في عصر السرعة والشاشات، برزت منصة اسمها روبولوكس كواحدة من أشهر المساحات الرقمية التي يقضي فيها الأطفال والمراهقون ساعات طويلة يومياً. بالنسبة للكثير من الأهالي في مصر والعالم العربي، كلمة “روبولوكس” أصبحت موضة بين الأولاد والبنات: “خد يا ولد العب روبلوكس عشان ما تقرفناش” — والجملة الطريفة هذه تخبئ ورائها قلقًا كبيرًا لا يدركه معظم الآباء والأمهات. في هذا المقال سنشرح بوضوح ما هي روبلوكس، لماذا تجذب الأطفال، ما أبرز مخاطر روبلوكس، وما الذي يمكن للآباء فعله لحماية أولادهم بدون حرمان أو منع مبالغ فيه. الهدف أن تخرج وأنت تعرف المشكلة وتعرف حلولًا عملية قابلة للتطبيق.
قائمة المحتويات
ما هي روبلوكس (شرح مبسّط للأهالي)
روبولوكس ليست لعبة واحدة. هي منصة تتيح لملايين المستخدمين لعب ألعاب متنوعة وأن يصمم البعض ألعابهم الخاصة باستخدام أدوات داخل المنصة. أي طفل يمكنه أن يجد ألعابًا بعدد لا يحصى — من ألعاب مبنية على البناء والإبداع إلى ألعاب قتالية، من ألعاب تعليمية إلى ألعاب تحتوي على محتوى غير مناسب.
المنصة تتيح أيضاً شراء عملة افتراضية اسمها “روبوكس” تُستخدم لفتح أشياء داخل الألعاب أو لتجميل الشخصيات. ويمكن أن تجرّب الألعاب مع أصدقاء أو غرباء عبر محادثات نصية أحيانًا وصوتية أحيانًا أخرى — وهذا الجزء بالتحديد هو ما يثير القلق عند كثير من الأهالي.
لماذا تجذب روبلوكس الأطفال والمراهقين؟
- تنوع الألعاب وتجدّدها: كل يوم تظهر ألعاب جديدة لأن أي مستخدم يمكنه بناء ونشر لعبته. هذا يعني دوماً محتوى جديدًا يجذب الفضول.
- الإحساس بالإنجاز الاجتماعي: الحصول على “روبوكس” أو ترقيات داخل اللعبة يعطي الطفل شعورًا بالمكانة بين الأصدقاء.
- سهولة الوصول: على الموبايل أو التابلت أو الكمبيوتر، وفي بيئات مألوفة للطفل.
- التقليد والترويج: يوتيوبرز وإنفلونسرز يعرضون روبلوكس ويشجعون عليه، ما يجعل الطفل يريد التجربة ليتابعهم أو يقلّدهم.
مخاطر روبلوكس — نقاط أساسية (لماذا بعض الدول منعتها أو فرضت رقابة)

فيما يلي عرض مُفصَّل لأكبر المخاطر، مع أمثلة واقعية عمومًا (غير متعلقة بحالات محددة لأشخاص معلومين) وأسباب القلق:
1) المحادثات الصوتية والتعرّض للاستدراج (الخطر الأكبر)
المحادثات الصوتية تسمح لطفل صغير — قد لا يتجاوز سِنّه 7 أو 8 سنوات — بأن يتحدّث مع شخص بالغ يتظاهر بالبراءة. غياب آلية تحقق هوية حقيقية يجعل من السهل استغلال الطفولة. هذا الاستدراج قد يقود إلى طلب معلومات شخصية أو ترتيب لقاءات خارجية — وهي حالات سمعنا عنها في دول أخرى حيث حصل اختطاف أو اعتداء بعد لقاء خارج اللعبة.
لماذا هذا خطير؟
- الطفل سهل الإقناع وبريء، وقد يعطي معلومات حساسة (موقع البيت، مواعيد وجود الأهل، صور).
- المجرمون قد يتظاهرون بكونهم قاصرين ليتقربوا من الضحايا.
- غياب رقابة مباشرة من البالغين يجعل كل المحادثات غير مرئية في كثير من الأحيان.
2) العملة الافتراضية “روبوكس” والاستغلال المالي
العملة داخل روبلوكس هي دافع ضخم. الأطفال يريدونها للحصول على ملابس للشخصية، فتح مستويات، أو امتيازات داخل اللعبة. هذا يفتح أبوابًا للاستغلال:
- عروض شراء “روبوكس” مقابل خدمات أو معلومات — وقد يطلب الطرف الآخر صورًا أو لقاءات.
- الضغط على الطفل لطلب المال من الأهل أو محاولة سرقة بطاقة ائتمان الأهل لشحن رصيد.
- وجود تجّار أو محتالين يقدمون وعودًا زائفة لتحويل عملات مقابل أفعال مشبوهة.
3) القمار ومحاكاة المراهنات
بعض الألعاب داخل المنصة تُحاكي القمار أو تحتوي على عناصر مراهنة — مثل وضع رهان على من سيربح أو فتح صناديق بمقابل دفع عملة. الأطفال قد لا يدركون أن هذه “قمار”؛ هذا يعرضهم لعادة مدمِّرة في سنوات لاحقة ويكسر الحساس الأخلاقي والديني لدى البعض.
ماذا يحدث؟
- تعلّم سلوك المخاطرة بالمكاسب المالية.
- تطبيع مفهوم القمار لدى الأطفال.
- الدُفع نحو إنفاق أموال حقيقية للحصول على ميّزات داخلية.
4) المحتوى غير المناسب واللعب غير المنضبط
لأن أي شخص يمكنه تصميم لعبة داخل المنصة، فهناك ألعاب تحتوي على إيحاءات جنسية أو مشاهد عنف أو أفكار مخالفة للقيم. قد يصادف طفل مشاهد أو حوارات لا تناسب عمره، ويتعلم سلوكيات خاطئة أو يُشوِّه تصوّره للعالم.
5) الإدمان والانعزال الاجتماعي
قضاء ساعات طويلة على المنصة يؤثر على النوم، الرؤية، والتركيز، ويقلّل من وقت اللعب الحقيقي والتفاعل الاجتماعي الواقعي — وهو أمر مهم لتنشئة شخصية متوازنة. الأطفال الذين يقضون وقتًا مفرطًا على روبلوكس قد يصبحون عدوانيين عند محاولة إيقافهم، كما أبلغ بعض الأهالي عن عنف أو عصبية غير معتادة عند الحرمان.

6) التأثير السلوكي والعنف
هناك تقارير عن تغيرات سلوكية: صرعات العنف، استخدام كلمات غير لائقة، أو تقليد سلوكيات مشاهد شاهدها داخل الألعاب. التعوّد على حلول المشكلات بـ”العنف” داخل اللعبة قد ينعكس سلبًا على سلوك الطفل خارجها.
7) مخاطر تقنية وخصوصية
- مشاركة معلومات شخصية قد تؤدي لتعقب الطفل خارج اللعبة.
- فقدان البيانات أو سرقة حسابات قد تؤدي إلى خسارة مشتريات مالية أو صور وبيانات شخصية.
مزايا روبلوكس (لماذا لا نمنع بشكل قاطع؟)
قبل أن نقرر المنع التام، يجب أن نعترف بوجود فوائد:
- الإبداع والبرمجة: منصات مثل روبلوكس تشجّع الأطفال على تصميم ألعاب وتعلم مفاهيم برمجية مبسطة.
- التعاون والعمل الجماعي: بعض الألعاب تعلّم التخطيط والعمل تحت ضغط وتعاون الفرق.
- الترفيه والتسلية: بشكل معتدل، تساعد على الترفيه وتفريغ الطاقة بعد المدرسة.
- فرص تعليمية: من يمكنه توجيه الطفل بشكل صحيح قد يستفيد من محتوى تعليمي داخل المنصة.
بالمحصلة، الفكرة ليست الحظر الكلي بل الإدارة الذكية والرقابة المسؤولة.
خطوات عملية لحماية الأطفال: دليل للأهالي (خطة قابلة للتنفيذ)
فيما يلي خطة منطقية يمكن لأي أب أو أم تطبيقها الآن — بدون دراما أو خنق لحياة الطفل الاجتماعية.
1) افهم المنصة بنفسك
اقرأ عن روبلوكس، شاهد فيديوهات قصيرة تشرح كيف يعمل، وادخل بحساب عرضي لتجربة الواجهة. عندما تفهم الآلية ستتخذ قرارات أفضل.
2) استخدم إعدادات الخصوصية والرقابة الأبوية
- فعل خيار قفل المحادثات الصوتية/النصية أو حدّدها لتتواصل مع الأصدقاء فقط.
- حدّد من يمكنه إرسال طلب صداقة لطفلك ومن يمكنه مراسلته.
- فعّل إعدادات تقييد المحتوى بحسب العمر.
3) تفعيل التحقق من الهويّة أو منع الشراء
- لا تسمح بإدخال بطاقة ائتمان في حساب الطفل دون مراقبة.
- استخدم بطاقات مسبقة الدفع أو وجهة دفع شخصية تراقب كل عملية شراء.
- حدّ سقف الشراء اليومي/الشهري إن أمكن.
4) اتفق على قواعد زمنية واضحة للاستخدام
- جدول يومي/أسبوعي: مثلاً ساعة يوميًا في أيام المدرسة، وساعتين فقط في العطلات.
- استخدم أدوات زمنية في الجهاز لتطبيق الحدود (مثلاً إعدادات الوقت في الهاتف أو تطبيقات إدارة الوقت).
5) كون قريبًا ولا تكن مراقبًا متسلطًا
- اجلس مع الطفل من وقت لآخر واطلب منه أن يريك ما يلعبه.
- شارك معه في لعبة بسيطة، واجعلها نشاطًا عائليًا من وقت لآخر.
- تحدث عن مخاطر الإنترنت بشكل يومي وبأسلوب بسيط ومباشر.
6) علّم الطفل قواعد السلامة الرقمية
- لا يشارك معلومات شخصية (الاسم الكامل، عنوان المنزل، المدرسة، أرقام الهاتف).
- لا يقبل الدعوات للقاء خارج الإنترنت دون موافقة الأهل ومرافقتهم.
- لا يرسل صورًا لأي شخص مهما كان السبب.
7) رصد السلوك والتغيرات
- إذا لاحظت عنفًا مفاجئًا، عصبية، خوفًا أو عنادًا شديدًا عند سحب الجهاز، فابدأ بالحوار ولا تتجاهل.
- راقب الأداء المدرسي، النوم، التفاعل الاجتماعي خارج الإنترنت.
8) استخدم بدائل ترفيهية مفيدة
- انظّم وقتًا للخروج، للرياضة، للألعاب الحقيقية، للنادي أو للمكتبة. توفير بدائل يقلل الاعتماد على الشاشة.
“تعرف على أبو الريحان البيروني“
سيناريوهات واقعية وكيف تتصرف (نصائح عملية)
- طفلك يريد شراء روبوكس ولم توافق: اشرح له السبب هدوءًا، عوّض العرض بنشاط حقيقي أو سهم أسبوعي للمشتريات بحسب سلوك جيد.
- طفلك تواصل مع شخص يطلب لقاء: لا تهاجم الطفل فورًا — استمع، اطلب تفاصيل، وأخبره أن اللقاء ممنوع إلا بحضوركم، وأبلغ إدارة المنصة إن لزم.
- اكتشفت محتوى غير مناسب داخل لعبة: احظر اللعبة، أبلغ عن منشئ اللعبة، وفكّر في منع المحتوى الذي يقدّم ألعابًا من منشئين غير موثوقين.
“تعرف على: معركة طابا“
ماذا عن المنع التام؟ هل هو حل؟
المنع قد يبدو حلًا سهلاً لكن له سلبيات:
- الأطفال أذكياء وسيبحثون عن بدائل أو طرق للالتفاف، وربما يذهبون إلى منصات أقل أمانًا.
- يمنح الطفل رغبة أكبر في “التحدي” والوصول الى ما مُنع عنه.
- قد يخلق فجوة تواصل بين الآباء والطفل إذا شعر الأخير بأنك تمنعه دون تفسير.
الحل الأفضل: التوازن — وضع قواعد، إشراف، وتعليم مهارات السلامة الرقمية.
“اطلع على: ثورة يوليو“
أدوات وبرامج مفيدة للأهالي
- إعدادات الرقابة في النظام (iOS/Android): لتحديد زمن الشاشة ومنع تنزيل تطبيقات بدون إذن.
- تطبيقات رقابة أبوية: تعطي تقارير زمنية، حدود، ومواقع الويب المفتوحة.
- الأدوات داخل روبلوكس: تقييد المحادثات، إعدادات خصوصية الحساب، الإبلاغ عن مستخدمين/ألعاب.
(لا تنسَ تحديث كل البرامج والنظام لتستفيد من آخر خصائص الأمان.)
نصائح تربوية لتعزيز وعي الطفل بدون تخويف
- تحدث مع طفلك بصراحة عن أسباب القلق، استخدم أمثلة بسيطة ومناسبة لعمره.
- علّمه التفكير النقدي: “لماذا يريد هذا اللاعب أن يرسل لك روبوكس مجانًا؟” واجعله يفكر في الدوافع.
- كافئ السلوكيات الرقمية الصحية مثل التوقف عن اللعب عند الموعد المتفق عليه.
- قدّم دورات أو مواد مبسطة عن الإنترنت والسلامة يمكن أن يشاهدها معًا.
لعبة روبولوكس : الخاتمة
روبولوكس منصة ضخمة تحمل بين طياتها فرصًا كبيرة وإبداعات حقيقية، لكنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر روبلوكس الحقيقية — من محادثات صوتية واستدراج، إلى استغلال مالي وقمار وسلوكيات عنيفة أو إدمان. منع المنصة تمامًا ليس بالضرورة الحل الأمثل، لكن تجاهلها أو التسليم المطلق لها قد يكلف الأسرة ثمناً باهظًا.
الحل العملي هو المعرفة والرقابة الذكية: افهم المنصة، ضع قواعد واضحة، فعّل الخصوصية، راقب دون استبداد، ووفّر بدائل صحية للطفل. تذكر أن مسؤوليتك كأب أو أم ليست فقط توفير الأشياء المادية، بل تربية وحماية وإنشاء جيل واعٍ يستطيع استخدام الإنترنت كأداة مفيدة وليس كفخ.

مها أحمد كاتبة ومدونة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين التجربة الشخصية والتحليل الموضوعي. تكتب عن قضايا اجتماعية وثقافية وفكرية بأسلوب سلس يلامس اهتمامات القارئ اليومية.
تمتاز بأسلوبها العفوي الذي يدمج بين الطابع الشخصي والتعبير الحر، مما يجعل التدوينات قريبة من القارئ وواقعية. كما تحرص على طرح أفكار جديدة ومناقشة قضايا مجتمعية بطريقة مفتوحة للنقاش.
من خلال مدوناتها، تسعى مها أحمد إلى مشاركة الأفكار والخبرات وتبادل الرؤى مع الجمهور، لتجعل من التدوين مساحة للتواصل والإلهام.