رواية طاحونة النمل صراع مجتمعي إنساني للكاتب محمد اسماعيل  

رواية طاحونة النمل

رواية طاحونة النمل رواية واقعية اجتماعية بمزيج من التحليل والإنسانية، صدرت عن دار العكاظية للنشر والتوزيع مطلع عام 2023 الجاري للكاتب والروائي محمد إسماعيل الشريف، الرواية قطع متوسط من 136 صفحة مقسمة لعشر فصول.

رواية طاحونة النمل عتبات النص 

حينما نقول عتبات النص فمؤكد أننا نقصد العنوان والغلاف والمقدمة وكلمة ظهر الغلاف، وهي العتبات المفتاحية التي تحول فكر القارئ إلى ما  تحويهِ الرواية بشكل مجمل وتفتح الإمكانات بعقل القاريء. 

أولا: عنوان رواية طاحونة النمل 

طاحونة النمل، استلهم الروائي عنوانه من ظاهرة تحدث لنوع من النمل تسمى(دوامة النمل) حين يفقد الدليل إلى الطريق ويتوه ويدور في دوامة بشكل فوضوي، وما يكون من القطيع الرهيب من النمل سوى اتباعه بشكل عمياني، ومع زيادة دوران الطاحونة تزداد حركة الانهماك ومزيد من الطاقة والتي تؤدي لهلاك النمل وانتحارهم جماعيا، وهذه الصورة للظاهرة توضح أن الأحداث بالرواية عبارة عن طاحونة، ودوامة هلاك، ولكن ُترى كيف عبر عنها الكاتب؟ هذا ما سنتعرض له لاحقا..

ثانيا: غلاف رواية طاحونة النمل 

يحتوي الغلاف ألوان بمعاني خفية ضمنية أبيض يميل للحمرة مع لون العنوان باللون الأحمر الداكن لون الدماء وهو ما يتماشى مع حالة العنف الضمني بالأحداث. 

كلمة ظهر الكتاب:

[ في تلكم الرواية يعكس الكاتب المجتمع في أحداثه وشخصياته ويبوح بالاستدعاء الحر لما يخالج الشعب من مشاعر وتساؤلات في خضم تلك الأحداث، فهي رواية تتلخص في جملة في سياق أحداثها قد قيلت (يبدو أن النظام قد انتحر وتركنا، بينما نحن الآن نعطي الفوضى قيمة التنظيم) ].

رواية طاحونة النمل
رواية طاحونة النمل

هناك احترافية ملموسة في عتبات النص توضح ثقل فهم الكاتب عن ذلك والاعتناء به، والكلمة على ظهر الغلاف مباشرة وفي نفس الوقت جاءت غامضة تدعوك وترغمك على خوض غمار القراءة واكتشاف ما يحدث. 

تمهيد الرواية لوحة تشكيلية غامضة 

بدأ الكاتب روايته برسم لوحة ظلامية سريالية كئيبة جدا وبارعة في الوصف بلغة غريبة نوعا ما عن اللغة التي استخدمها داخل الرواية، والتي جاءت الأحداث بعد ذلك تفسر هذه اللوحة، كأن الرواية لوحة تشكيلية جاء النص كاملا في شرحها، وهذه وقفت معها كثيرا لأنني لم أقف على مثلها أبدا في قراءاتي.

الفصل الأول بدأت الشخصية بعرض تساؤلاتها عن أشياء ومفاهيم كثيرة في أسلوب شيق ظريف نوعا ما لا تغيب عنه مسحة كوميديا سوداء. 

فصول رواية ( طاحونة النمل) 

قام الكاتب بتقسيم الرواية لعشر فصول، كل فصل لشخصية يوضح فيها أبعادها واهتماماتها وخلفياتها النفسية والبيئية والتاريخية، بعدما أشار في بداية الفصل الأول لاتفاق ما مهم جرى بين الشخصيات، لكننا مع طول القراءة ننتظر ماهية الاتفاق حتى نقطة التنوير في ثلث النص الأخير. 

تدور الأحداث حول مجموعة من الشخصيات مختلفة التوجه متنافرة الفئة، فهناك صيدلي و تاجر وسمسار وشيخ وعامل،  كلهم يشتركون في شيء واحد وهو أنهم جميعا ضمن طاحونة النمل في انهماك وتعب حد الهلاك، لكنهم يتفقون على مهمة كبرى كي تخرجهم من تلك الطاحونة الحياتية والتي عبر عنها الكاتب بطاحونة النمل، ويظل تفكيرهم منصب في هذا الاتفاق حتى النهاية المفاجئة العبثية والتي عبر عنها الكاتب بآخر كلمات في الرواية وهي:  [ هنا توقف كل شيء، وأصبحت حركات أبطالنا محض عبث،وليس لديهم الآن سوى تمزيق أوراق تلك الرواية غير واضحة الملامح، وربما يكتبون رواية خيالية يحصلون فيها على ما يريدون].

نهاية غريبة وكأنها تنسف كل ما مضى وبكل تشاؤمية واستخدام مصطلحات(عبث، تمزيق، خيال) كلمات مفتاحية لحالة الإحباط، خصوصا شخصية الدكتور الصيدلي هاني وهو أكثر شخصيات الرواية كآبة وإحباطا، والذي كان له نصيب الأسد في تمرير الكاتب أفكاره وأطروحاته على لسانه.

الرواية مابين الراوي والشخصيات 

يتناول السرد كل شخصية، ثم يسرد الراوي العليم في بعض الأحيان، وهو أنسب أسلوب لاختيار الرواة من وجهة نظري. 

أما الشخصيات فهي: 

شخصية الدكتور مركبة تعاني اضطراب ثوري متمرد، كثير التعبير، ففي الفصل الخاص به يتضح كم الحنق والضجر الذي بداخله، والذي كان من المنطقي جدا أن يكون هذا الكم الرهيب في شخصية عوض ذلك العامل المطحون ومع ذلك يستطيع تغيير مهنته لمرات عدة، ويتمتع بظرف وخفة دم في أحلك الظروف، والذي كان كثيرا ما يصطدم معه الدكتور، ربما لأنه كما صرح الدكتور قائلا: (فلست أعيش في طبقة الأطباء المترفين، ولا أنا واحد من هؤلاء بالحي الشعبي أستطيع أن أحسن دخلي بتوكتوك أو محل لبيع الخضار).

تأتي شخصية المستريح المستغل صاحب المال الذي لا يأبه بأي طاحونة وهو عبد الستار، ثم شخصية الخاضع للوظيفة كصمام أمان الحياة والوجود مثل أحمد، والذي ينافره الدكتور هاني في فكرته عن الوظيفة كصيدلي متمرد ثائر قام بتقديم استقالته، وهناك شخصية التاجر الحاج سيد العائد من سنين الغربة والذي فاجأته الطاحونة بجرها له، فلا يستطيع الهروب للخارج ولا التعايش بالداخل، ثم شخصية الشيخ عبد المقصود الأزهري المنفتح والمرن مع الأحداث وهو الذي سيقوم بعقد الاتفاق الأكبر مع الشخصيات بعدما يتفق مع الجني حارس البيت المهجور، وهو المعالج الروحاني لفلاحة بالقرية عشقها ذاك المارد… 

مراجعة حبكة الرواية (طاحونة النمل)

الحبكة في النص جيدة رغم البطء الممل في البداية والسرعة الرهيبة في الخاتمة، ويبدو عدم اهتمام الكاتب بالدراما أكثر من الاستطراد والتوصيف والاستبطان الذي تعودنا منه عليه في رواياته السابقة كرواية (ذوات مهملة) أقرب شيء، وله روايات اجتماعية يتغير فيها أسلوبه حسب الفكرة والطرح. 

الكاتب محمد اسماعيل وروايته طاحونة النمل 

الكاتب واعي مثقف مطلع، وفي سيرته قد عاش بالحي الشعبي والريف وتنقل وخاض تجاربه العديدة، فلا شك سيمتعنا باستعراض خبراته المعرفية المهمة بالنص والغير تعسفية كعادة بعض الكتاب، فعلى سبيل المثال حينما يستغرق في تفاصيل طبيعة وظيفة الصيادلة ومشكلاتها في الدولة حاليا ومعوقاتها، كذلك في استعراض مشكلة المعماريين وأسباب الخلل في كون هناك المباني العديدة في المدن ولا زالوا يعانون من الضيق؟ كانت خبرة الكاتب تقف على أرض صلبة وليست معلومات من محض الخيال أو مجرد تجارب سماعية  بل كانت تجاربه  مستقاه من أعماق الحياة.

كذلك استعراض تطورات التجارة مع شخصية التاجر بالتفصيل وبالأسعار، كذلك في الإشارة الدينية لبعض مسائل على لسان الشيخ، وأيضا في النقد المجتمعي ككل فهو محلل وراصد جيد للمجتمع علاوة على أنه غواص بمكنونات النفس الإنسانية، وهذا يتضح في المونولوجات داخل الرواية والتي كانت من نصيب الدكتور وحتى الحوارات بين الشخصيات والتي توضح حيادية وموضوعية الكاتب وعدم تعسفه وتورطه بالتحيز المفاهيمي لشخصية بعينها، وذلك حينما تقرأ الجزء الخاص بنقد الوظيفة على لسان الدكتور ثم بمدح الوظيفة على لسان الأستاذ أحمد. 

المسرحي السيد حافظ  يتحدث عن محمد اسماعيل 

الروائي محمد إسماعيل كاتب مهم كما أشار بذلك الكاتب الروائي والمسرحي الكبير السيد حافظ  على صفحته الشخصية أكثر من مرة، وغيره من أصحاب المعرفة والوعي، فهو كاتب متمرد ثائر غير نمطي في أفكاره، يتأرجح في أساليبه وقابل للتطور بسرعة كبيرة، ويميزه التفلسف والتحليل والاستبطان، غير أنه كاتب مدفوع بمعاناة وليس مرفها يكتب من مكتب تحت التكييف منعزلا عن صعوبات الطقس أو مشكلات الواقع.

المسرحي السيد حافظ
المسرحي السيد حافظ

رواية طاحونة النمل لغة تثير دهشة القارئ  

اللغة التعبيرية فصيحة، ما بين بليغة حد التعقيد وبين السهولة حد بساطة للغة العادية، وكله حسب الإيقاع الذي يهتم به الكاتب، ففي الحدث المخيف تأتي كلماته مضطربة مرتبكة، وفي الجزء العبثي المتمرد تأتي لغته ساخرة بنبرة تحدي، وفي وقت الحوار البسيط يكون الأسلوب ساذجا جدا كسذاجة المشهد، لينقلك معه للمشهد برمته، لو فككنا النص لكتبنا عدة مقالات وكل مقال سيحتاج لنقاش، والسمة العامة للرواية هي التمرد والرغبة التجديدية والتحدي.

الرمزية في النص متعددة ورائها معاني أخرى، قد يقوم بتأويلها أي ناقد مختص، أشعر بأن النص غني جدا بالمعاني ومليء بالجمل الحاوية للحكمة وكثافة المضمون القوي الذي يخترق عقل القارئ  فيبعث عنده الدهشة والرغبة في التفكير.

 اقتباسات رواية طاحونة النمل 

١/ [… أتذكر حينها كيف نظر لي والدي بذهول صامتا، ثم انصرف ولم يرد.، وأتذكر ما قالته لي أمي بعدها، لم تكن كلماتها ردا على سؤالي الذي سألته، بل كان سؤالا موجها لي: لماذا جرحتَ شعور والدك لهذا الحد؟!.

أتدرين ما المشكلة يا ميادة؟، المشكلة في أننا لم يكن لنا رأي في وجودنا هنا، كل شيء حدث رغما عنا،وكل شيء نحن مجبرون عليه، الزنزانتان أسوأ من بعضهما يا ميادة، فلماذا يسخر مني سجامي كلما تألمتُ؟!…]

٢/ [ الذين يقومون بغسيل الأموال يأخذون كميات كبيرة من المقاولات بأسعار رخيصة، لا يستطيع المقاولون العمل بها بالطبع، والشركات الكبرى لها من سيوفر عليها، وأصحاب الفساد يخسرون مليونا أو مليونين أفضل لهم من خسارة أموالهم ومحاكمتهم]

٣/ [ليت لنا إطارات إضافية كهذه المركبة، إذا توقف بنا السعي قمنا باستبدالها لنستأنف الرحلة]

الروائي محمد اسماعيل
الروائي محمد اسماعيل

اقرأ أيضا: 

رواية (انحراف حاد) الخطاب الديني داخل النص للروائي أشرف الخمايسي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *