قد تدمَّر واشنطن، وقد تُمحى نيويورك من الوجود، لكن الولايات المتحدة ستظل قادرة على الرد. ليس من البيت الأبيض، ولا من البنتاغون، بل من عمق جبلٍ في ولاية كولورادو… هناك، تحت أطنانٍ من الصخور الصلبة، يقع جبل شايان — أعقد وأخطر منشأة دفاعية في التاريخ الأمريكي.
قائمة المحتويات
في هذا المقال، سنغوص في القصة الكاملة لهذا الملجأ النووي الأسطوري الذي بُني ليكون درع أمريكا الأخير، من فكرة إنشائه في خمسينيات القرن الماضي حتى عودته المفاجئة إلى الخدمة في القرن الحادي والعشرين.
ما هو جبل شايان؟
يقع جبل شايان (Cheyenne Mountain) في ولاية كولورادو الأمريكية، ويُعد أحد أكثر الملاجئ العسكرية تحصينًا في العالم. أُنشئ في قلب الجبل ليكون مركز القيادة والتحكم في حال تعرضت الولايات المتحدة لهجوم نووي شامل. بحسب وزارة الدفاع الأمريكية، بُني هذا المجمع ليصمد حتى بعد تدمير واشنطن ونيويورك بالكامل، وليواصل إدارة الحرب من تحت الأرض.
بداية الفكرة: سباق الرعب في زمن الحرب الباردة
في خمسينيات القرن العشرين، كان العالم يعيش على حافة الهاوية. سباق تسلح نووي جنوني بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي جعل الخوف من “نهاية العالم” واقعيًا أكثر من أي وقت مضى. بحلول عام 1959، أكدت تقارير وزارة الدفاع أن العدو أصبح قادرًا على ضرب قلب أمريكا خلال دقائق معدودة. لذلك، وُلدت فكرة بناء مركز قيادة محصن تحت الأرض، مكان يظل صامدًا حتى بعد ضربة نووية مدمرة.
“اطلع على: المدينة العسكرية السرية في بكين“
لماذا اختير جبل شايان؟

اختيار الموقع لم يكن صدفة، بل نتيجة دراسات دقيقة استمرت لسنوات.
- صخور الجرانيت الصلبة: دراسة من جامعة كولورادو عام 1960 أثبتت أن جرانيت شايان قادر على امتصاص موجة انفجار نووي تعادل عشرات الميجاطن من القوة التدميرية.
- الموقع الداخلي الآمن: يقع الجبل في قلب القارة، بعيدًا عن السواحل، ما يجعله بمنأى عن الغواصات النووية السوفييتية.
- البيئة العسكرية المحيطة: قربه من مدينة كولورادو سبرينغز، التي تضم قواعد جوية ومصانع سلاح، جعل الموقع مثاليًا من الناحية اللوجستية والعسكرية.
بناء الجبل: مدينة من الحديد تحت الصخر
بدأت عمليات الحفر عام 1961، واستمرت بلا توقف ليلًا ونهارًا. آلاف العمال والمهندسين العسكريين استخدموا أطنانًا من المتفجرات لشق الأنفاق الضخمة، ونُقلت ملايين الأطنان من الصخور إلى الخارج. النتيجة كانت شبكة أنفاق تمتد تحت الأرض، تضم 15 مبنى حديديًا عملاقًا وُضعت جميعها على نوابض فولاذية ضخمة لتخفيف أي صدمة ناتجة عن انفجار نووي قريب. الأبواب وحدها تزن 25 طنًا من الفولاذ، ويمكن إغلاقها خلال ثوانٍ. وبلغت التكلفة وقتها حوالي 142 مليون دولار عام 1966 (أي أكثر من 1.5 مليار دولار بالقيمة الحالية).
افتتاح الأسطورة: ولادة العقل السري لأمريكا
افتُتح مجمع جبل شايان رسميًا في فبراير 1966، بحضور كبار القادة العسكريين. منذ تلك اللحظة، أصبح المقر الرئيسي لـ قيادة دفاع الفضاء الجوي الأمريكية الشمالية (NORAD) — الجهة المسؤولة عن مراقبة السماء، وردع أي هجوم نووي محتمل. كان المجمع يُعرف بأنه العقل النووي للولايات المتحدة، والمركز الذي يمكنه أن يدير حربًا عالمية ثالثة من أعماق الأرض.
سنوات الذروة: من داخل القبو النووي
في سبعينيات القرن الماضي، عاش المجمع سنوات الرعب الحقيقي. داخل الأنفاق المحصنة، كان الجنود يعملون بلا نوافذ، في بيئة مغلقة تمامًا.
في التالي مرافق العيش تحت الأرض:
- مطاعم صغيرة وغرف نوم ضيقة.
- نظام تهوية متطور لتنقية الهواء من الغازات والمواد المشعة.
- خزانات مياه جوفية مستقلة.
 كل شيء أُعد ليعيش مئات الأشخاص لأسابيع دون أي اتصال بالعالم الخارجي.
أما قلب الجبل فكان غرفة العمليات، حيث تعمل عشرات الشاشات والحواسيب العملاقة التي تراقب السماء على مدار الساعة. أشهرها كان الكمبيوتر AN/FSQ-7، أضخم كمبيوتر في العالم حينها، والمخصص لتحليل إشارات الرادار والأقمار الصناعية.
أخطاء كادت تشعل حربًا نووية
لم يكن جبل شايان معصومًا من الأخطاء. عام 1979، حدث إنذار كاذب يُظهر هجومًا نوويًا من أكثر من 200 صاروخ سوفييتي. استعدت أمريكا للرد، وكادت الطائرات النووية تقلع، لكن تبيّن لاحقًا أن السبب شريط تدريبي أُدخل عن طريق الخطأ. تكرر الأمر في 1980 و1983 — أخطاء تقنية كادت تشعل نهاية العالم.
من الحرب الباردة إلى ما بعد السوفييت
مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، بدأ العالم يتنفس الصعداء. انتهت الحرب الباردة، وتراجع الخطر النووي. لكن في داخل جبل شايان، تساءل الجنود: هل انتهت مهمتنا؟ التقارير العسكرية عام 1992 أكدت انخفاض المخاطر وارتفاع التكلفة التشغيلية، إذ كان المجمع يستهلك ملايين الدولارات سنويًا.
“اطلع على: القنبلة الفراغية المصرية نصر 9000“
نهاية الأسطورة… مؤقتًا
في عام 2006، أعلنت وزارة الدفاع نقل مقر قيادة “نورات” من جبل شايان إلى قاعدة “بيترسون” الجوية. الخبر كان صادمًا: لأول مرة منذ 40 عامًا، لم يعد الجبل هو القلب العسكري النابض. الإعلام وصف القرار بـ”نهاية الأسطورة”، لكن الحقيقة أن المجمع لم يُغلق، بل تحوّل إلى خطة طوارئ احتياطية تُستخدم في حالة الهجوم أو الطوارئ القصوى.
العودة من تحت الرماد
في عام 2015، ومع تصاعد التهديدات الإلكترونية وصواريخ كروز الحديثة، أعلن البنتاغون عن إعادة تفعيل أجزاء من جبل شايان. السبب؟ قدرته على مقاومة النبض الكهرومغناطيسي (EMP) — سلاح قادر على تعطيل كل الإلكترونيات فوق سطح الأرض. صرّح الأدميرال “ويليام جورتني” لقناة “فوكس نيوز”:
“أعدنا تشغيل المجمع لأنه المكان الأكثر أمانًا لحماية أنظمة القيادة الحساسة.”
هكذا عاد اسم الجبل ليظهر مجددًا في الأخبار، كدرع استراتيجي ضد تهديدات القرن الحادي والعشرين.
جبل شايان في الثقافة الشعبية
لم يقتصر حضور الجبل على السياسة والدفاع، بل تسلل إلى السينما والألعاب والخيال الشعبي.
- في فيلم WarGames (1983) كان مركز القرار العالمي.
- في مسلسل Stargate SG-1 أصبح بوابة إلى الفضاء.
- وفي ألعاب الفيديو، ظهر كملجأ يوم القيامة.
صحيفة “الغارديان” البريطانية كتبت عام 2018:
“جبل شايان ليس مجرد منشأة عسكرية، إنه رمز أمريكي للبقاء في نهاية العالم.”
أسئلة شائعة حول جبل شايان
1. أين يقع جبل شايان بالتحديد؟
يقع في ولاية كولورادو، قرب مدينة كولورادو سبرينغز، داخل جبال الروكي الأمريكية.
2. هل ما زال جبل شايان يستخدم اليوم؟
نعم، لا يزال قيد الاستخدام كمنشأة احتياطية لأنظمة القيادة الحساسة التابعة للبنتاغون، وخاصة لمواجهة التهديدات الإلكترونية.
3. هل يمكن للمدنيين زيارة الجبل؟
لا، المجمع مغلق أمام الجمهور، ويُعد من أكثر المنشآت الأمنية سرية في الولايات المتحدة.
4. هل فعلاً يمكنه الصمود أمام انفجار نووي؟
بحسب وزارة الدفاع، بُني ليصمد أمام انفجار بقوة 30 ميغاطن على بعد كيلومترات قليلة، ما يجعله من أقوى الملاجئ في العالم.
5. لماذا يسمى “القبو الذي لا يموت”؟
لأن الجبل صُمم ليبقى فعالًا حتى بعد تدمير أمريكا بالكامل، وليواصل الدفاع عنها من تحت الأرض.
“قد يهمك: الجيش البولندي“
الخاتمة: القبو الذي لا يموت
بعد أكثر من نصف قرن على بنائه، ما زال جبل شايان رمزًا للرعب والقوة في آنٍ واحد. من الحرب الباردة إلى الحرب السيبرانية، ظلّ هذا الجبل الصامت حارسًا للسماء الأمريكية. قد لا يكون اليوم المركز الرئيس للدفاع الأمريكي، لكنه يبقى القبو الذي لا يموت، والملاذ الأخير في حال عادت البشرية إلى حافة الدمار.

مها أحمد كاتبة ومدونة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين التجربة الشخصية والتحليل الموضوعي. تكتب عن قضايا اجتماعية وثقافية وفكرية بأسلوب سلس يلامس اهتمامات القارئ اليومية.
تمتاز بأسلوبها العفوي الذي يدمج بين الطابع الشخصي والتعبير الحر، مما يجعل التدوينات قريبة من القارئ وواقعية. كما تحرص على طرح أفكار جديدة ومناقشة قضايا مجتمعية بطريقة مفتوحة للنقاش.
من خلال مدوناتها، تسعى مها أحمد إلى مشاركة الأفكار والخبرات وتبادل الرؤى مع الجمهور، لتجعل من التدوين مساحة للتواصل والإلهام.

