار.
وبحسب بعض الآراء فإن الشخصيات الإخوانية البارزة، مثل القرضاوي ومحمد قطب ومناع القطان وعلي جريشة، ليسوا جهالاً، بل هم ذوو علم، لكنهم استخدموا هذا العلم في خدمة أجنداتهم وأفكارهم التي أدت إلى تخريب العقول وتضليل الشباب. كما ربط بين “الصحوة الحديثة” وبين تأثير الإخوان، مشيراً إلى أن رموزاً مثل سفر الحوالي وعائض القرني كانوا تلامذة لمحمد قطب.
“اطلع على: فكر السبئية الشيعة”
الخاتمة: صمود الدين وضرورة يقظة العلماء
إن هذا التوغل الفكري والتنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، وتأثيره على نشأة جماعات العنف والتطرف، يمثل تحدياً خطيراً للأمة الإسلامية. لقد عملوا على اختطاف أبناء الأمة وتشويه الفكر السلفي الأصيل، مستغلين البراءة الدينية لدى الشباب وحاجات المجتمعات. والخطورة تكمن في أن هذا المخطط لم يكن ليتم لولا صمت أو غفلة الكثير من العلماء، كما صرح الملك عبد الله رحمه الله للمشايخ قائلاً: “كنتم نايمين”.
ومع ذلك، فإن هذا الدين العظيم، دين الإسلام، محصون بحفظ الله تعالى، ولن يتمكن أي فكر منحرف من تبديله أو النيل منه. فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”. وسيظل علماء الأمة الحقيقيون يقومون بدور الأنبياء في بني إسرائيل من حيث حفظ الدين وإرجاع الناس إلى جادته، لاختم النبوة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. لذا، فإن اليقظة العلمية والفكرية للمجتمعات المسلمة، والعودة إلى منهج السلف الصالح، هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه الأفكار المنحرفة وحماية الأجيال القادمة من الوقوع في براثنها.

يعد كمال علي كاتبًا متخصصًا في الشؤون الإسلامية، حيث يقدم محتوى مميزًا يجمع بين الأسلوب السهل والطرح العميق. يكتب عن العقيدة، الفقه، السيرة النبوية، والتربية الإسلامية، مع الحرص على تبسيط المفاهيم الدينية لتكون في متناول الجميع.
يحرص كمال على أن تكون مقالاته مصدرًا للوعي الديني الصحيح، بعيدًا عن التعقيد أو الغموض، مع التركيز على إبراز سماحة الإسلام ووسطيته. كما يربط بين التعاليم الإسلامية والحياة اليومية ليجعل القارئ أكثر قدرة على تطبيق القيم الدينية في واقعه المعاصر.
إلى جانب ذلك، يولي اهتمامًا بمواضيع الشباب والأسرة والتحديات التي يواجهها المسلم المعاصر، مما يجعل كتاباته شاملة ومؤثرة.